ضمن مشاركته في ملتقى الوقف الجعفري العاشر بالكويت
الشيخ الصفار يدعوا إلى تنمية الأوقاف وتعزيز دورها الوطني والاجتماعي

بدعوة من إدارة الوقف الجعفري بالأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في ملتقى الوقف الجعفري العاشر، المنعقد يوم الإثنين 11 شعبان 1446هـ الموافق 10 فبراير 2025م.
وقد انعقد الملتقى برعاية أمير دولة الكويت صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تحت شعار (مسيرة الوقف الجعفري خلال عشرين عاما) وافتتحه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور محمد الوسمي ممثلًا لسمو الأمير، وألقى كلمة بالمناسبة كما كرّم الضيوف المشاركين في الملتقى.
وتناول سماحة الشيخ الصفار في كلمة بعنوان: (مسيرة الوقف الجعفري.. آفاق وتطلعات) أهمية تقويم تجربة إدارات الوقف الجعفري في دول الخليج، ودعا إلى تعزيز دورها الوطني والاجتماعي وتنمية الأوقاف، مشددًا على ضرورة إعادة النظر في أساليب الإدارة والاستثمار، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من الأوقاف الجعفرية.
وأكد الشيخ الصفار أن إدارة الأوقاف الجعفرية تحتاج إلى تطوير آليات عملها ومشاريعها الاستثمارية، والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية، مشيرًا إلى أن وجود إدارة رسمية للأوقاف الجعفرية في الدول الخليجية يمثل استحقاقًا وطنيًا مهمًا، يساهم في تعزيز الوحدة والوطنية والتكافؤ بين المواطنين، وحماية الثروة الوقفية، وتنميتها بما يحقق الاستدامة المالية والاجتماعية.
وأوضح سماحته أن الوقف الجعفري يمثل إرثًا حضاريًا دينيًا كبيرًا، تركه الأجداد أمانة في أعناق الأجيال الحاضرة، ما يفرض على إدارات الأوقاف العمل بجدية على حماية هذه الأصول، وتطوير استثماراتها، وتحقيق أعلى استفادة منها وفقًا للموازين الشرعية.
وأشار إلى أن المواطنين الشيعة يعوّلون على هذه الإدارات الوقفية لحفظ أوقافهم وتحقيق غاياتها، لكن ذلك يرتبط بمدى نجاح هذه الإدارات في كسب ثقة المجتمع، وتحقيق تطلعاته، وتقديم نموذج إداري فعّال وشفاف.
وبيّن أن شريحة من المجتمع ما زالت متحفظة على وجود إدارة رسمية للأوقاف الجعفرية، خشية أن يؤدي ذلك إلى التصرف في الأوقاف بطرق لا تتوافق مع أحكام المذهب الجعفري، وهو ما يستدعي تعزيز المصداقية في إدارة الأوقاف، وضمان الالتزام بالمعايير الشرعية والإدارية الدقيقة.
وأكد أن نجاح إدارة الأوقاف الجعفرية مرهون بقدرتها على تحقيق التوازن بين الحفاظ على الأصول الوقفية وتنميتها، وضمان صرف عائداتها في مصارفها المشروعة، وفقًا لرؤية شرعية سليمة.
ودعا إلى تعزيز التعاون بين إدارات الوقف الجعفري في دول الخليج، مشيرًا إلى أن تبادل الخبرات والتجارب بين هذه الإدارات يساهم في تطوير آليات العمل الوقفي، وتحسين الأداء الإداري، وتقديم نماذج ناجحة في إدارة الوقف.
وأضاف أن هذا التعاون يمكن أن يشمل إطلاق مشاريع وقفية مشتركة، وإنشاء صناديق استثمارية وقفية، والاستفادة من التجارب الناجحة في تنمية الأوقاف واستثمارها بطرق حديثة.
كما أوضح أن من أهم أهداف هذا التعاون هو تطوير القوانين والتشريعات الوقفية، بحيث تتناسب مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وتواكب المستجدات في مجال الاستثمار الوقفي.
وأكد أن الوقف ليس مجرد نشاط ديني، بل هو جزء من النسيج الوطني لكل دولة، ومن هذا المنطلق يجب أن تسعى إدارات الأوقاف الجعفرية إلى ترسيخ دورها الوطني، وتعزيز الشراكة مع المؤسسات الرسمية، والمساهمة في التنمية المجتمعية.
وأشار إلى أن وجود إدارة رسمية للوقف الجعفري تحت رعاية الدولة، يؤكد مبادئ الوحدة الوطنية والمساواة بين المواطنين، ويعزز التسامح والتعايش بين مكونات المجتمع.
وشدد على أن إدارات الأوقاف الجعفرية ينبغي أن تنفتح على المؤسسات الرسمية، وأن تتعاون معها في خدمة المصالح المشتركة، بما يعزز مكانتها ويحقق الفائدة العامة.
وتحدث عن ضرورة تبني استراتيجيات حديثة في إدارة واستثمار الأوقاف، مؤكدًا أن العديد من الأوقاف في المنطقة تتعرض للإهمال وعدم الاستفادة منها بسبب ضعف اهتمام وخبرة الأفراد المتولين عليها.
وأوضح أن معظم الأوقاف في المنطقة عبارة عن أراضٍ زراعية أو عقارات قديمة، لم تعد تحقق العوائد المطلوبة، ما يستوجب البحث عن بدائل استثمارية جديدة، وهو ما يتطلب وجود مؤسسات متخصصة في إدارة الاستثمارات الوقفية.
كما أشار إلى تجارب ناجحة في مجال الاستثمار الوقفي، مثل المشاريع الوقفية التابعة للعتبات المقدسة في العراق وإيران، حيث تم إنشاء شركات تجارية وزراعية وصناعية تدرّ عوائد مستدامة لصالح الأوقاف، كما تسهم في التنمية الوطنية.
ولفت إلى أن موضوع الوقف لم يحظى بالاهتمام الكافي في مجال البحث العلمي، مشيرًا إلى أن الدراسات الفقهية والإدارية في هذا المجال لا تزال محدودة، ولم تواكب التغيرات الحاصلة في المجال الاقتصادي والاستثماري.
وأشاد بالنهضة والتقدم في أبحاث ودراسات الوقف على ضوء فقه المذاهب الأربعة لأهل السنة، حيث أنشئت مراكز أبحاث متخصصة، وأقيمت عشرات المؤتمرات والملتقيات العلمية، وصدرت مجلات تخصصية.
وتابع: كل ذلك أنتج ثراءً وتجديدًا في مجال البحث العلمي، وإبداع المنتجات والمشاريع العملية الوقفية.
ودعا إلى إنشاء مراكز متخصصة في مجال فقه الوقف في مدرسة أهل البيت ، وإطلاق برامج بحثية تستهدف تحليل واقع الأوقاف، ودراسة سبل تطويرها، وإيجاد حلول للمشكلات التي تواجهها.
كما أشار إلى ضرورة جمع وأرشفة الوثائق الوقفية، والاستفادة منها في تطوير السياسات الوقفية، لافتًا إلى أن بعض إدارات الأوقاف الجعفرية في المنطقة بدأت بالفعل في هذه الخطوة، لكنها تحتاج إلى المزيد من الدعم والتطوير.
وأكد الشيخ الصفار أن نشر ثقافة الوقف بين الأجيال الجديدة هو أحد أهم التحديات التي تواجه الأوقاف الجعفرية، مشيرًا إلى أن الأوقاف كانت في الماضي جزءًا أساسيًا من ثقافة المجتمع، حيث كان الأفراد يبادرون إلى وقف ممتلكاتهم لخدمة الدين والمجتمع.
وأوضح أن هناك حاجة ماسة لإعادة إحياء هذه الثقافة، من خلال التوعية المجتمعية، وتقديم نماذج ناجحة للأوقاف، وتسهيل إجراءات الوقف، وفتح المجال أمام المساهمات الجماعية في الوقفيات الحديثة.
كما دعا إلى إطلاق حملات إعلامية توعوية، وتنظيم ندوات وورش عمل حول أهمية الوقف، بالإضافة إلى تصميم منتجات وقفية جديدة، مثل الوقف الجماعي والوقف الإلكتروني، لجذب المزيد من المساهمات الوقفية.
يشار إلى أن هذا الملتقى يُعقد كل عامين، ويهدف إلى مناقشة قضايا الوقف الجعفري، وتطوير آلياته، وتعزيز دوره في خدمة المجتمع، في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة.
وقد أقيمت جلسة الملتقى الافتتاحية صباحًا، وتلتها جلستان للبحوث والنقاش مساءً في فندق كراون بلازا، شارك فيها عدد من العلماء والباحثين من المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية إيرانية، وجمهورية العراق ومملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.