الشيخ الصفار يدعو للاهتمام بدور المفكرين وتعزيز مكانتهم

دعا سماحة الشيخ حسن الصفار الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية للاهتمام بدور المفكرين وتعزيز مكانتهم.
وتابع: الساحة الإسلامية بحاجة لوجود العلماء المفكرين الذين يواكبون حركة الزمن، وتطوّر الفكر الإنساني العالمي، ويتصدّون للمشكلات والتحديات التي تواجه الدين والأمة في عصرهم.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 25 ذو القعدة 1446هـ الموافق 23 مايو 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: تربية المفكرين في مدرسة الإمام الصادق.
وأوضح سماحته أن مفهوم الفكر يختلف عن مفهوم العلم، فهما مفهومان متقاربان غير متحدّين، إنهما ليسا شيئًا واحدًا رغم تقاربهما وتشابههما.
وتابع: العلم هو الحصول على المعرفة والمعلومات في أي مجال، بينما الفكر هو إعمال الذهن والتأمل في المعارف والمعلومات، لتقويمها وتحليلها والاستنتاج منها، وإضافة الجديد إليها.
وأضاف: قد يكتفي العالم بما حصل عليه من علم، ولا يبذل جهدًا ذهنيًا في التفكير والتأمل في حصيلته العلمية، ولا ينمّي لديه قدرة البحث ومهارة النقد والتّقّويم، ولا يتجه إلى الإبداع والتّطوير في مجال علمه، فهو حينئذٍ عالم لكنه ليس مفكرًا. مؤكدًا أن كل مفكر عالم، وليس العكس.
وتابع: قد يكون المرء عالمًا بمجال علمي ولا يكون مفكرًا في ذلك المجال، لأنه لم يتمتع بقدرات ومهارات فكرية عالية تمكنه من الإبداع والابتكار، وتطوير ذلك العلم، وإضافة جديد إلى بحوثه.
وأضاف: في حوزاتنا العلمية نجد علماء مجتهدين كثيرين في الفقه والأصول مثلًا، وبعضهم يصبحون مراجع، لكن هناك من يكون صاحب مدرسة متميزة، يضع مباني ونظريات جديدة، ويمارس عملية نقد وتقويم لبعض ما يكون سائدًا في الوسط العلمي، فيصدق عليه أنه عالم مفكر.
واستشهد بمصاديق لذلك مثل شخصية الشيخ الطوسي، وابن إدريس الحلي، والشيخ الأنصاري، والسيد الخوئي في مجال تخصصهم الفقهي والأصولي.
وتابع: وهناك فقهاء مفكرون في مجال الفكر الإسلامي العام، أضافة إلى تخصصهم الفقهي والأصولي، كالسيد الإمام والشهيد الصدر والسيد الشيرازي والسيد فضل الله والشيخ المطهري والشيخ شمس الدين وأمثالهم.
وأضاف: إن المفكر من يمارس التفكير، ويكون صاحب رأي ومنتج فكر، وليس مجرد ناقل ومقرر لآراء الآخرين.
وأشار إلى أن هناك بيئة تحفّز الفكر، وتشجّع النقد والإبداع، وضمن هذه البيئة يولد المفكرون، وهناك بيئة تربي على الحفظ والتلقين، واجترار ما قاله الأساتذة، وعدم تجاوز المألوف والمشهور، فتخرج علماء لا يضيفون للعلم والمعرفة شيئًا مهمًا، ولا يحدثون تغييرًا في ساحة الأمة.
نهج الإمام الصادق
ومضى يقول: حين نتأمل نهج الإمام جعفر الصادق في رعاية مدرسته العلمية، نرى ضمن جهوده لنشر العلم وإعداد العلماء، أنه يولي اهتمامًا خاصًا لتربية شريحة من العلماء المفكرين، من ذوي القدرات الفكرية الوقّادة، ليكونوا روادًا مبدعين في حقل اختصاصهم.
وتابع: يمكننا أن نرصد ملامح هذا النهج في التحفيز لممارسة التفكير، وفي أجواء الانفتاح الفكري، وقد شجّع الإمام تلامذته على معرفة آراء مختلف المذاهب، والافتاء بها لاتباعها، كما شجّع الكفوئين منهم على المناظرة والحوار مع أرباب الاتجاهات العقدية والفكرية الأخرى.
وأضاف: لا شك أن لأجواء الانفتاح الفكري دورًا في انطلاق الفكر، وإنضاج التجربة الفكرية، وتنمية القدرة على الابتكار والإبداع.
وبيّن أن من ملامح هذا النهج الاهتمام والإشادة بذوي الفكر والإبداع، مؤكدًا وجود شريحة من تلامذة الإمام المفكرين الذين اختصهم باهتمام أكبر، وأشاد بشخصياتهم، ليكونوا قدوة للآخرين، فهم ليسوا مجرد رواة أحاديث، أو نقلة أحكام شرعية، بل يمتازون ببراعة الفكر وقوة المنطق.
ولفت إلى أن في نهج الإمام جعفر الصادق ، في الاهتمام بتربية المفكرين، رسالة مهمة لحوزاتنا العلمية، ومؤسساتنا الدينية، بالأخذ بهذا النهج، وتعزيزه في مسيرتها.
وكنموذج من هذه المدرسة تحدّث سماحته عن العالم الفيلسوف المفكر هشام بن الحكم، الذي تشير بعض النصوص والمصادر إلى أنه في بداية أمره كان مع أبي شاكر الديصاني صاحب النزعة الإلحادية، وتأثر بأفكاره، ثم تبع الجهم بن صفوان الجبري المتطرف وتأثر بها.
وتابع: ثم لحق بالإمام الصادق ، وفي مدرسته نما عقله ونضج تفكيره، واتسعت معارفه.
وأضاف: لقد بلغت كتبه 31 كتابًا في قضايا علم الكلام والفلسفة والفقه والحديث، تدلّ على سعة معارفه، ونشاطه الفكري المتنوع، منها كتابه في الرّد على المعتزلة، وكتاب كتاب الردّ على الزنادقة، كتاب الردّ على أرسطاطاليس، كتاب الردّ على من قال بإمامة المفضول.
ونقل وصف ابن النديم له بقوله: من متكلمي الشيعة، ممن فتق الكلام في الإمامة، وهذّب المذهب والنظر، وكان حاذقًا بصناعة الكلام، حاضر الجواب.
كما نقل وصف الأستاذ أحمد أمين له بقوله: أكبر شخصية شيعية في الكلام... وكان جدلًا قوي الحجة، ناظر المعتزلة وناظروه، ونقلت له في كتب الأدب مناظرات كثيرة متفرقة، تدل على حضور بديهته وقوة حجته.
وذكر أن الشيخ عبدالله نعمة قال عنه: من أبرز المفكرين والمتكلمين في القرن الثاني الهجري، وأشهر شخصية علمية شيعية في عصره، تتجسد فيه الروح العلمية والفكرية، ويتمثل في آرائه ونظرياته الكثير من مبادئ الشيعة واتجاهاتهم تمثيلًا صريحًا.
وختم بالإشادة بالطروحات التي تم تداولها بمناسبة الذكرى المئوية لإعادة تأسيس الحوزة العلمية في قم، وتحدّثت عن دور الحوزة وعطائها الكبير، وسلّطت الضوء على نقاط الضعف والخلل، ووضعت خارطة طريق لمعالجتها.