في ذكرى الدكتور محمود المظفر
الشيخ الصفار: تحديث مناهج الدروس الدينية ضرورة لمواكبة تطور المعرفة
أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن تطوير مناهج الدروس الدينية بات أمرًا حتميًا لمواكبة التطورات الفكرية والاجتماعية التي يشهدها العالم.
وتابع: إن النظام التعليمي الحوزوي لا يزال يعتمد على كتب ألفت قبل قرون، ولم تُصمم بالأساس لتكون مناهج دراسية، مما يُشكل عقبة أمام تطور المعرفة والخطاب الديني.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها سماحته احتفاءً بصدور عدد خاص من مجلة (الموسم) بعنوان: (ذكرى الشيخ الدكتور محمود المظفر)، مساء الجمعة ليلو السبت 1 شعبان ١٤٤٦هـ الموافق 31 يناير ٢٠٢5م في مجلس الحاج سعيد المقابي في القطيف، وحضره عدد من العلماء والمثقفين ومن اسرة الفقيد الراحل.
وقد تناول الشيخ الصفار جانبًا من العطاء العلمي للدكتور الشيخ محمود المظفر، هو اهتمامه بتطوير مناهج الدروس الدينية، ووضعه مقررًا لدراسة علم الحديث، ودوره في مؤازرة عمّه الشيخ محمد رضا المظفر، في المبادرة لإصلاح وتطوير الحوزة العلمية في النجف، بإنشاء منتدى النشر وكلية الفقه، ووضع مناهج دراسية جديدة.
وفي حديثه عن تأثير المناهج على الخطاب الديني، أوضح الشيخ الصفار أن خريجي الحوزات العلمية يشكلون المرجعية الأساسية لجمهور الأمة في فهم مفاهيم الدين وأحكامه، كما يساهمون في تشكيل الثقافة العامة، وتوجيه السلوك الاجتماعي، مما يجعل عملية تطوير مناهجهم الدراسية ضرورة ملحة.
وأضاف: إن حوزة النجف الأشرف، بصفتها واحدة من أعرق المؤسسات الدينية، كانت دائمًا في قلب الحراك العلمي، لكن مناهجها بحاجة إلى تحديث لتتماشى مع التحديات الجديدة التي فرضتها الحضارة الحديثة، مثل الهيمنة الثقافية الغربية، والتطورات العلمية والتكنولوجية، وتعقيدات الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وأشار إلى أن النظام التعليمي في الحوزات، يعاني من غياب عدد من العلوم التي تُعدّ ضرورية لفهم أعمق للنصوص الدينية، كدرس تفسير القرآن وعلومه، وعلم الحديث وعلم الرجال، والتاريخ الإسلامي، والأخلاق، والعلوم الإنسانية، مثل علم النفس والاجتماع والاقتصاد.
وأوضح أن هذه المعارف لا تُدرَّس كمقررات أساسية في معظم الحوزات، بل تُترك لاجتهاد الطالب واختياراته الشخصية، مما يُضعف التكوين العلمي الشامل للمتخرجين، ويحدّ من قدرتهم على الاستجابة للتحديات الفكرية والاجتماعية الحديثة.
وعن الصعوبات التي تواجه مشاريع إصلاح المناهج، أشار الشيخ الصفار إلى أن البيئة التقليدية داخل الحوزات تميل إلى مقاومة التغيير، حيث يُنظر إلى أي دعوة للإصلاح، على أنها محاولة لـطمس الهوية التراثية، أو التشكيك في الموروث الديني.
وقال: من الطبيعي أن تضم الحوزات العلمية اتجاهات مختلفة، وأن تنشأ فيها مراكز قوى متعددة، مما يؤدي إلى تضارب المصالح، وظهور مقاومة لأي محاولة تجديد. لكن التمسك بالمناهج القديمة دون تطوير، يُضعف دور الحوزات في إنتاج خطاب ديني معاصر، قادر على مواجهة تحديات العصر.
وأضاف: إن بعض المصلحين الذين سعوا إلى تحديث المناهج واجهوا حملات تشكيك، بل وتعرضوا لمخاطر كبيرة بسبب مواقفهم الإصلاحية، لكنهم ظلوا ثابتين على مواقفهم، إيمانًا منهم بأن التغيير ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان استمرار الدور الريادي للحوزات العلمية في تشكيل الفكر الإسلامي المعاصر.
واختتم الشيخ الصفار حديثه بالتأكيد على أن المراجعة النقدية للمناهج ليست هدمًا للتراث، بل هي عملية بيناء وتطوير، وهي ضرورية لضمان إنتاج جيل جديد من العلماء، قادر على التفاعل مع قضايا العصر بوعي وانفتاح.
وشدد على أن الحل لا يكمن فقط في تشخيص الثغرات، بل في تقديم مشاريع عملية لإعادة صياغة المناهج، وخلق بيئة تعليمية أكاديمية تتجاوز ثغرات النظام التقليدي، وتؤهل الفقيه والداعية والخطيب بأسلوب حديث، يتماشى مع متطلبات المجتمع المعاصر.
وبمناسبة إحياء ذكرى الدكتور الشيخ محمود المظفر قال سماحته: كان للراحل فضلٌ كبير على المجتمع في المملكة العربية السعودية، منذ أن التحق بهيئة التدريس في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، معلمًا وباحثًا، لمدة خمسة وعشرين عامًا، وعندما انتقل للعيش في المنطقة الشرقية بعد التقاعد، حيث كان مصدر إلهام وثقافة ومعرفة دافعة محفزة.
وتابع: له فضل عليَّ خاصة، فقد كان مشجعًا وداعمًا ومحفزًا، وطالما تشرفت بحضوره في هذا المجلس، وشاركنا في أكثر من مناسبة.
وأضاف: كنّا نواجه الكثير من الصعوبات والتحديات في مشروع عملنا الاجتماعي والثقافي، وكان رحمه الله كثير التشجيع والتحفيز، وكان يتحدث لي عن معاناة المصلحين من أسرته ومن العلماء، من باب التشجع والتسلية.
المهندس المظفر
من جهته تحدث المهندس حسن المظفر نجل المرحوم عن بعض الجوانب من سيرة والده الشخصية والعلمية، ساردًا بعض المواقف المهمة في حياته.
وذكر أن الراحل نشأ وترعرع تحت رعاية والده الفقيه الشيخ محمد حسن المظفر وعمه الشيخ محمد رضا المظفر، وكان من أوائل الطلبة الملتحقين بكلية الفقه.
وتابع: حصل على البكالوريوس في القانون وعلى ماجستير في العلوم الإسلامية مقارن بالقانون من كلية الحقوق بجامعة بغداد، والدكتوراه من جامعة القاهرة في العلوم الإسلامية مقارن بالقانون المدني بمرتبة الشرف الأولى.
وأضاف: لقد درّس في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية لمدة اثنتي عشر سنة، وكان ضمن اللجة التي وضعت مناهجها.
وأشار إلى تأثره بخاله الشيخ محمد رضا الشبيبي رئيس مجلس أعيان العراق، في الوسطية والتقريب بين المذاهب، وقد حضر مؤتمر التقريب في دمشق عام 1999م.
وابان أن والده كان يبذل جهدًا كبيرًا في تحضير دروسه، وكتابة بحوثه، حتى أنه ينقطع بالساعات للبحث والكتابة، وكان حريصًا على تصحيح لغة الطلاب، والاشارة إلى الأخطاء الإملائية والنحوية في كتابتهم.
وختم بذكر نماذج مما كتبه طلابه عنه بعد وفاته من ثناء وإشادة بشخصيته وطريقة تدريسه.
الدكتور السيد الشخص
ثم تحدث عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن سابقًا الدكتور السيد عدنان الشخص عن جانب مهم من حياة الفقيد المظفر، مبينًا مكانة الفقيد عند العلماء والمثقفين.
وقال: لم يتكئ الشيخ الراحل على إرث عائلته الكبير، فأبوه وجده وعمه وخاله كانوا من كبار العلماء والوجهاء في العراق، إلا أنه تميّز بذاته وبعمله.
وأضاف: سافرت معه إلى مؤتمرات ومناسبات عديدة، ووجدت الاحتفاء به والتكريم لشخصه وكفاءته، وليس لأنه سليل تلك الأسرة العريقة فقط.
وتابع: هذا يعطينا درسًا ألا يتكئ الإنسان على موقعه وعائلته، وإنما يحرص على أن تكون له بصمات ترفع من مقام أسرته.
وأشار إلى ما حضي به الراحل من احترام وتقدير في الأوساط العلمية والجامعية، حتى أنه مدد له في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة كأستاذ في كلية الاقتصاد والإدارة قسم الأنظمة (القانون) بعد التقاعد بدون تحديد مدة كما هو المتبع في السلك التعليمي الجامعي، وفي ذلك دلالة على عمق البصمات التي تركها في الجامعة.
ولفت إلى دور الراحل في صياغة دستور العراق، بعد أن رشحه المرجع الأعلى السيد السيستاني ليكون ممثلًا له ضمن اللجة المشرفة على كتابة الدستور.
الدكتور الشيخ الخرس
من جهته أشاد الأستاذ بالحوزة العلمية في الأحساء الدكتور الشيخ محمد جواد الخرس بالدور العلمي والثقافي للدكتور الراحل، مؤكدًا دوره في دفع حركة التأليف والبحث العلمي في حاضرة الأحساء.
وأبان أن للراحل دورًا كبيرًا في تحكيم مسابقة بحوث مهرجان الغدير بالأحساء، رغم ضخامة البحوث وكثرة ورقها.
وقال: نظرًا لإيمان الدكتور رحمه الله بدفع تجربة البحوث والتأليف، وأهميتها، جعلته يتعامل معها تعامل استشراف لمستقبل بناء جيل صاعد في مجال الخدمة الدينية والاجتماعية.
وأضاف: رغم أن البحوث تجاوزت عدد صفحاتها مئات الصفحات، إلا أنه رحمه الله أعطاها من وقته وجهده وأنجز المهمة رغم ضيق الوقت وكثرة الانشغال.
السيد هاشم الشخص
وقد ختم اللقاء بقصيدة للشاعر السيد هاشم الشخص، في رثاء الفقيد الدكتور المظفر كان مطلعها:
دعوت بياني أن ينوح فغردا وناشدت شعري أن يبوح فأنشدا
وسددت قولي بالرثاء مفوقًا فعاد قريضي بالمديح مجددا
وكان انبعاث الشعر رجع خواطرٍ لمجدٍ أثيلٍ شاد مجدًا مخلدا
وجاء فيها:
أمحمود يا رمز المفاخر والتقى ومن شُمْتُ فيه الخير والنبل والندى
فخارًا لما أسديت فكرًا وفكرة ونهجًا قويمًا بات دربًا معبدا
أياديك وفّت للمكارم حقها وعيناك جازت في بصيرتها غدا
وكفّاك أعلت للحضارة ركنها وقلدتها تاجًا من المجد كالمدى