في منزل الحاج حسن العطافي

الشيخ الصفار: المؤاخاة نموذج للتكافل الاجتماعي

مكتب الشيخ حسن الصفار

 

في أجواء إيمانية روحانية، شهد مجلس الحي المشترك في منزل الحاج حسن العطافي بسيهات مساء يوم الأربعاء 12 رمضان 1446هـ الموافق 12 مارس 2025م كلمةً قيمة لسماحة الشيخ حسن الصفار، تناول فيها موضوع المؤاخاة التي أرساها الرسول الأعظم بين المهاجرين والأنصار، معتبرًا هذه الخطوة من أبرز القيم التي أسست مجتمعًا متماسكًا قائمًا على الإيثار والتكافل الاجتماعي.

الهجرة.. تحديات وتضحيات

استهل الشيخ الصفار كلمته بتلاوة الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

وأوضح أن هذه الآية تسلّط الضوء على حدثٍ مفصلي في التاريخ الإسلامي، وهو هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وما رافقها من تحديات نفسية ومادية صعبة. فقد اضطر المهاجرون إلى مغادرة وطنهم، وتركوا أموالهم وأرزاقهم، بل إن بعضهم خرج دون أن يتمكن من حمل أي شيءٍ معه بسبب ممارسات قريش القمعية، ما جعلهم يعانون أوضاعًا قاسية على كافة الصعد.

كما أشار إلى أن البيئة الجديدة في المدينة لم تكن سهلة على المهاجرين، حيث كانوا يعانون من فروقات في المناخ، والأوضاع الصحية، وحتى من اختلاف طبيعة العمل، إذ إن أغلب أهل مكة كانوا تجارًا بينما كان أهل المدينة يمارسون الزراعة.

الأنصار يحتضنون المهاجرين بروح الإيثار

لفت الشيخ الصفار إلى الدور العظيم الذي قام به الأنصار، حيث لم يكتفوا باستقبال إخوانهم المهاجرين بل تقاسموا معهم أرزاقهم ومساكنهم، حتى أن الأنصار اقترحوا على النبي أن يقتسموا أراضيهم الزراعية مع المهاجرين، لكن الرسول اكتفى بإشراكهم في المحاصيل والثمار فقط.الحاج حسن العطافي 1446

وأكد الشيخ الصفار أن المؤاخاة لم تكن مجرد ارتباط عاطفي، بل كانت برنامجًا قام به النبي ، ليخلق ترابطًا اجتماعيًا عميقًا في كيان الأمة الجديد.

وفي هذا السياق أوضح سماحته أن النبي عندما أنهى المؤاخاة بين الجميع، لم يجعل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب أخًا من الأنصار، وعندما سأله الإمام علي عن السبب، أجابه النبي قائلاً: «أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ».

وأشار إلى أن هذه الحادثة تكشف مكانة أمير المؤمنين عند النبي ، وتجسد أرقى معاني المؤاخاة التي لا تقتصر على الجوانب المادية، بل تتعداها إلى الأبعاد الروحية والقيادية.

وفي سياقٍ آخر، شدد الشيخ الصفار على أهمية استلهام روح المؤاخاة في الواقع الاجتماعي المعاصر، معتبرًا أن المجتمع يواجه تحدياتٍ تتطلب إعادة إحياء هذه القيم الإنسانية العظيمة، مشيرًا إلى أن هناك مسؤولياتٍ اجتماعيةٍ وأخلاقيةٍ تجاه اللاجئين والمهاجرين، سواء على مستوى الدول أو الأفراد.

وأوضح أن المجتمعات تعاني من نزعاتٍ أنانية عنصرية متزايدة، حيث أصبح كثيرٌ من الناس غير مكترثين بحاجات الآخرين، بينما يُفترض أن يكون المسلمون أكثر حرصًا على تطبيق قيم التآخي والتراحم، كما فعل الأنصار مع المهاجرين.

واستشهد سماحته بحالاتٍ معاصرةٍ لأوضاع اللاجئين في بعض بلدان العالم الإسلامي، في الوقت الذي توفر لهم بعض الدول الغربية الدعم والإيواء.

وأشار إلى أن هذه الروح ينبغي أن تنعكس أيضًا داخل المجتمعات الإسلامية، حتى على مستوى الحيّ والمنطقة، حيث قد ينتقل شخصٌ إلى حيّ جديد، فيجد نفسه غريبًا وسط مجتمعٍ لا يحتضنه، بينما من المفترض أن يكون هناك حرصٌ على استقبال القادمين الجدد، ودمجهم اجتماعيًا، كما كان يفعل الأنصار مع المهاجرين.

التدين الحقيقي هو الأخلاق والقيم الإنسانية

أكد الشيخ الصفار أن الإسلام ليس فقط مجموعة عباداتٍ وشعائر، بل هو منظومة أخلاقية متكاملة، مشيرًا إلى الحديث النبوي الشريف: «إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ».

وأوضح أن التدين الحقيقي ينعكس في مدى قدرة الإنسان على التعامل بروحٍ إنسانيةٍ عالية، متجاوزًا النزعات الأنانية والمصلحية.

وأضاف: "المجتمعات الراقية هي التي يتعاون أفرادها، ويشعر كل إنسانٍ فيها بالمسؤولية تجاه غيره، أما حين يطغى الجفاء واللامبالاة، فإن ذلك مؤشرٌ على تراجع القيم الدينية والإنسانية".

الحاج حسن العطافي 1446الحاج حسن العطافي 1446الحاج حسن العطافي 1446الحاج حسن العطافي 1446الحاج حسن العطافي 1446الحاج حسن العطافي 1446الحاج حسن العطافي 1446