التودد واستفزاز الآخر في نهج أهل البيت (ع)

 

ورد عن الإمام محمد الباقر أنه جاء في وصية أمير المؤمنين علي لبنيه: «يَا بَنِيَّ، إِنَّ اَلْقُلُوبَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، تَتَلَاحَظُ بِالْمَوَدَّةِ، وَتَتَنَاجَى بِهَا وَكَذَلِكَ هِيَ فِي اَلْبُغْضِ»[1] .

لحركة المشاعر والأحاسيس دور أساس في تشكيل علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، فهي التي تصنع الانجذاب أو النفور بين الإنسان والآخر، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علي في وصيته لبنيه، كما روى الإمام محمد الباقر ، وكان في آخر وصيته قوله: «يَا بَنِيَّ، إِنَّ اَلْقُلُوبَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، تَتَلَاحَظُ بِالْمَوَدَّةِ، وَتَتَنَاجَى بِهَا وَكَذَلِكَ هِيَ فِي اَلْبُغْضِ».

ومن يسعى للنجاح في العلاقة مع الآخرين والتأثير فيهم، على مستوى الأهداف الشخصية أو لتحقيق مصالح مبدئية، فإنّ عليه أن يهتمّ برعاية مشاعرهم وأحاسيسهم، فهي التي تقرّبهم إليه، وإذا ما تجاهلها أو صدر منه ما يجرحها ويستفزّها، فستكون النتيجة نفور الآخرين وابتعادهم عنه.

مركز الانجذاب والنفور

إنه مهما كانت نقاط قوة الإنسان الأخرى، فإنّها لا تنفعه في كسب الآخرين، إذا تجاهل مشاعرهم أو أساء إليها.

لذلك يؤكّد الله تعالى لنبيّه محمد ، أنّ مقام نبوته، وعظيم فضله، ما كان يكفي لجذب الناس إليه، وإلى رسالته، لو كان يجرح مشاعرهم وأحاسيسهم.

يقول تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ. [سورة آل عمران، الآية: 159].

وعلى مستوى الكفاءة العلمية، فإنّ العالم السَّيئ الخلق، المتجبّر على الناس، تتلاشى قدرته في هداية الناس إلى الحقّ؛ لأنّ سوء خلقه يُنفّر الناس من الانجذاب إليه وقبول قوله.

ورد عن الإمام جعفر الصادق : «لَا تَكُونُوا عُلَمَاءَ جَبَّارِينَ فَيَذْهَبَ بَاطِلُكُمْ بِحَقِّكُمْ»[2] .

وحتى تقديم المال لمن يحتاج إليه، إذا صاحبه تجريح لمشاعره، يكون أثره معاكسًا في نفس من يُقدّم إليه

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ. [سورة البقرة، الآية: 264].

ومن ينتمي إلى الدين، ويريد الدعوة إلى نهج الحقّ الذي يؤمن به، عليه أن يكون حريصًا على رعاية مشاعر الآخرين، ليجتذبهم إلى الدين بحسن تعامله معهم، وإلّا فسيكون سببًا لتنفير الناس من الدين، إن أساء التعامل مع الآخرين، واستفزّ مشاعرهم، خاصة إذا كان ذلك ضمن أساليب دعوته الدينية.

من هنا كان أئمة أهل البيت يؤكّدون على شيعتهم وأتباعهم، أن يكونوا مهتمّين بمشاعر الآخرين غير المنتمين لمدرسة أهل البيت ، وأن يتعاملوا معهم بمحبّة ولطف، ليجتذبوهم بذلك إلى خطّ أهل البيت، وأن يتجنّبوا أيّ تجريح أو استفزاز لمشاعرهم وأحاسيسهم، حتى لا تنمو في نفوسهم مشاعر البغض والكراهية لأهل البيت وشيعتهم.

جاء عن الإمام جعفر الصادق : «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ»[3] .

وعنه : «حَبِّبُونَا إِلَى اَلنَّاسِ وَلاَ تُبَغِّضُونَا إِلَيْهِمْ»[4] .

ونجد في روايات أهل البيت وسيرتهم تركيزًا على نقاط مهمّة في سياق تنمية المشاعر الإيجابية لدى الآخر المذهبي، وكبح المشاعر السلبية.

حسن التخاطب مع الآخر

إنّ حسن التخاطب مع الآخر، وضبط لغة الحديث عن الانزلاق إلى أيِّ إساءة للطرف الآخر، بالسَّب أو الشتم أو اللعن، هي حجر الأساس في صنع العلاقة الإيجابية، وذلك ما ركّز عليه القرآن الكريم في عدد من آياته.

يقول تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ. [سورة الإسراء، الآية: 53].

إنّ القول السَّيئ يعطي الفرصة للشيطان للدفع نحو العداوة والبغضاء.

ويقول تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. [سورة العنكبوت، الآية: 46].

فليس مسموحًا للإنسان المسلم أن يناقش القضية الدينية مع أتباع الديانات الأخرى (أهل الكتاب) إلّا إذا كان متمكنًا من استخدام أفضل أساليب التعبير في الحوار، وإلّا فعليه أن يمتنع عن المجادلة والنقاش معهم بنصّ القرآن الكريم ﴿وَلَا تُجَادِلُوا.

ويقول تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا. [سورة البقرة، الآية: 83]. حيث ورد عن الإمام جعفر الصادق في تفسير هذه الآية: «أَيْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، مُؤْمِنِهِمْ وَمُخَالِفِهِمْ، أَمَّا اَلْمُؤْمِنُونَ فَيَبْسُطُ لَهُمْ وَجْهَهُ، وَأَمَّا اَلْمُخَالِفُونَ فَيُكَلِّمُهُمْ بِالْمُدَارَاةِ - لاِجْتِذَابِهِمْ إِلَى اَلْإِيمَانِ»[5] .

ويقول تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. [سورة الأنعام، الآية: 108].

إنّ الله تعالى ينهى عن سبّ أوثان المشركين؛ لأنّ ذلك يدفعهم للمعاملة بالمثل، فيسبّون الله تعالى، لأنّ لكلّ قوم مقدّساتهم ورموزهم التي يعظمونها ﴿كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ.

ورد عن الإمام محمد الباقر : «قُولُوا لِلنَّاسِ أَحْسَنَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ»[6] .

وجاء عن الإمام جعفر الصادق : «مَعَاشِرَ اَلشِّيعَةِ، كُونُوا لَنَا زَيْنًا، وَلَا تَكُونُوا لَنَا شَيْنًا، قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْنًا، وَاِحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ وَكُفُّوهَا عَنِ اَلْفُضُولِ، وَقَبِيحِ اَلْقَوْلِ»[7] .

وعنه : «مَا أَيْسَرَ مَا رَضِيَ بِهِ النَّاسُ عَنْكُمْ، كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْهُمْ‌»[8] .

وسمع الإمام علي قومًا من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين، فقال لهم: «إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ»[9] .

وإذا كانت هناك نصوص قد رويت عن أئمة أهل البيت ، فيها ذكر لمثالب أعداء أهل البيت بالاسم، فإنّ علينا أن نتأكّد من صحة ورودها، فقد جاء في صحيحة أبي محمود عن الإمام علي بن موسى الرضا : «إِنَّ مُخَالِفِينَا وَضَعُوا أَخْبَارًا فِي فَضَائِلِنَا، وَجَعَلُوهَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: اَلْغُلُوُّ، وَثَانِيهَا: اَلتَّقْصِيرُ فِي أَمْرِنَا، وَثَالِثُهَا: اَلتَّصْرِيحُ بِمَثَالِبِ أَعْدَائِنَا ... وَإِذَا سَمِعُوا مَثَالِبَ أَعْدَائِنَا بِأَسْمَائِهِمْ ثَلَبُونَا بِأَسْمَائِنَا»[10] .

هنا يتّهم الإمام الرضا المناوئين لأهل البيت، بأنّهم وضعوا روايات فيها نيل وثلب للشخصيات والرموز المعادية لأهل البيت، ونسبوها للأئمة، لتكون سببًا ومبررًا للنيل من أشخاص الأئمة .

وعن الإمام محمد الباقر : «سِلاَحُ اللِّئَامِ قَبِيحُ اَلْكَلاَمِ»[11] .

وهذا تحذير من الإمام لشيعته، بأن لا يسمحوا لأنفسهم باستخدام الكلام القبيح سلاحًا في مواجهة مخالفيهم، لأنه سلاح اللئام، أما الكرام فسلاحهم الكلام المنطقي الموضوعي، القائم على الحجة والبرهان، والملتزم بالأدب والاحترام.

عدم الاستجابة للاستفزاز

إنّ ضبط الانفعالات وعدم الاستجابة لإثارات واستفزازات الآخرين، عنصر مهم في صناعة الأجواء الإيجابية، وعدم الوقوع في منزلق العلاقات المتشنجة المتوترة.

فقد يكون الطرف الآخر الذي صدرت منه الإساءة جاهلًا، أو ضحية تعبئة مضادّة، أو قاصدًا للاستفزاز ليوظّفه في غرضه العدائي، وهنا على المؤمن الواعي، أن يكون يقظًا متحلّيًا بالانضباط والصبر والتّحمّل، حتى لا يحقّق غرض الأعداء، ويتورط في مشاكل العداء.

إنّ الله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ. [سورة القصص، الآية: 55].

ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا. [سورة الفرقان، الآية: 64].

ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. [سورة الفرقان، الآية: 72].

ورد عن الإمام جعفر الصادق في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [سورة المؤمنون، الآية: 3] «أَنْ يَتَقَوَّلَ اَلرَّجُلُ عَلَيْكَ بِالْبَاطِلِ أَوْ يَأْتِيَكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ فَتُعْرِضُ عَنْهُ لِلَّهِ»[12] .

وكما يقول الشاعر:

وَلقدْ أمُرُّ على اللّئيمِ يَسُبُّني ***  فمضيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لا يعْنينِي

سَمِعَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ علي رَجُلاً يَشْتِمُ قَنْبَرًا - خادمه - وَقَدْ رَامَ قَنْبَرٌ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَنَادَاهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ : «مَهْلًا يَا قَنْبَرُ! دَعْ شَاتِمَكَ مُهَانًا تُرْضِي الرَّحْمَنَ، وَتُسْخِطُ الشَّيْطَانَ، وَتُعَاقِبُ عَدُوَّكَ، فَوَالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ، وَبَرَأَ اَلنَّسَمَةَ، مَا أَرْضَى اَلْمُؤْمِنُ رَبَّهُ بِمِثْلِ الْحِلْمِ، وَلاَ أَسْخَطَ الشَّيْطَانَ بِمِثْلِ الصَّمْتِ، وَلاَ عُوقِبَ الْأَحْمَقُ بِمِثْلِ السُّكُوتِ عَنْهُ»[13] .

الحكمة في طرح مواضيع الخلاف

من المعلوم أنّ هناك قضايا عقدية وفقهية وتاريخية مختلف في تفاصيلها بين المذاهب الإسلامية، ولمدرسة أهل البيت رؤيتها موقفها في هذه القضايا، وغالبًا ما يكون تناول بعض هذه القضايا سببًا لإثارة التشنّج والتوتر، خاصة حينما لا يكون التناول موضوعيًّا، وقد أكّد أئمة أهل البيت على شيعتهم ألّا يجترّوا ويحترفوا طرح قضايا الخلاف مع أتباع المذاهب الأخرى، إلّا من قبل الأكْفاء القادرين على إدارة الحوار الموضوعي، كما أكّدوا على مراعاة استيعاب الطرف الآخر فكريًّا، وعدم مصادمته بما لا يتفهّمه، بسبب طبيعة نشأته وثقافته، إلّا أن يكون مهيّئًا ومدركًا لخلفيات الموضوع.

ورد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين أنه قال: «حَدِّثُوا اَلنَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَلَا تُحَمِّلُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَتَغُرُّونَهُمْ بِنَا»[14] .

أي تحدّثوا مع الناس في المواضيع التي يمكنهم فهمها ومعرفتها، وليس في المواضيع البعيدة عن فهمهم، ولا يمتلكون خلفية كافية عنها، فذلك ما يُصعّب عليهم قبوله، ويسبب لهم ردّ فعل تجاه مدرسة أهل البيت .

وعن مدرك بن الهزاهز قال: قال أبوعبدالله جعفر بن محمد : «أقْرِئْ أَصْحَابَنَا السَّلاَمَ وَرَحْمَةَ اَللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَقُلْ لَهُمْ رَحِمَ اللَّهُ اِمْرَأً اِجْتَرَّ مَوَدَّةَ اَلنَّاسِ إِلَيْنَا فَحَدَّثَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ وَتَرَكَ مَا يُنْكِرُونَ»[15] .

ومثله عَنْ عَبْدِالْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ[16] .

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ: «خَالِطُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَدَعُوهُمْ مِمَّا يُنْكِرُونَ، وَلاَ تَحْمِلُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَيْنَا»[17] .

إنّ طرح القضايا التي يصعب على الآخر تقبّلها، قد يدفعه لاتّخاذ موقف سلبي تجاه أهل البيت ، وتجاه شيعتهم، فلا بُدّ من مراعاة الحكمة فيما يطرح من مواضيع الخلاف المذهبي.

الاحترام والإحسان إلى الآخر

كثيرة هي الروايات والتوجيهات الصادرة عن الأئمة ، التي تحثّ على احترام سائر المسلمين من أتباع المذاهب الأخرى، والإحسان إليهم، وحفظ حقوقهم الإنسانية، وحقوق الأخوة الإسلامية، ليكون هذا التعامل سببًا لإثارة مشاعر الودّ والمحبّة بين أبناء الأمة، والابتعاد عن مزالق الفتن والنزاع.

ورد عن الإمام محمد الباقر في وصف الشيعة أنّهم: «الَّذِينَ إِذَا غَضِبُوا لَمْ يَظْلِمُوا وَإِذَا رَضُوا لَمْ يُسْرِفُوا بَرَكَةٌ عَلَى مَنْ جَاوَرُوا سِلْمٌ لِمَنْ خَالَطُوا»[18] .

هكذا يجب أن يكون الموالي لأهل البيت ، بركةً على من جاورهم بأخلاقه وحسن تعامله، وألّا يكون مصدر قلق أو سوء لمن خالطهم.

وعن الإمام جعفر الصادق : «يَا شِيعَةَ آلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ عِنْدَ اَلْغَضَبِ، وَلَمْ يُحْسِنْ صُحْبَةَ مَنْ صَحِبَهُ، وَمُرَافَقَةَ مَنْ رَافَقَهُ، وَمُصَالَحَةَ مَنْ صَالَحَهُ، وَمُخَالَفَةَ مَنْ خَالَفَهُ»[19] .

إنّ من لم يُحسن العلاقة مع من صحبه ورافقه في الدراسة أو العمل أو السفر، أو في أيّ شأنٍ من الشؤون، فليس من المنتمين بصدق إلى أهل البيت ، وحتى لو اختلف مع أحد فعليه أن يحسن إدارة الاختلاف وفق المبادئ والقيم الأخلاقية «وَمُخَالَفَةَ مَنْ خَالَفَهُ» أي لم يحسن المخالفة.

رسائل لتعزيز الوحدة والانسجام

إنّ هذه السيرة الحكيمة لأهل البيت والتوجيهات الواعية المروية عنهم، تتضمّن رسائل مهمّة للارتقاء بمستوى العلاقة بين أتباع أهل البيت وسائر أبناء الأمة، وأتباع مذاهبها المختلفة، لحفظ وحدة الأمة، وتعزيز الألفة والانسجام داخل مجتمعاتها، ولتجنّب مزالق الفتن والنزاعات الطائفية المذهبية.

وهذا ما يجب أن تلتزم به المنابر الإعلامية المنتسبة إلى مذهب أهل البيت ، أما القنوات الفضائية التي تحترف السَّب والشتم، وإثارة الفتن الطائفية، فهي على الضدِّ من سيرة أهل البيت وتوجيهاتهم.

وعلى العلماء والخطباء في المجتمعات الشيعية، أن ينقلوا للجمهور الشيعي مثل هذه الوصايا والتعاليم الواردة عن أئمة أهل البيت ، ليقتديَ الشيعة بأئمتهم في نهجهم ومكارم أخلاقهم، وليكونوا أقدر على الانسجام مع محيطهم الوطني والاجتماعي.

وفي المناسبات الوطنية والاجتماعية والإسلامية العامة، التي يلتقي فيها أبناء الأمة بمختلف مذاهبهم، كموسم الحج العظيم، يجب الحذر من استخدام أيِّ لغةٍ استفزازية، أو طرح أيِّ مصطلحات قد يُسيء فهمها الطرف الآخر، فتصبح مبرّرًا للنزاع وتشويه السُّمعة.

 

خطبة الجمعة 8 ذو الحجة 1445هـ الموافق 14 يونيو 2024م.

[1]  أمالي الشيخ الطوسي، ج1، ص595، ح1232.
[2]  الكافي، ج1، ص36، ح1.
[3]  المصدر السابق، ج8، ص229، ح293.
[4]  صفات الشيعة، ص28، ح39.
[5]  بحار الأنوار، ج72، ص401، ح45
[6]  أمالي الشيخ الصدوق، ص326، ح382.
[7]  المصدر السابق، ص484، ح657.
[8]  الكافي، ج8، ص341، ح537.
[9]  نهج البلاغة، خطبة: 206.
[10]  عيون أخبار الرضا، ج1، ص303.
[11]  الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج4، ص408. المحدث الإربلي: كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج2، ص662.
[12]  الشيخ الطبرسي: مجمع البيان، ج7، ص158.
[13]  أمالي الشيخ المفيد، ص118، ح2.
[14]  الغيبة للنعماني، ص35، ح4.
[15]  أمالي الشيخ الطوسي، ص86، ح131.
[16]  الغيبة للنعماني، ص34، ح3.
[17]  بصائر الدرجات، ص46، ح2.
[18]  صفات الشيعة، ص13، ح23.
[19]  تحف العقول، ص380.