لماذا نقرأ القرآن؟

 

يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. [البقرة: 121].

تؤكّد النصوص الدينية على أهمية تلاوة القرآن، والتدبّر في آياته، كقوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. [المزمل: 4].

وقوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ. [المزمل: 20].

وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ. [النساء: 82].

وآيات كثيرة جاءت بصيغ مختلفة.

كما وردت أحاديث كثيرة عن النبي والأئمة ، تحثّ على المواظبة والإكثار من تلاوة القرآن، في مختلف الأحوال والظروف.

فقد ورد عن النبي : «أَفْضَلُ اَلْعِبَادَةِ قِرَاءَةُ اَلْقُرْآنِ»‌[1] .

وعنه : «عَلَيْكَ بِتِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»[2] .

وعنه : «نَوِّرُوا بُيُوتَكُمْ بِتِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ»[3] .

وورد عن الإمام جعفر الصادق : «اَلْقُرْآنُ عَهْدُ اَللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ اَلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَأَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ آيَةً»[4] .

وعنه : «مَا يَمْنَعُ اَلتَّاجِرَ مِنْكُمُ اَلْمَشْغُولَ فِي سُوقِهِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَنْ لاَ يَنَامَ حَتَّى يَقْرَأَ سُورَةً مِنَ اَلْقُرْآنِ فَتُكْتَبَ لَهُ مَكَانَ كُلِّ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَيُمْحَى عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ»[5] .

إنّ الدعوة إلى تلاوة القرآن موجّهة إلى كلّ الناس، على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم، وفي مختلف الأجيال والعصور.

فالقرآن كتاب مفتوح للجميع، إنه ليس كتابًا تخصّصيًّا لا تستفيد منه إلّا نخبة من أهل الاختصاص.

وليس كتابًا معنيًا بمجال محدّد لا يهتم به غير المعنيين بذلك المجال، ومضامينه ليست موجّهة لطبقة أو جماعة معيّنة ليكون الاهتمام به في حدودها.

كما لا يختصّ خطابه بعصرٍ من العصور، أو ظرف من الظروف، فتنتهي أغراضه بانتهائها.

إنه رسالة الله للناس أجمعين، منذ نزوله إلى قيام يوم الدين.

يقول تعالى: ﴿هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ. [آل عمران: 138].

ويقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ. [الزمر: 41].

ويقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ. [القمر: 17].

واستجابة لهذه الدعوة المؤكدة توارثت أجيال الأمة الاهتمام بتلاوة القرآن الكريم، وحفظ آياته.

حتى إنه لم يحفظ كتاب، ولم تتداول نصوص كتاب كالقرآن الكريم في تاريخ البشرية.

الأغراض المستهدفة

إنّ للتأكيد على تلاوة القرآن في جميع أوساط الأمة، أغراضًا وآثارًا مستهدفة، لعلّ من أهمها ما يلي:

أولًا: حماية وجود القرآن وضمان حفظه وصيانته، فقد تعرّضت الكتب السماوية السابقة للضياع والتغيير والتحريف، وأراد الله تعالى للقرآن الكريم الحفظ والاستمرارية، يقول تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ومن أبرز الوسائل التي حفظ الله تعالى بها القرآن، هذا التداول المكثّف له بين المسلمين، حيث توارثته أجيال الأمة بالتواتر، منذ أن تلقّاه الجيل الأول من رسول الله ، حيث جمع على عهده وتحت إشرافه، كما تؤكّد ذلك الحقائق، وتؤيّده روايات أهل البيت ، أما الروايات المتداولة عن جمع القرآن على يد الخلفاء بعد رسول الله فهي مليئة بالثغرات، كما أشار إلى ذلك بعض أعلام أهل السنة.

ثانيًا: تعزيز حالة الانفتاح المباشر على الله سبحانه، وتوثيق الصّلة بين العبد وربه، وبين الإنسان والمصدر الأساس لدينه.

وهذا ما تشير إليه بعض النصوص الدينية التي تعطي لتلاوة القرآن الكريم منزلة التخاطب والتحادث المباشر مع الله سبحانه.

فقد ورد عن النبي : «إذا أحَبَّ أحدُكُم أن يُحَدِّثَ رَبَّهُ فَلْيَقرأ القرآنَ»[6] .

وعنه : «ألا مَن اشتاقَ إلَى اللهِ فَليَستَمِعْ كلامَ اللّه»[7] .

وروي أنّ الإمام علي بن موسى الرضا كان إِذَا قَرَأَ ﴿يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا قَالَ: «لَبَّيْكَ اَللَّهُمَّ لَبَّيْكَ»[8] .

إنّ القرآن يؤكّد على التواصل المباشر بين العبد وربه، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي. [البقرة: 186].

لقد ابتليت الديانات السابقة، بوجود طبقة من الكهنة الذين عملوا على إيجاد حاجز فاصل بين الناس وربّهم، ليأخذوا هم دور الوساطة، بما يُمكّنهم من تحقيق أغراضهم ومصالحهم، فحرّفوا الكتب المقدّسة، وكتموا بعضها، وغيّروا الأحكام، وقطعوا الطريق إلى الله، وأعطوا لأنفسهم دور محاسبة العباد على ذنوبهم، وإصدار صكوك الغفران.

يقول تعالى: ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ. [التوبة: 34].

ويقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. [البقرة: 146]

لكنّ الإسلام فتح باب التواصل المباشر بين العباد وربّهم، ودعاهم لقراءة وحيه ورسالته.

ثالثًا: ليستفيد الإنسان من بركات القرآن ويهتدي بهديه.

تلاوة القرآن مستويات ودرجات

إنّ تلاوة القرآن درجات ومراتب، فهناك من يقرأ القرآن تعبّدًا ولا يلتفت إلى مضامينه ومعانيه، إمّا لضعف وعيه وإدراكه، أو لغفلته، لكنّه حين يقرأ بقصد التقرّب والثواب فسيشمله الله بفضله. وهذا من معاني القراءة الميسّرة للقرآن، يقول تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.

لكنّ القراءة الأفضل، التي ينبغي للإنسان أن يتطلّع إليها ويتمثّلها، هي قراءة التفاعل والوعي، حتى يستفيد ويأخذ بأعلى حدٍّ يمكنه من بركات القرآن.

وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ. [البقرة: 121].

وذلك يشبه ما تحدّث به القرآن الكريم عن تفاوت مستوى التقوى، حيث يقول تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. [التغابن: 16]، ويقول تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ. [آل عمران: 102].

ورد عن النبي : في قوله تعالى: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ «يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ»[9] .

وعن الإمام جعفر الصادق : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿اَلَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ اَلْكِتٰابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاٰوَتِهِ قَالَ: «يُرَتِّلُونَ آيَاتِهِ، وَيَتَفَهَّمُونَ مَعَانِيَهُ، وَيَعْمَلُونَ بِأَحْكَامِهِ»[10] .

وعنه : «إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا جَلَاؤُهَا؟

قَالَ : «تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ»[11] .

وعنه : «إِنَّ هَذَا اَلْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اَللَّهِ تَعَالَى فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا اِسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّهُ اَلنُّورُ اَلْمُبِينُ وَاَلشِّفَاءُ اَلنَّافِعُ تَعَلَّمُوهُ فَإِنَّ اَللَّهَ يُشَرِّفُكُمْ بِتَعَلُّمِهِ»[12] .

وعنه : «إنَّ اللّه َ تعالى لا يُعَذِّبُ قَلبا وَعَى القرآنَ»[13] .

وورد عن الإمام الصادق : «مَنْ قَرَأَ اَلْقُرْآنَ وَهُوَ شَابٌّ مُؤْمِنٌ اِخْتَلَطَ اَلْقُرْآنُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ»[14] .

 

خطبة الجمعة 9 رمضان 1444هـ الموافق 31 مارس 2023م.

[1]  وسائل الشيعة، ج6، ص168.
[2]  الكافي، ج8، ص79.
[3]  نفس المصدر، ج2، ص610.
[4]  نفسه، ج2، ص609.
[5]  نفسه، ج2، ص611.
[6]  كنز العمال، ح 2257.
[7]  نفس المصدر، ح 2472.
[8]  عيون أخبار الرضا، ج2، ص180.
[9]  الشوكاني: فتح القدير، ج1، ص158.
[10]  ميزان الحكمة، ج9، ص350.
[11]  كنز العمال، ح 2441.
[12]  مستدرك الوسائل، ج4، ص332.
[13]  كنز العمال، ح2400.
[14]  الكافي، ج2، ص603.