تحفيز العاملين في المؤسّسات التطوعية

 

وَرد عن الإمام الجواد : «أَهْلُ اَلْمَعْرُوفِ إِلَى اِصْطِنَاعِهِ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ اَلْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُ وَفَخْرَهُ وَذِكْرَهُ، فَمَهْمَا اِصْطَنَعَ اَلرَّجُلُ مِنْ مَعْرُوفٍ فَإِنَّمَا يَبْدَأُ فِيهِ بِنَفْسِه،ِ فَلاَ يَطْلُبَنَّ شُكْرَ مَا صَنَعَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ»[1] .

خلق الله تعالى الانسان مجبولًا على حبّ ذاته، وطلب منه الإحسان إلى غيره، فكيف يوفّق الإنسان بين هذين الاتّجاهين المتعارضين؟

إنّ الدين لا يتنكر لحبّ الذات، ولا يطلب من الإنسان أن يتجاوز حبّه لذاته، بل يوسّع الدين أفق الإنسان في استكشاف مصلحة ذاته.

ذلك أنّ الإنسان قد يدرك شيئًا من مصالح ذاته ضمن المرحلة الأولى من وجوده، وهي حياته القصيرة المحدودة في هذه الدنيا، لكنّه لا يعرف كيف يحقّق مصلحة ذاته في المرحلة الثانية بعد انتقاله إلى الدار الآخرة، دار البقاء والخلود.

كما يندفع الإنسان لتحقيق الرّغبات والمصالح المادية لذاته، ويغفل عن البعد الآخر في شخصيته الإنسانية وهو البعد المعنوي والروحي.

الإحسان للآخرين مصلحة للذات

وحين يوجه الدين الإنسان للإحسان للآخرين، فإنّ ذلك من صميم حبّ الذات وفي إطار تحقيق مصالحها، التي لا تقتصر على البعد المادي ولا على الحياة الدنيا.

فمن يعمل الخير للآخرين إنّما هو يخدم نفسه في الواقع ويجلب النفع لها، ويدفع الضَّرر عنها.

وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم، حيث يقول تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ [الإسراء: 7]

ويقول تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة: 272].

وضمن هذا الهدي الإلهي القرآني تأتي هذه الكلمات المروية عن الإمام الجواد : «أَهْلُ اَلْمَعْرُوفِ إِلَى اِصْطِنَاعِهِ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ اَلْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُ وَفَخْرَهُ وَذِكْرَه،ُ فَمَهْمَا اِصْطَنَعَ اَلرَّجُلُ مِنْ مَعْرُوفٍ فَإِنَّمَا يَبْدَأُ فِيهِ بِنَفْسِهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّ شُكْرَ مَا صَنَعَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ»[2] .

ونريد أن نقف عند الفقرة الأخيرة من هذه الكلمة النيّرة، «فَلاَ يَطْلُبَنَّ شُكْرَ مَا صَنَعَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ».

فمن يتصدّى لعمل الخير عليه أن يحافظ على اندفاعه الذاتي، انطلاقًا من تطلّعه لرضوان الله وثوابه، فلا يطلب الشكر من الآخرين.

لكن المطلوب من الآخرين شكر ذوي المعروف، وصنّاع الخير في محيطهم الاجتماعي؛ لأنّ ذلك يشجع الإقبال على عمل الخير، ويحفّز لاستمراريته.

العاملون في المؤسّسات التطوعية

وأودّ الحديث هنا عن شريحة العاملين في المؤسّسات التطوعية في المجتمع، كالجمعيات الخيرية، وجمعيات التنمية الاجتماعية، والأندية الرياضية، والمراكز الدينية والثقافية.

هؤلاء هم القوة الرّافعة والدافعة لعمل الخير والمعروف في المجتمع، فهم شركاء في ثواب كلّ عمل يتم عبر مؤسّستهم.

ورد عن رسول الله : «مَنْ مَشَى بِصَدَقَةٍ إِلَى مُحْتَاجٍ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ صَاحِبِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ»[3] .

إنّ المتطوع يواجه ضغط الالتزام في شؤون حياته الشخصية والعائلية، كما أنّ طبيعة العمل التطوعي تفرض عليه التزامات، وتعرّضه لتحدّيات، وتحمّله مسؤوليات.

وهو لا يتقاضى رابتًا ولا مكافأة مالية على عمله التطوعي.

فهو بحاجة للتشجيع والتحفيز وخاصّة من داخل المؤسّسات التطوعية التي يعمل ضمنها.

إنّ المأمول في إدارات المؤسّسات التطوعية الالتفات إلى هذا الجانب، وأن تحرص على صنع البيئة المحفّزة والأجواء الإيجابية الجاذبة داخل المؤسّسة، لتصقل شخصيات العاملين فيها، وترفع مستوى وعيهم الاجتماعي، وقدراتهم الإدارية، وترسّخ في نفوسهم وسلوكهم أخلاق العمل الجمعي.

وينبغي أن يشجعوا على تطوير قدراتهم عبر الدورات التخصّصية، وورش العمل.

في بعض الأحيان قد تشوب أجواء المؤسّسة التطوعية بعض السّلبيات في العلاقة بين العاملين فيها، وهذا يضيف ضغطًا آخر على المتطوعين إلى جانب الضّغوط الأخرى، ويضعف روح العطاء والتحفيز، وقد يسبب ذلك الانحراف بمسيرة بعضهم أو انسحابه ونفوره.

إنّ من الطبيعي أن يحصل شيء من اختلاف الرأي بين العاملين في المؤسّسة، وأن يكون هناك بعض الاختلاف في الأمزجة والطبائع، كأيِّ تجمّع بشري.

لكن المطلوب احتواء هذه الحالة واستيعابها وترويض النفس على التحمّل والتقبّل المتبادل.

البيئة الجاذبة

إنّ الجلسات واللقاءات في المؤسّسة التطوعية لا ينبغي أن تكون مجرّد جلسات عمل خالية من التحفيز والتشجيع، وإثارة الوعي، والتذكير بالمسؤولية الدينية والاجتماعية والوطنية، والتواصي بالاحترام المتبادل والخلق القويم.

إنّ أيّ إدارة جديدة تأتي في المؤسّسة التطوعية ينبغي أن تقدّر جهود الإدارة السّابقة وتشيد بإيجابياتها، والتطوير والتجديد لا يعني التنكر والتقليل من شأن السّابقين.

على كلّ من يعمل في هذه الإدارات التطوعية أن يستحضر في نفسه دائمًا قصد التقرّب إلى الله، وإخلاص العمل لوجهه الكريم، وألّا يسمح للشيطان بأن يشوب عمله بشيءٍ من سوء التعامل مع زملائه المتطوّعين.

إنّ البيئة الأخلاقية السّليمة في المؤسّسة التطوعية تصبح عامل جذب وانشداد للأعضاء العاملين.

 

خطبة الجمعة 2 ذو الحجة 1443هـ الموافق 1 يوليو 2022م.

[1]  بحار الأنوار، ج75، ص79.
[2]  بحار الأنوار، ج75، ص79.
[3]  من لا يحضره الفقيه، ج4، ص3.