الشيخ الصفار يدعو إلى تجديد ثقافة الوقف وتعزيز الأوقاف ذات الأثر المستدام

"الوقف مشروع تنموي مستدام يخدم الأجيال القادمة، ويحقق التكافل الاجتماعي في أرقى صوره" الشيخ حسن الصفار
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار في كلمته التي ألقاها في مجلس سماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل بالربيعة مساء الأربعاء 5 رمضان 1446 هـ الموافق 5 مارس 2025م إلى تجديد ثقافة الوقف في المجتمع.
وأشار إلى أن الوقف هو الصدقة الجارية التي تدرّ الأجر والثواب بعد وفاة الإنسان. واستند في حديثه إلى قول الرسول الأعظم : «إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
واعتبر الشيخ الصفار أن الوقف مشروع مجتمعي يعزز التكافل الاجتماعي، ويساهم في دعم القضايا التي تخدم الدين والمجتمع، على المدى الطويل، مطالبًا بتوسيع نطاق الأوقاف، لتشمل مجالات أكثر تنوعًا، تلبي احتياجات المجتمع في الحاضر والمستقبل.
ثقافة الوقف بين الماضي والحاضر
وأوضح سماحته أن الأوقاف في الماضي كانت جزءًا أساسًا من ثقافة المجتمع، حيث كان الأفراد يحرصون على إنشاء أوقاف دائمة رغم قلة الإمكانات المالية لديهم، فكان الشخص يحجز جزءًا من ممتلكاته كأراضٍ زراعية، أو محال تجارية، أو حتى بساتين صغيرة، لضمان استمرار الصدقة الجارية بعد وفاته.
وأشار إلى أن كثيرًا من المساجد، والمآتم، أعمال الخير القائمة اليوم، هي امتداد لأوقاف سابقة أوقفها الأسلاف، مما يعكس أهمية الدور الذي لعبه الوقف في دعم البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
وفي المقابل، تساءل الشيخ الصفار عن واقع الأوقاف اليوم، لافتًا إلى أنه رغم التحسن الكبير في الوضع الاقتصادي والمعيشي، إلا أن عدد الأوقاف الجديدة التي يتم إنشاؤها سنويًا لا تزال قليلة مقارنة بالإمكانات المتاحة. وأرجع ذلك إلى ضعف التوعية بثقافة الوقف، وعدم التركيز على إبراز أهميته في المحافل الدينية والاجتماعية، رغم أن المجتمع لا يزال يُقبل على التبرعات والمساهمات في الأعمال الخيرية بشكل واضح.
توجيه الأوقاف لمجالات جديدة تلبي احتياجات العصر
وأكد الشيخ الصفار أن الأوقاف في المجتمعات الإسلامية لم تكن مقتصرة على بناء المساجد والمآتم والشعائر الدينية، بل شملت مجالات واسعة تخدم المجتمع بشكل مباشر.
وتابع: هناك أوقاف لدعم طلبة العلم وتوفير الورق للكتّاب والباحثين، وأوقاف خاصة برعاية المرضى وتقديم العلاج للفقراء.
وأضاف: كما يوجد أوقاف لإطعام الحيوانات الضالة ورعاية الدواب، وأوقاف لإصلاح الطرق وإزالة العوائق التي تعترض المارة.
وفي هذا السياق، دعا سماحته إلى التوسع في مجالات الوقف الحديثة لتشمل تمويل المشاريع التعليمية من خلال إنشاء أوقاف تدعم الطلاب المحتاجين للدراسة في الجامعات داخل وخارج البلاد.
وتابع: وليشمل دعم البحث العلمي والإعلام الهادف من خلال وقف مخصص لطباعة الكتب، وتمويل المشاريع الإعلامية التي تخدم الدين والمجتمع، ودعم المشاريع الصحية والاجتماعية، مثل تأسيس صناديق وقفية لعلاج المرضى، أو إنشاء مراكز لرعاية الأيتام وكبار السن.
وأضاف: ومن المجالات الوقفية إنشاء أوقاف لدعم طلبة العلوم الدينية، خاصة للذين يدرسون في النجف وقم، حيث تواجه بعض الأسر صعوبات في تأمين احتياجات أبنائها أثناء الدراسة.
وشدد الشيخ الصفار على أن الوقف يجب أن يكون متجددًا، بحيث يتماشى مع احتياجات المجتمع، ويعالج القضايا المستجدة بدلًا من التركيز على مجالات محدودة فقط.
الإدارة الجماعية للأوقاف: نموذج لضمان الاستدامة
وانتقد سماحته الإدارة الفردية للأوقاف، مشيرًا إلى أن الاعتماد على شخص واحد في إدارة الوقف قد يؤدي إلى إهمال الوقف أو سوء إدارته بسبب ضعف الخبرة الاقتصادية والإدارية، وضعف آليات تنمية الوقف، حيث تظل بعض الأوقاف مهملة لسنوات بسبب عدم وجود خطط استثمارية تضمن الاستفادة منها.
وتابع: وقد يؤدي إلى فقدان الوقف بمرور الزمن بسبب غياب الورثة الأكفاء أو تفكك العائلة التي تشرف عليه.
واستشهد بتجارب ناجحة لإدارة الأوقاف بشكل جماعي، كإدارة الأوقاف الجعفرية في البحرين، التي تأسست منذ عام 1927، وتقوم بتنظيم واستثمار الأوقاف تحت إشراف الدولة، وتجربة الأوقاف الجعفرية في دبي والشارقة، حيث أنشأت الدولة دوائر رسمية تشرف على الأوقاف الجعفرية وتعمل على تنميتها.
ودعا إلى تبني نموذج الإدارة الجماعية للأوقاف، من خلال تشكيل لجان إشرافية تضم مختصين اقتصاديين وشرعيين لضمان حسن إدارة الوقف واستمراريته. كما أشار إلى أن بعض المجتمعات بدأت بالفعل في إنشاء مؤسسات وقفية أهلية تعمل على دعم وتشجيع إنشاء الأوقاف الجديدة وتوجيهها نحو المجالات الأكثر احتياجًا.
مبادرات لتعزيز ثقافة الوقف في المجتمع
وفي ختام كلمته، دعا الشيخ الصفار إلى إطلاق حملة توعوية لتعزيز ثقافة الوقف من خلال إنشاء لجان وقفية متخصصة تقوم بتوعية الناس بأهمية الوقف، وتساعدهم على توثيق أوقافهم رسميًا، وتنظيم ندوات ومحاضرات متخصصة حول أهمية الوقف وأساليبه الحديثة.
وتابع: وتشمل الحملة تشجيع رجال الأعمال والميسورين على تبني مشاريع وقفية ذات طابع مستدام، وتوفير مستشارين شرعيين واقتصاديين لمساعدة الراغبين في إنشاء أوقاف جديدة.
وأكد سماحته أن نجاح هذه المبادرات يعتمد على تعاون العلماء، ورجال الأعمال، وأفراد المجتمع، متمنيًا أن يكون هذا الموضوع محور نقاش مستمر لتعزيز روح العطاء والاستدامة في المجتمع.
واختتم الشيخ الصفار كلمته بالدعاء بالمغفرة والرحمة في هذا الشهر الفضيل، داعيًا الله أن يرزق الجميع التوفيق لخدمة الدين، وأن يجعل هذا الشهر فرصة لمضاعفة الأجر والثواب من خلال الأعمال الخيرية والصدقات الجارية.
كما دعا إلى إحياء ثقافة الوقف بين الأجيال القادمة، بحيث تصبح جزءًا أساسيًا من وعي المجتمع، تمامًا كما كانت في العصور الإسلامية السابقة.
تفاعل الحضور مع الكلمة
هذا وقد حظيت كلمة الشيخ الصفار بتفاعل واسع من الحاضرين، الذين أشادوا بالطرح الشامل لموضوع الوقف، وأبدوا استعدادهم للعمل على مبادرات تهدف إلى تشجيع ثقافة الوقف وتوسيع مجالاته. كما ناقش الحضور بعض الأفكار العملية التي يمكن تنفيذها لدعم الأوقاف في القطيف والمناطق المجاورة، ما يعكس اهتمامًا حقيقيًا بتعزيز هذه الثقافة المباركة.