المسافة بين الطموح والإنجاز
ورد في كلمة مروية عن الإمام جعفر الصادق : «مَا كُلُّ مَنْ نَوَى شَيْئًا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَا كُلُّ مَنْ قدَرَ عَلَى شَيْءٍ وُفِّقَ لَهُ، وَلَا كُلُّ مَنْ وُفِّقَ أَصَابَ لَهُ مَوْضِعًا، فَإِذَا اِجْتَمَعَتِ اَلنِّيَّةُ وَاَلْقُدْرَةُ وَاَلتَّوْفِيقُ وَالْإِصَابَةُ فَهُنَالِكَ تَمَّتِ اَلسَّعَادَةُ»[1] .
من الصفات المميّزة للإنسان نزعته إلى الطموح والتطلّع، فقد أودع الله تعالى في نفسه الفضول لمعرفة ما يجهل، والرغبة في تحصيل المزيد من المكاسب، والسعي لتحسين واقع حياته، وبذلك أصبح الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحقّق التطور والتغيير باطّراد في مسيرة الحياة.
ولولا هذه النزعة إلى الطموح والتطلّع، لبقي الإنسان يراوح مكانه في حياته البدائية، ولما تحقّق شيء من هذا التقدم الهائل في الحياة الإنسانية.
الاستجابة للطموح
لكنّ أبناء البشر يتفاوتون في مدى تفعيلهم واستجابتهم لهذه النزعة المودعة في نفوسهم، فهناك من يتجاهلها ويقمعها، ويُقنع نفسه بالاستسلام للواقع الذي وجد نفسه فيه، بسبب التخلف الثقافي، وضعف الثقة بالذات وقدرتها على صنع واقع أفضل، وبسبب حالة الكسل وعدم الرغبة في بذل الجهد.
إنّ تقدّم الإنسان المعنوي والمادي رهن بمستوى طموحه وتطلّعه، فكلّما كان أكثر طموحًا وتطلّعًا، كان أقرب إلى تحقيق التقدّم والإنجاز.
والطموح هو بداية الطريق والمشوار، وهناك مسافة ومحطات يجب أن يقطعها الإنسان ليتحول طموحه وتطلّعه إلى إنجاز فعلي ونجاح قائم.
والرواية الواردة عن الإمام جعفر الصادق : «مَا كُلُّ مَنْ نَوَى شَيْئًا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَا كُلُّ مَنْ قدَرَ عَلَى شَيْءٍ وُفِّقَ لَهُ، وَلَا كُلُّ مَنْ وُفِّقَ أَصَابَ لَهُ مَوْضِعًا، فَإِذَا اِجْتَمَعَتِ اَلنِّيَّةُ وَاَلْقُدْرَةُ وَاَلتَّوْفِيقُ وَاَلْإِصَابَةُ فَهُنَالِكَ تَمَّتِ اَلسَّعَادَةُ»[2] . تتحدّث عن أهم محطّات المسافة بين الطموح والإنجاز.
القصد والعزم
المحطة الأولى هي النية، وأن يتحول الطموح والتطلّع إلى قصد وعزم داخل النفس، لإنجاز العمل والفعل، وليس مجرّد أمنية أو رغبة تداعب المشاعر.
ونجد في النصوص الدينية تشجيعًا وتحفيزًا للإنسان على إنشاء مقاصد الخير داخل نفسه، والعزم على القيام بالمشاريع والأعمال النافعة الصالحة.
إنّ وجود ملفات ومخططات لمشاريع وأعمال الخير في أعماق النفس، ولو كانت على الرّف، ومؤجلة التنفيذ أمر جيّد محبّذ؛ لأنّ ذلك يعزّز توجهات الخير في النفس، ويملأ فراغها الذي قد تشغله مشاريع لتوجهات سيئة. كما أنّ ذلك يدفع الإنسان لتحيّن الفرص لإنجاز منوياته الحسنة.
ورد عن رسول الله : «يَا أَبَا ذَرٍّ، هُمَّ بِالْحَسَنَةِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْهَا، لِكَيْلَا تُكْتَبَ مِنَ اَلْغَافِلِينَ»[3] .
إنّ وجود نيّات فعل الخير في نفس الإنسان تنمّي هذا التوجه في مشاعره وذهنه، بينما افتقاد ذلك يسبب ضمور اتجاه الخير في النفس، والغفلة عن الاهتمام به.
وورد عن الإمام علي : «اَلْأَعْمَالُ ثِمَارُ اَلنِّيَّاتِ»[4] .
إنّ النية هي البذرة التي ينمو من خلالها التوجه والقصد للعمل، إلى أن يتحقّق فيكون الثمرة والنتاج.
ولتحفيز الإنسان على التفكير والاهتمام بإنجاز الأعمال والمشاريع النافعة، فإنّ الدين يعطي قيمة لمجرّد النية والقصد، ويراها سببًا للأجر والثواب، حتى لو لم يتحقّق الإنجاز من الناحية الفعلية.
ورد عن الإمام جعفر الصادق : «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْفَقِيرَ لَيَقُولُ يَا رَبِّ ارْزُقْنِي حَتَّى أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْبِرِّ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ بِصِدْقِ نِيَّةٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا يَكْتُبُ لَهُ لَوْ عَمِلَهُ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ»[5] .
وعنه : «إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ لَيَهُمُّ بِالْحَسَنَةِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، فَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنَّ اَلْمُؤْمِنَ لَيَهُمُّ بِالسَّيِّئَةِ أَنْ يَعْمَلَهَا فَلاَ يَعْمَلُهَا، فَلاَ تُكْتَبُ عَلَيْهِ»[6] .
السعي لتحصيل القدرة
المحطة الثانية هي السعي لتحصيل القدرة، فقد لا يكون الإنسان قادرًا على فعل ما يطمح إليه عندما يقصد وينوي إنجازه، وهنا ينبغي أن تكون النية دافعًا لتحصيل القدرة، إنّ من يحمل همّ التوسيع على عياله وترفيههم، عليه أن يبحث عن موارد إضافية لزيادة دخله، ومن يفكر في هداية الناس وإرشادهم، عليه أن يوسّع أفق وعيه وثقافته واكتساب أساليب التأثير في الآخرين. وكذلك من ينوي المساهمة في أعمال الخير والبر عليه أن يكتسب المزيد من الثروة لينفقها في هذا السبيل.
ورد عن الإمام علي : «عَلَى قَدْرِ اَلنِّيَّةِ تَكُونُ مِنَ اَللَّهِ اَلْعَطِيَّةُ»0[7]).
فالنية تحفّز للسعي، والله تعالى يمنح البركة لمن يسعون ويتحركون.
وعن الإمام جعفر الصادق : «مَا ضَعُفَ بَدَنٌ عَمَّا قَوِيَتْ عَلَيْهِ اَلنِّيَّةُ»[8] .
فالفرص متاحة، والإمكانات مبذولة في هذه الحياة، لكن على الإنسان أن يسعى ويتحرّك، وهو يمتلك مخزونًا من القدرات في داخله، تتفجر من خلال إرادته ونشاطه.
الظروف المناسبة
المحطة الثالثة هي التوفيق، ويعني الملاءمة والاتساق والتسديد، بأن تتهيأ الظروف المناسبة لإنجاز العمل وتحقيقه، وأن تزول العوائق والموانع من أمامه.
يحصل في بعض الأحيان أن يتحمّس الإنسان لإنجاز عمل، وأن يبذل ما في وسعه لتحقيقه، لكنّ ظروفًا ما تطرأ وتعوق ذلك.
لذلك ينبغي للإنسان أن يطلب من الله التوفيق دائمًا وأبدًا.
يقول تعالى على لسان نبي الله شعيب: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾. [سورة هود، الآية: 88].
ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي : «اَلتَّوْفِيقُ عِنَايَةُ اَلرَّحْمَنِ»[9] .
وعنه : «لَا نِعْمَةَ أَجَلُّ مِنَ اَلتَّوْفِيقِ»[10] .
وعنه : «خَيْرُ الاِجْتِهَادِ مَا قَارَنَهُ اَلتَّوْفِيقُ»[11] .
وهناك عوامل مساعدة لصنع الظروف المناسبة، واكتشاف الفرص السانحة، لنيل التوفيق من الله تعالى في أيّ عمل أو مشروع، منها:
الاستفادة من التجارب الذاتية، وتجارب الآخرين.
ورد عن الإمام علي : «مِنَ اَلتَّوْفِيقِ حِفْظُ اَلتَّجْرِبَةِ»[12] .
ومنها: بذل غاية الجهد في التفكير والتخطيط والسعي.
ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا : «مَنْ سَأَلَ اَللَّهَ اَلتَّوْفِيقَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدِ اِسْتَهَزَأَ بِنَفْسِهِ»[13] .
تحقيق النجاح
المحطة الرابعة هي تحقيق النجاح؛ لأنّ إنجاز العمل شيء، ونجاحه ووصوله إلى المستوى المطلوب لتحقيق أغراضه شيء آخر، وهذا ما تشير إليه الفقرة الأخيرة من الكلمة المروية عن الإمام الصادق : «وَلاَ كُلُّ مَنْ وُفِّقَ أَصَابَ لَهُ مَوْضِعًا، فَإِذَا اِجْتَمَعَتِ اَلنِّيَّةُ وَاَلْقُدْرَةُ وَاَلتَّوْفِيقُ وَاَلْإِصَابَةُ فَهُنَالِكَ تَمَّتِ اَلسَّعَادَةُ».
إنّ على الإنسان أن يقطع هذه المسافة بمحطاتها الأربع لكي يحقّق طموحاته وتطلّعاته.
وكلّ إنسان مهيئ للنجاح، وجدير بأن يحقّق الإنجازات الكبيرة، إذا ما اتخذ القرار وبذل الجهد، والتمس التوفيق من الله تعالى.