في الدورة العلمية للخطباء والدعاة: التعامل بلغة العقل والحكمة لا التطرف والتشدد
داعياً إلى العمل على وحدة الكلمة والصف والإخلاص في العمل وانسجام القول والعمل، موضحاً بأن الإسلام قد رعى كل هذه الحرمات ليعم الخير ويظفر الناس بنعيم الدنيا والعمل للآخرة. جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها فضيلته بعنوان (المسلمون مع غيرهم تعامل وحضارة) ضمن سلسلة محاضرات الدورة العلمية للخطباء والدعاة التي تنظمها وزارة الشئون الإسلامية.
وقال فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي: إذا ما أردنا إرساء معالم الحضارة الإسلامية لا بد لنا أن نطبق مقوماتها، مشيراً إلى أن العمل الصالح يتطلب فعل الخير مع كل الناس والتعايش السلمي والودي وتحقيق منهج الوسطية، واستطرد قائلاً: إن الإسلام دين الوسطية والاعتدال وترك الإفراط والتفريط ونبذ سياسة العنف والتشدد، والإسلام يؤثر الخلق الكريم والسلوك القويم واللين في المعاملة، كما ينبغي أن لا نواجه الناس بما يكرهون مما يقتضي تحديث اللهجة والخطاب مع الحفاظ على الثوابت والأحكام القطعية.
وأشار إلى أن منهج التعامل بين المسلمين وغيرهم لا يتحقق إلا من خلال الإلتزام بقاعدة العدل والإنصاف، وتوفير عدد من الحقوق كحق الحرية والمساواة، إلى جانب تطبيق مبدأ الشورى والحوار، وإقرار حقوق غير المسلمين الدينية والسياسية. وأوضح فضيلته بأن العدل يحقق الطمأنينة والسكينة في المجتمع ويحفظ الحقوق ويمنع القلق والاضطراب، مشيراً إلى القاعدة الذهبية العامة بين المسلمين وغيرهم في السنة النبوية وهي «إلا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئاً منه بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة
«. وقال الدكتور الزحيلي: إن الإسلام كفل الحرية لأتباعه ولغير المسلمين في ضوء المصلحة العامة والحرية الدينية وحرية الفكر والرأي والتعبير والنقد البناء، ومشيراً إلى نص الإعلان الإسلامي المعاصر لحقوق الإنسان في المادة 22/أ «لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية«. وركز الدكتور الزحيلي في حديثه على مبدأ الشورى والحوار والديمقراطية، منوهاً على ضرورة عقد حلقات الحوار في ضوء مقاصد الشريعة وتطبيق قاعدة الديمقراطية الإسلامية التي تنطلق من معايير شرعية، إذ لا تهدم ثوابتها وأحكامها وشرائعها، مؤكداً على أن الإسلام لا يضيق ذرعاً بكل ألوان الحوار التي تؤدي لتوفير الخير والمصلحة. وأضاف: من الضروري أن تكون العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أساس القاعدة المعروفة «لهم ما لنا وعليهم ما علينا«، وهذا يقتضي أنهم متساوون مع المسلمين في الحقوق السياسية والاقتصادية، مؤكدا على أن غير المسلم (المعاهد) لا يعد من مواطني الدرجة الثانية كما يزعم البعض، وإنما هو و المسلم في درجة واحدة من المواطنة.
ومن جهته، قال الشيخ حسن الصفار في كلمته (الحوار والانفتاح لغة العقلاء): إن العقلاء يحترمون العقل ويفهمون لغة العقل وبذلك ينطلقون منه ومعه، كما أن العقل يهدي الإنسان إلى أفضل علاقة، إذ تنظم علاقته مع الآخرين على أساس الحوار والانفتاح، وإن عكس ذلك فيقوض أركان المجتمع، مشيراً إلى أن لفظ العقلاء ليس في مقابل المجانين، فالعقلاء هم الذين يستخدمون عقولهم في مواقفهم وممارساتهم ولا تحكمهم العواطف والانفعالات.
وأكد الصفار أن الناس في كل مجتمع بشري يختلفون في آرائهم وانتماءاتهم، وعند الاختلاف لا بد من الرجوع إلى لغة تجمع الكل ولا يوجد أفضل من لغة العقل، مشيراً إلى أنه لا يخلو أي مجتمع من الاختلاف وحتى في عهد رسول الله، ومع وجوده (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تحدث بعض الاختلافات في وسط الأصحاب، والقرآن الكريم يتحدث عن تلك الحالات مشكلاً مرجعية لحالات الاختلاف في مجتمع المؤمنين (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)، فإن كانت لغة الحوار هي السائدة، فإن المجتمع سيعيش وضعاً إيجابياً وسيتمكن من التعايش والتقدم، وإلا فستحدث الانفعالات والاضطرابات والصراعات والنزاعات.
وأشار الشيخ الصفار إلى أن الإيمان لا يحول الإنسان ملاكاً ولا يجعله في حالة مثالية حيث لا يتسرب إلى أفراده مختلف النوازع والغرائز والميول، وفي حال الاختلاف لابد من ضوابط فالعقل يهدي الإنسان إلى هذه الضوابط وهو الطريق الأمثل للجميع لحل هذا الاختلاف.
واستعرض الشيخ الصفار في حديثه تاريخ منطقة الخليج، مشيراً إلى أن الخليج عاش فترة طويلة تكاد تخلو من الصراعات والنزاعات، فكان الجميع يتعاون مع بعضه البعض منذ أيام الغوص، وكانوا يتعايشون في وئام، ولكن في هذه السنوات المتأخرة تسللت في المنطقة بعض الرياح وحصلت بعض الحالات التي كدرت صفو العلاقة بين أبناء هذه المجتمعات والتي كانت تتميز بالوحدة، داعياً الجميع لوحدة الصف خاصة في ظل هذه المرحلة الحرجة والتي يريد أعداء الأمة الهيمنة عليها من خلال صراع الحضارات.
وختم الشيخ الصفار حديثه قائلا: يجب أن ندرك بأن هناك توجهات متطرفة ومتشددة عند جميع المذاهب، وهو ليس بالأمر الطارئ والعارض في حياة المسلمين، وإنما هو وجود عريق وله بعد تاريخي، ولكننا ندعو العقلاء إلى التعامل بلغة العقل والحوار وتغليب الحكمة، حتى نخفف من حدة هذه الاختلافات والاحتقانات، سعياً إلى إيجاد حل حاسم ولو كان صعب المنال.