الشيخ حسن الصفار: خطيب التجديد الثقافي المنشود

مكتب الشيخ حسن الصفار بقلم: عبد الحميد الحسني*

 

مع مطلع كل سنة هجرية جديدة، تنشد الأنظار نحو قطيف المحبة بكل مجالسها الحسينية الرائدة في الاستثمار الواعي في بعث وعي متجدد للنهضة الحسينية العظيمة، و شخصيا منذ أكثر من عقدين من الزمن ارتبطت بخطاب المفكر و الخطيب المثقف المتميز بمنهجه و خطابه و المجدد لمطالب الرؤية و آفاق التجديد و أدوات الإصلاح و استراتيجيات التنمية، إنه صاحب الفكر الإسلامي المنفتح على الإنسان كله متمثلا في ذلك عظماء الإسلام و الخطيب المفوه و المتفرد بلغته الدقيقة و الرقيقة التي يلحقها السجع تيمنا بما تحويه من درر النباهة و الوعي و الكرامة و السلام؛ المثقف الحاضر بكل وجدانه و مسؤوليته الثقافية و الاجتماعية لتنمية المشاريع الحضارية من خلال إبداع  الأفكار الحية و دحض الشبهات الفتنوية التي تهدف إلى إضعاف مناعة الأمة، إنه الأمين على الكلمة الطيبة و العمل الصالح بأسلوبه التثقيفي المتواضع و ابتسامته المشرقة بكل حنان و أخوة و رحمة و صدق و وفاء على الوجوه التي عرفته أو تعرفه و لازلت تتعارف معه، هذه الشخصية التي تعلمك في كل لقاء معها كيف تكون إنسان الخير منطقا و عاطفة و فكرا و عملا و تطلعا، اليوم بعد سياحة ضرورية للعقل و القلب و الروح و الوعي عبر بساتين الجنان الحسينية استقر بي الحال لمدة أسبوع في رحاب مقرر جامعة أبي عبد الله الحسين عليه السلام في قطيف الرسالة بمدرج العلامة الفاضل سماحة الشيخ حسن الصفار حفظه الله و رعاه، كانت كل محاضرة ذات رونق خاص ترسم معالم خريطة ثقافية متناسقة، تلهمك مباني جديدة عبر خطاب اجتهادي تجديدي مبسط المعنى و المسار والغايات السامية التي يختزنها مقتبسا من لغة القرآن الحضارية التي لا تبخس الناس أشياءهم، ضمن منظور فلسفي دقيق و متعدد الأبعاد في صياغة ماهية الاجتماع إسلاميا على ضوء محطات كربلاء القضية و عاشوراء الرسالة و الحسين الشهيد...

لا تسعني هذه السطور لعرض ما استلهمه كل سنة من روائع الإبداع الصفاري الذي يعكس جواهر الإجتماع الثقافي إسلاميا و يبرز قيمة الانفتاح الواعي على الحياة عبر تفعيل مقومات النباهة و الأدب و النقد و التجديد و الإجتهاد و الإصلاح و استثمار القيم و المبادئ الذاتية في أمتنا و ثقافتنا لتمكين إنساننا من الوعي المنشود و المطلوب...الشيخ الصفار بلا شك معلمنا جميعا إلى جانب العديد من المعلمين من علماء و مثقفين متوزعين عبر خط طنجة-جاكرتا، لأن الإنسان السوي في تفكيره و سلوكه و علاقاته و من ينظم أموره بكل جد و اجتهاد و عفة و سداد لابد أن يمتلك العادات الاهم في إدارة الوعي الثقافي لديه و إنتاج الثقافة الإستراتيجية لدى المتفاعلين معه، و أهم عنصرتجده مهيمنا في كورسات عاشوراء خلال السنوات الأربع الماضية عند الشيخ الصفار هو دالة الخطاب بلغة الرياضيين و المهندسين و التي ترتكز على عدة أبعاد منها:

الشمولية الثقافية
الدقة المنهجية
التحليل النموذجي

هذه الخصائص نلحظها في كل المحاضرات بلا استثناء، حيث نستشف أنه هناك هاجس إيجابي بإيصال الفكرة و صناعة الوعي و تشجيع المتلقي على الالتحاق بدوره السوسيوثقافي، حتى لا يظل خارج مجال الحساب الاجتماعي الثقافي للمسلمين، أي هناك هم حاضر و قلق مؤثر و تطلع عظيم ساكن بين خطوط و مسارات و منعرجات كل محاضرة.. هكذا يبدو لي الشيخ الصفار لا يُعدّ خطيبا حسينيا تقليديا فقط، بل هو المثقف الذي يصنع الفكر الإسلامي الحضاري الحي بهدوء ورصانة بين التاريخ و المستقبل ويوجهه من باب التحليل و المناقشة و النظم، لا من باب الضجيج الإعلامي أو الهرج الطائفي، في كل موسم عاشورائي..

يحدث هذا منذ ثلاثة عقود، كلما نشر كتاباً في الفكر الإسلامي، أو عن الوحدة و الحوار و التسامح و بناء الإنسان المسلم، إلا وترك أثراً في الساحة وخلف وعيا عميقا و كبيرا عبر الجغرافيا العربية و الاسلامية، فاتحا فضاءات من النقاشات الهادئة والهادفة إلى المراجعة الرصينة لتراثنا والابتعاد عن الأحكام المتسرعة والكراهيات و الانفجارات الهوياتية التي لا تزال تنفث السموم بين الأجيال،

المفكر الاسلامي الشيخ حسن بن موسى الصفار هو مثقف الحوار وخطيب الحكمة وفقيه التسامح والتعارف والتعايش والوحدة والإنسانية وعالم التفاؤل بميلاد مستقبل إسلامي من رحم الآلام و العبرات التاريخية المستمرة.. بهذا المعنى، الشيخ الصفار ليس خطيب الحسينيات فقط، لكنه أيضاً صانع الرأي العام الإسلامي، له تأثير في النخب الثقافية والفكرية والجامعية والإعلامية عبر العالم من شتى المذاهب الاسلامية والأديان.. 

 بعد هذه الملاحظات البسيطة و التي لا ألزم بها أحدا غيري، لكن عندما نستجمع كل الزهور الفكرية و الأمثلة الرائعة و المقاربات الذكية في ثنايا محاضرات هذه السنة.. ليس أمامي سوى قول ابن نباتة:

 لعمري لقد أفحمت بالفضل منطقي

وقد كنت ذا نطقٍ وفضل بيان

وحركت ميزاني فأثنى لسانه

فما زلت مشكوراً بكلّ لسان

 

*باحث من المغرب