اليوم العالمي للأرامل

 

ورد عن رسول الله أنه قال: «السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوْ: كالَّذِي يَصُومُ النَّهارَ ويقومُ اللَّيْلَ»[1] .

في سنة 2010م اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الثالث والعشرين من شهر يونيو يومًا عالميًّا للأرامل، يُحتفى به كلّ عام، لإلفات نظر المجتمعات والحكومات لهذه الشريحة من النساء، اللاتي يبلغ عددهنّ حسب تقديرات الأمم المتحدة حوالي 258 مليون أرملة في مختلف أنحاء العالم، وحولهنّ أكثر من 585 مليون من أطفالهنّ الأيتام.

ويرتفع عدد الأرامل في مناطق الحروب والنزاعات، حيث يفقدن رجالهنّ بسببها، وتضم أفغانستان مثلًا إحدى أعلى النسب من الأرامل في العالم، مقارنة بمجموع سكانها البالغ 39.948 مليونًا، بينما يصل عدد الأرامل فيها إلى حوالي 5.1 مليون أرملة، وفي العاصمة كابل وحدها ما بين 50 ألف إلى 70 ألف أرملة.

وكذلك الحال في العراق حيث يقدّر عدد الأرامل ما بين 3 إلى 4 مليون أرملة، حسب تقديرات الأمم المتحدة وجهات رسمية عراقية.

وفي الصومال وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وأمثالها من البلدان التي ابتليت بالحروب، أرقام وإحصاءات مرعبة من عدد الأرامل والأيتام.

كما سبّبت جائحة كورونا التي اجتاحت العالم هاتين السنتين، ترمّل عدد كبير من النساء، بفقد رجالهن جرّاء الإصابة بالفيروس.

إضافة إلى الحالات الطبيعية للوفيات بين الرجال في كلّ المجتمعات.

وتفاعلًا مع هذه المناسبة الأممية، واهتمامًا بهذه الشريحة في مجتمعاتنا، نعرض بعض المقاربات المرتبطة بهذا الموضوع.

أولًا: التوجيه الديني للاهتمام بالأرامل

نجد الحديث النبوي الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وأوردته عدد من مصادر الحديث المعتمدة، أنه يجعل أجر الاهتمام بالأرملة موازيًا لأجر الجهاد في سبيل الله، ولأجر الالتزام بصوم النهار وقيام الليل.

حيث جاء في نص الحديث: «السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوْ: كالَّذِي يَصُومُ النَّهارَ ويقومُ اللَّيْلَ»[2] .

والسّاعي هو من يسعى ويتحرّك للمساعدة في إدارة شؤون الأرملة والمسكين، وقضاء حاجاتهما، وتوفير ما ينفعهما.

وإذا كان المجاهد يدافع عن وجود الدين ومصلحة الأمة، فإنّ الاهتمام بمناطق الضعف في المجتمع جهاد يحفظ أمن المجتمع وتماسكه.

وورد عن الصحابي عبدالله بن أبي أوفى قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْعَبْدِ وَالْأَرْمَلَةِ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُمْ مِنْ حَاجَتِهِمْ)[3] .

ومما قاله أبوطالب في مدح رسول الله :

وأبيَضَ يُستَسقَى الغَمامُ بِوَجهِهِ          ثِمالُ اليَتامى عِصمَةٌ لِلأَرامِلِ

ثمال: مغيث ومعين اليتامى.

عصمة: يحميهم ويمنع عنهم ما يضرّهم.

وجاء في مسند أحمد بن حنبل عن عبدالله بن عباس: (ابْتَاعَ النَّبِيُّ مِنْ عِيرٍ أَقْبَلَتْ فَرَبِحَ أَوَاقِيَّ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرَامِلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ)[4] .

ومما روي بأسانيد فيها ضعف لكنّها صحيحة المعنى، ولها شواهد من الأحاديث الصحيحة الأخرى، عنه : «اتقوا اللهَ في الضَّعِيفَيْنِ: المرأةِ الأرملةِ، والصبيِّ اليتيمِ»[5] .

وجاء في وصية لأمير المؤمنين علي : «وَارْحَمُوا الْأَرْمَلَةَ وَالْيَتِيمَ»[6] . 

ومما جاء في سيرته أنه طرق باب أرملة معها أطفالها، وهو يحمل زنبيلًا فيه طعام، ودخل المنزل، وقام بسجر التنور لتصنع الأرملة الطعام لأطفالها، وكان هو يلاعب الأطفال الصغار لانشغال أمهم بطهو الطعام[7] .

وورد أنه : (نَظَرَ إلَى امرَأَةٍ [أرملة] عَلى كَتِفِها قِربَةُ ماءٍ، فَأَخَذَ مِنهَا القِربَةَ فَحَمَلَها إلى مَوضِعِها)[8] .

وفي سياق الاهتمام بالأرامل وأطفالهنّ، نجد أنّ الإمام الحسن بن علي وضع بندًا في معاهدة صلحه مع معاوية، يتضمّن توزيع مبالغ محدّدة على أسر الشّهداء الذين قتلوا مع أبيه علي في يوم الجمل ومعركة صفين[9] .

ثانيًا: الدعم النفسي للأرامل

حين يفقد أحد الزوجين شريك حياته، فإنّ ذلك يترك ألمًا وفراغًا كبيرًا في نفسه، وتشتدّ هذه الحالة عند المرأة أكثر، لمخزونها العاطفي الكبير، وارتباطها النفسي العميق بزوجها، واعتمادها عليه غالبًا في تدبير مستلزمات حياتها، وتحمّله لمسؤولية رعاية الأبناء وإدارة شؤون الأسرة.

فحين تفقد زوجها تشعر بالوحشة والضياع والفراغ الكبير، وهي تحمل إلى جانب همّها همّ حزن أبنائها وأطفالها لفقد أبيهم، فتحتاج إلى الدعم النفسي والتعاطف والمساندة، ومساعدتها في تجاوز الصدمة والتغيّر المؤلم في حياتها.

استنهاض ثقة الأرملة بنفسها

إنه لا بُدّ من رفع معنويات الأرملة بتذكيرها بالثقة بالله، والرّضا بقضائه وقدره، واستنهاض ثقتها بنفسها، وما تنطوي عليه شخصيتها من قدرات وطاقات، وتوجيهها للاهتمام بتربية أبنائها، الذين يمثلون الرّصيد الأكبر لها في الدنيا والآخرة.

ويذكر لنا التاريخ الماضي، ونجد في الواقع المعاصر، نماذج لأمهاتٍ أرامل، قدّمن أفضل التجارب الناجحة في إدارة حياتهنّ، وتربية أبنائهنّ، وتفجير طاقاتهنّ الفكرية والنفسية والاجتماعية.

وهناك حديث مثير ورد عن رسول الله يشيد بالمرأة الأرملة التي توظف وجودها في إعداد أبناء صالحين، فيعتبرها رسول الله من أوائل المستحقين لدخول الجنة.

فقد ورد عنه : فقد ورد عنه : «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ بَابَ الْجَنَّةُ، إِلَّا أَنَّهُ تَأْتِي امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي (أي لتدخل معي، أو تدخل في أثري)، فَأَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ؟ وَمَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي»[10] .

ولا يبدو أنّ الحديث يشير إلى امرأة معيّنة، وإنّما هو إشارة إلى شريحة من النساء يتّصفن بهذه الصفة، فيبلغن هذه الدرجة.

ثالثًا: الاحتضان الاجتماعي

إنّ واجب المجتمع الاهتمام بهذه الشّريحة (الأرامل) واحتضانهنّ، بوجود جهات ومؤسّسات ترعاهنّ، وتوفر الاحتياجات اللازمة لحياتهنّ، ولمساعدتهنّ في تربية أبنائهنّ.

إنّ التقصير في رعاية الأرامل يعتبر ظلمًا لهنّ كجزء من المجتمع، كما قد يعرّضهنّ للابتزاز من قبل ضعاف النفوس، وإهمالهنّ ينعكس على وضع أبنائهنّ، وذلك يسبب ثغرة في أمن المجتمع.

ومن المؤسف أنّ بعض الأرامل تنتهب حقوقهنّ المالية من الإرث، أو يحصل تباطؤ وتأخير في إعطائهنّ نصيبهنّ.

صحيح أنّ بعضهنّ قد أغناهنّ الله بالكسب والوظيفة، لكن ذلك لا يبرّر الاعتداء على حقوقهنّ وحقّ أولادهنّ الأيتام، فهو ظلم كبير.

يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا. [النساء: 10]

كما أنّ من أهمّ مظاهر الاحتضان الاجتماعي مساعدة الأرملة في رعاية أبنائها الأيتام، ليس على صعيد حاجاتهم المادية فقط، وإنّما مساعدتها في الاهتمام بمسيرتهم التعليمية، وسلوكهم الاجتماعي، وتأهيلهم الوظيفي، وهذا ما يجب أن توليه لجان كفالة الأيتام عناية كبيرة.

العمل المؤسسي لرعاية الأرامل

إلى جانب الضّمان الاجتماعي في بلادنا، الذي يقدّم معاشًا سنويًا للأسر الضّعيفة، وللأرامل والأيتام، فإنّ للجمعيات الأهلية الخيرية دورًا مهمًّا في مساعدة الأرامل والأيتام والفقراء في المجتمع.

وقد تأسّست جمعيات خاصّة بالأرامل والمطلّقات، وأبرزها الجمعية السعودية الأهلية لرعاية الأرامل والمطلّقات " أيامى" ومقرّها الرياض.

وهي: جمعية تنموية تسعى لتحسين أوضاع الأرامل والمطلّقات ورعايتهنّ، وتقديم البرامج والأنشطة لتعزيز قدراتهنّ الإنتاجية في مجالات الحياة، والعمل على الاهتمام بالمستفيدات والمحافظة على حقوقهن من خلال رفع مستوى الوعي المجتمعي الإيجابي نحو هذه الشّريحة، ومحاولة الحدّ من ظاهرة الطلاق والترمّل عبر معالجة أسبابهما وأضرارهما المجتمعية.

كما تأسّست جمعية (دعم) لرعاية الأرامل والمطلقات بمنطقة مكة المكرمة، لتقدم الخدمات لشريحة المطلّقات والأرامل في المجتمع، التي لديهنّ عدد من الاحتياجات المهمّة، وتسعى الجمعية لتقديم المساندة اللازمة والعاجلة لهنّ، التي تشمل الاستشارات النفسية والقانونية والاجتماعية، بالإضافة لتوفير السّكن وغيرها من الاحتياجات. ولا يقف تقديم الدعم لهذه الفئة على الاستشارات؛ بل تسعى الجمعية لتمكينهنّ في المجتمع بتأهيلهنّ على مهارات سوق العمل ومحاولة توظيفهنّ بالشراكة مع القطاعات ذات العلاقة.

وحري بالمواطنين في منطقتنا الغالية التفكير في تأسيس جمعية مماثلة تهتم بهذه الشريحة، حتى تسدّ هذه الثغرة، وتتكامل بها منظومة العمل الخيري التطوعي.

وإنّي أهيب بالأخوات الفاضلات في مجتمعنا، وخاصة ذوات الخبرة الوظيفية من الأكاديميات والمثقفات وسيّدات الأعمال، أن يكنّ المبادرات لتبنّي هذا المشروع الإنساني الاجتماعي. ويفترض أنّهنّ أقرب إلى هموم هذه الشريحة، وأعرف بمستويات الحاجة فيها.

 

خطبة الجمعة 25 ذو القعدة 1443هـ الموافق 24 يونيو 2022م.

[1]  صحيح البخاري، ح6006
[2]  صحيح البخاري، ح6006.
[3]  المستدرك على الصحيحين، ج2، ص671، ح4226.
[4]  مسند أحمد بن حنبل، مسند عبد الله بن العباس، ح2817.
[5]  ابن ماجه، ح3678.
[6]  تحف العقول، ص 149.
[7]  مناقب ابن شهراشوب، ج2، ص115.
[8]  بحار الأنوار، ج41، ص52.
[9]  الطبري: ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، ج2، ص118.
[10]  مسند أبي يعلى، ح6651.