تقديم لكتاب: لغة تحبو، للكاتب الاستاذ عقيل بن ناجي المسكين

بسم الله الرحمن الرحيم

حين يدرك الوالدان أنّ طفلهما كنز من المواهب والطاقات، وكتلة من القدرات والاستعدادات، وحين يهتمان ويجتهدان في استكشاف طاقاته وقدراته، وتنمية مواهبه واستعداداته، فإنهما يحققان الاستثمار الأمثل في مشروع إنساني واعد.

لكن كثيراً من العوائل تصرف كل جهدها واهتمامها في الرعاية الجسمية لأطفالها وتوفير الاحتياجات المادية اللازمة لهم، وتتعامل مع أبنائها كصغار لا يفهمون ولا يدركون، وفي ذلك تجاهل وتنكر لاستعداداتهم وقابليتهم الذهنية والنفسية.

ومن الأبعاد الأساسية التي يجب الاهتمام بها في شخصية الطفل تنمية حصيلته اللغوية وذائقته الأدبية.

صحيح أن خبراء التربية وأخصائيي النطق واللغة، في رصدهم لتطور الحصيلة اللغوية لدى الطفل، يضعون جدولاً تقريبياً بأنه: من 6 شهور إلى سنة تكون الحصيلة 3 كلمات، ومن سنة إلى سنة ونصف ترتفع إلى 20 كلمة، ومن سنة ونصف إلى سنتين قد تصل إلى 50 كلمة، ومن سنتين إلى سنتين ونصف قد تبلغ 350 كلمة، وفي عمر الثلاث سنوات تكون حصيلة الطفل في حدود 450 كلمة.

لكنهم يؤكدون أن للظروف المحيطة بالطفل، إضافةً إلى الفروقات الفردية بين الأطفال تأثيراً على اكتسابهم للحصيلة اللغوية، وأن القدرة على اكتساب اللغة تكون في أوج نشاطها قبل سنة الخامسة.

إن للأسرة والبيئة دوراً أساساً في تنمية هذا البعد من شخصية الطفل، فإذا نشأ في أسرة وبيئة تشجعه على اكتساب المزيد من الحصيلة اللغوية، وتحفزه لتطوير قدراته في الإنشاء والتعبير، وتثري خياله وافقه الفكري، فإنه يكون مهيأً للتقدم الكبير على هذا الصعيد.

وعلى العكس من ذلك، إذا نشأ في أسرة وبيئة محدودة الاهتمام والأفق اللغوي والأدبي، فإن حصيلته اللغوية وذائقته الأدبية ستكون محدودة.

 ولعل من أهم البرامج التربوية التي تصقل قدرات الطفل اللغوية، وتنمي ذائقته، تشجيعه على قراءة الشعر وحفظه، فهي تثري خياله، وتوسع أفقه الذهني، وتزيد حصيلته اللغوية، كما يتدرب عبر قراءة الشعر وحفظه على حسن التعبير والانشاء، واستحضار المعاني والأفكار، إضافة إلى رسوخ المضامين والمفاهيم التي يحملها الشعر في نفسه.

لذلك وردت في تراثنا نصوص توجّه الأسرة المؤمنة إلى تعليم أبنائها الإنتاج الشعري الأدبي للشعراء الرساليّين الصادقين، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: «كان أمير المؤمنين يعجبه أن يُروى شعر أبي طالب وأن يدوّن. وقال: تعلموه وعلِّموه أولادكم، فإنه كان على دين الله، وفيه علم كثير».

وفي رواية أخرى عن الإمام جعفر الصادق: «علِّموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين الله».

من هنا أحيي الجهد الأدبي المميز الذي يبذله الأستاذ عقيل المسكين لإنتاج أدب موجّه لأبنائنا الأطفال، يزرع في نفوسهم قيم الخير والمبادئ السامية، ويرسّخ في قلوبهم روح المحبة والصدق والوفاء، ويلفت أنظارهم إلى جمال الطبيعة وروعة الكون، ليستحضروا عظمة الخالق المبدع القدير.

وقد اختار لهذه المجموعة من المقطوعات الشعرية عنواناً جميلاً هو (لغة تحبو) ليشير بهذا العنوان إلى أن اللغة كائن حيّ تواكب نمو الإنسان العضوي والنفسي والذهني، فكما يحبو الطفل زاحفاً على ركبتيه وصدره ويديه، ليتهيأ وتتدرب عضلات جسمه لمحاولات القيام والوقوف، ومن ثم ممارسة الخطو والمشي، كذلك تتدرج قدراته اللغوية ليمتلك ناصية البيان، وهي النعمة الكبرى التي يمتن الله تعالى بها على الإنسان بعد نعمة الخلق يقول تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ أي جعله قادراً على النطق للإبانة والتعبير عما في نفسه من أفكار ومشاعر عبر جسر اللغة والتخاطب.

ويأتي هذا الإنجاز الجديد (لغة تحبو) للأستاذ عقيل المسكين بعد إنجاز سابق في نفس السياق صدر قبل سنوات بعنوان (من ألحان الزهور) ليؤكد اهتمامه بأدب الطفولة الذي لم ينل ما يستحق من اهتمام وعناية في ساحتنا الوطنية والاجتماعية.

ويبقى الواجب على عاتق الأسر والعوائل والمؤسسات الدينية والاجتماعية، للاحتفاء بمثل هذه الجهود وتشجيعها، باقتناء هذه الكتب، وتوفيرها للأبناء، وتحفيزهم للقراءة والمطالعة، من أجل إعداد جيل عاشق للغته ملتزم بقيم الخير والصلاح.

والحمد لله ربّ العالمين.

حسن موسى الصفار

24 ذو القعدة 1441هـ

15 يوليو 2020م

الطبعة الأولى 1442هـ، منتدى سيهات الأدبي