الشيخ الصفار المُفكر العامل
القائد هو الشخص الذي يستطيع التأثير على المجتمع عبر استخدام نفوذه وقوته ليوجههما لإنجاز أهداف محددة ويربط بين تحقيق أهداف المجتمع وأهداف الفرد من أجل خلق حالة التفاعل. وكلما اكتملت عناصر القوة لديه اكتملت عناصر قيادته. والقيادة ليست مغنمًا أو أمرًا كماليًا يأتي من خلال الراحة والكسل بل هي مسؤولية وعناء وتعب، لذلك نجد أن القادة في المجتمعات قلة محدودة لما لهم من مواصفات يتميزون فيها عن الآخرين. وفي تاريخنا المعاصر هناك قادة سياسيون وعسكريون واجتماعيون ومفكرون وغيرهم من ذوي التوجهات المختلفة استطاعوا أن يبنوا أمماً ويتركوا بصماتهم التاريخية، التي ساهمت برُقي العالم وإثراء ميادين مختلفة من العلوم في مختلف المجالات. فالقيادة تتطلب عناصرًا من الضروري توفرها وأبرزها:
- التأثير: وهو القدرة في إحداث تغيير اجتماعي، وذلك من خلال الاتصال بأفراد المجتمع وتوجيههم، وقبولهم لما يطرحه.
- القدرة الذاتية: مدى القدرة على إحداث التأثير في المجتمع، وقوة مكانته المؤثرة اجتماعيا.
- المهارات المتعددة: (الذهنية والفكرية: " التفكير – التخطيط – الإبداع – الابتكار – القدرة على التفكير خارج الصندوق") – (الإنسانية والاجتماعية: " العلاقات – الاتصال – والاستماع والإنصات") – (الفنية والتخصصية: " التنظيم – التنفيذ – اتخاذ القرارات – حلّ المشكلات").
هذا ما تميّز به سماحة الشيخ حسن الصفار في شخصيته القيادية التي مارس من خلالها دوره القيادي في المجتمع لما له من تأثير ونفوذ ومهارات متعددة استطاع من خلالها كسب المجتمع والتأثير عليه من خلال سنين طوال من التعب والمشقة ومجاهدة النفس والعمل الجاد. فالقيادة لم يحصل عليها كمغنم وإنما من خلال عمله وجهاده الذي قضى فيه عمره مسافرًا بين البلدان، للقيام بالدعوة والتبليغ، وتأليف الكتب، وإلقاء المحاضرات، والمشاركة في النشاطات المختلفة التي تصب في خدمة المجتمع، كالأنشطة الثقافية الفكرية والخيرية والمشاريع الاجتماعية في مختلف ميادينها. وقد توجّ هذا التوجه بعد رجوعه من الخارج عندما أعلن برنامجه العملي الذي أعتبره خطةً ومنهجًا له في المستقبل بعد غياب عن البلاد دام سنوات، هذا البرنامج أتخذه من خلال دراسته للواقع الاجتماعي ومتطلباته، والسعي في إعداد البرنامج ضمن خطة عمل متكاملة حتى يحقق ما يسمو إليه من خلال برنامجه الذي أعلنه والذي يحتوي على ثلاث مهمات رئيسية كل واحدة منها تلامس الهمّ الاجتماعي والوطني، وهي كالتالي:
- العمل على تثقيف المجتمع من خلال المحاضرات والكتب والندوات، التي أثراها بالعطاء المعرفي والثقافي والتأليف والتوثيق، وأصدر ما يفوق 120 كتابا في مختلف الميادين، الاجتماعية، والدينية، والحقوقية، داعياً في أطروحاته ومؤلفاته إلى الانفتاح والتسامح.. في كتاب المسيرة الفكرية لمؤلفه الأستاذ حسين منصور الشيخ الذي تطرق فيه لمؤلفات الشيخ الصفار وتوجهاتها وتصنيفها إلى المسارات المتنوعة، كالدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي الداخلي، الاهتمام بالتربية الروحية والشخصية، التأصيل الفكري لقضايا العصر، معالجة هموم الأمة، قراءة التراث والاستهداء به، ومعالجة الهموم الوطنية.. ومن خلال حضوره الجماهيري عبر حضوره للندوات والمؤتمرات الثقافية المختلفة أكد على أهمية الوعي الفكري والثقافي في المجتمع.
- الانفتاح على كافة أطياف المجتمع بمختلف مشاربه وتوجهاته، فتفاعل مع الجميع وأنفتح على كافة الأطياف شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ووسطا، ومع التوجهات المختلفة من إسلامية وليبرالية وغيرها، ولم يعقه ذلك في التعاون مع مختلف الأطراف، بل مدّ يد المساعدة والعون في تأليف القلوب وتوحيدها من أجل خدمة أبناء الوطن، فزيارته للمختلفين معه، ومبادراته المتنوعة بالدعوة للحوار والانفتاح على الآخر، أكدت على رحابة صدره في قبول المختلف الآخر، مؤكدا بذلك تكرارًا ومراراً على ضرورة الانفتاح على كافة شرائح المجتمع وأهمية هذا التوجه، وترجم ذلك من خلال كتاباته الداعية إلى هذا التوجه عبر كتب صدرت له: التنوع والتعايش – تأصيل الوحدة الاجتماعية والوطنية – الحوار المذهبي والمسار الصحيح - الوطن والمواطنة وغيرها.
- التواصل مع الجهات الرسمية والانفتاح عليها من أجل تبادل الآراء ووجهات النظر، وذلك على صعيد مختلف المستويات العليا في مؤسسات الدولة من أجل خدمة المجتمع، وأصّل ذلك من خلاله زياراته للمسؤولين، وتبادل وجهات النظر في مختلف الأمور التي تخص شؤون المجتمع المحلي، وكذلك مبادرته في عقد جلسة علنية سنوية يتعرّض فيها لجميع ما يقوم به من أنشطة ومنها التقرير الخاص بصرف الحقوق الشرعية من (خمس وتبرعات وصدقات)، وحضوره في المحافل الرسمية، كحضوره في مؤتمرات مركز الحوار الوطني، والندوات والمناسبات الرسمية.
الشيخ حسن الصفار مثال للرجل الداعية المفكر العامل، الذي ترجم كتاباته وأقواله من خلال أعماله في خدمة المجتمع كمنهاج ومصداق للرجل العامل بشفافية وإتقان، وهو بذلك يجسد الحديث الشريف، عن رسول الله "إن الله يحب ان عمل احدكم عملاً ان يتقنه".