الشيخ الصفار يحّذر من ثقافة مادية ترسّخ الأنانية في نفس الإنسان
حذّر سماحة الشيخ حسن الصفار من ثقافة مادية ترسّخ التفكير الأناني في نفس الإنسان، وتقوم بتحريض الرغبات وتعزيز الروح المصلحية على حساب المبادئ والقيم.
وتابع: هذه الثقافة المادية تدفع لتجاهل مشاعر الآخرين ومصالحهم.
جاء ذلك خلال خطبة الجمعة 3 ربيع الثاني 1444هـ الموافق 28 أكتوبر 2022م بمسجد الرسالة بمدينة القطيف شرقي السعودية بعنوان: العلاقات البينية والتحدي الخطير.
ودعا سماحته لتجاوز الإنسان تفكيره الأناني الذاتي، واستحضار مصالح الآخر ومشاعره، "فكما تهمك مصالحك ومشاعرك فإن للآخرين مصالحهم ومشاعرهم، فلا بد وأن يكون الاحترام متبادلًا، حتى تستقيم العلاقة البينية".
وقال: إن العلاقة مع الآخرين ضرورة تفرض نفسها على الإنسان، وتتجلى هذه الحقيقة في طبيعة الحياة الإنسانية فإنها اجتماعية، والإنسان مدني بالطبع، فلا يستطيع تسيير حياته بمفرده.
وتابع: وتتجلى هذه الحقيقة في أن العلاقة مع الآخرين جزء من تحقيق الذات وكمالها. مؤكدًا أن الإنسان يأنس بأخيه الإنسان، ولو توفرت لإنسان ما كل وسائل الحياة والرفاه في جزيرة معزولة يعيش فيها منفردًا لما ارتاح لذلك.
وأضاف: على المستوى الديني فإن العلاقة بالآخرين ذات صلة بالعلاقة بالله تعالى، وبمستقبل الإنسان في الآخرة، فلا يرضى الله تعالى عن الإنسان إذا أساء في علاقته بالآخرين، فالعلاقة السليمة مع الآخرين طريق للقرب من الله تعالى وتحصيل ثوابه ورضاه.
وأشار إلى ما سجلته التقارير والإحصائيات المحلية عن بعض الجوانب الاجتماعية في المملكة. مؤكدًا أنها تدق ناقوس الخطر تجاه الثقافة السائدة، ومستقبل العلاقات البينية في المجتمع.
وسلط الضوء على تقرير يتحدث عن حالات المشاجرات الاجتماعية، التي تصل إلى حد العنف الجسدي، حيث تسببت في نقل 12.751 حالة إلى المستشفيات عبر مراكز وسيارات الهلال الأحمر خلال العام الماضي.
وتابع: بينما يتحدث التقرير الآخر عن وقوع حالة طلاق كل عشر دقائق في المملكة، وهذا يكشف الحاجة للتركيز على ثقافة العلاقات البينية داخل الأسرة، وفي التعليم، ووسائل الإعلام والتواصل، وفي الخطاب الديني.
وبيّن أن علاقة الانسان بأخيه الانسان تكتنفها صعوبات، لتضارب المصالح بسبب نزعة حبّ الذات، وسعي كل واحد لتحصيل أكبر قدر من المكاسب، ولو على حساب الآخر.
وتابع: كما أن أمزجة الناس ونفسياتهم مختلفة، فالتعامل مع البشر يختلف عن التعامل مع أشياء الطبيعة الأخرى، والتي هي ضمن قوانين ثابتة، بينما البشر امزجة مختلفة وعقول متفاوتة ومصالح متضاربة، بل مزاج الواحد قد يتغير باختلاف الأحوال والظروف، مما يضفي على الصعوبة صعوبة أخرى.
وأضاف: لا يستطيع الإنسان أن يجعل الآخرين حسب مزاجه ورغبته، وهل الناس لباس تفصّله على ذوقك ومقاس جسمك؟ أم أثاث يصنعه لك النجار حسب القياسات التي تريدها؟ وهذه مشكلة حقيقية حتى في العلاقة الزوجية.
ومضى يقول: من هنا يتبين مكمن التحدي فالإنسان محتاج للعلاقة مع أخيه الإنسان، لكنه مختلف معه ولا يستطيع الانفصال عنه.
وتابع: هذا التحدّي كان محل اهتمام جميع الديانات والاتجاهات الأخلاقية في التاريخ الإنساني، وهناك مبادئ وقيم أساس لإرشاد الإنسان لطريق النجاح في مواجهة هذا التحدّي.
وتحدث عما يطلق عليه "القاعدة الذهبية الأخلاقية" (أحب لأخيك ما تحب لنفسك)، وهي من القواعد الأوسع انتشارًا والأقدم في التعاليم الأخلاقيّة في العالم.
وأبان أن هذه القاعدة تصاغ بصياغات متعدّدة، تبعاً للأعراف والثقافات واللغات والأديان، لكنّ واحدة من صيغها المعروفة: «أحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها».
وبيّن أن هذه القاعدة تحدّثت عنها كلمات أمير المؤمنين علي في وصيته لابنه الحسن «اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَينَكَ وَبَينَ غَيرِكَ، فَأَحبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ».