الشيخ الصفار: المصداقية تمنح الإنسان الرضا وثقة الناس وتجنّبه سخط الله

قال سماحة الشيخ حسن الصفار: إن المصداقية قيمة أخلاقية نبيلة، تمنح الإنسان الرضا والطمأنينة داخل نفسه، وتكسبه الثقة في محيطه الاجتماعي، ويتجنّب بها مقت الله وسخطه، ويحظى برضاه ورضوانه.
وتابع: حين يكون الإنسان في موقع التوجيه للآخرين، فإن عليه أن يكون أحرص على المصداقية، ليكون منسجمًا مع نفسه وبعيدًا عن الازدواجية والخداع، وليكون أقدر على التأثير والنجاح في دوره ومهمته.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 16 محرم 1447هـ الموافق 11 يوليو 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: المصداقية بين الفكر والسلوك.
وأوضح سماحته أن المصداقية تعني تطابق قول الإنسان وفعله، مما يعطي قوة الإيحاء بالصدق والجدارة بالثقة.
وأبان أن من يتحدث عن قيمة من القيم، أو يتبنى فكرة من الأفكار، ويدعو لها، يتوقع الناس منه أن لا يناقضها في سلوكه وعمله، وإذا رأوه مخالفًا في سلوكه لما يقوله ويتبناه، فلن يكون عندهم جديرًا بالتصديق والثقة والاحترام.
وأضاف: فمن يشيد مثلًا بقيمة العدل، وينظّر لها، ويحثّ الناس على الالتزام بها، إذا كان يمارس الظلم على الآخرين، فإنه سيكون موضع نقد وازدراء، ولن يكون لكلامه ودعوته قبول وتأثير في النفوس.
وتابع: كذلك من يتحدّث عن العطاء ويدعو إلى البذل والسخاء، وهو يتصف بالشّحّ والبخل.
وقال: إن الأسوأ من فقدان الثقة والاحترام لمثل هؤلاء في نظر الناس، هو مقت الله تعالى لهم، أي بغضه وسخطه الشديد.
واستشهد بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٢﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.
وأشار إلى أن مسؤولية الالتزام بالقيم والمبادئ، تزداد كلما ارتفع مستوى وعي الإنسان واداركه، وهذه حقيقة وجدانية يأخذها الناس بعين الاعتبار في تقويمهم للأخطاء، ونقدهم للتصرفات السلبية، فهم يفرّقون في ذلك بين العالم والجاهل، وبين الشخص الكبير الناضج والناشئ المراهق، وبين ذي الخبرة والتجربة والإنسان العادي.
وتابع: نجد في النصوص الدينية تركيزًا وتشديدًا على مسؤولية أكبر للعالم في الالتزام بالمبادئ والقيم. مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.
ومضى يقول: إذا كان يفترض أن تكون المعرفة حافزًا ودافعًا للالتزام القيمي الأخلاقي، فإن ذلك يتحقق بمقدار سيطرة الإنسان على أهوائه وشهواته.
وتابع: إن الشهوات والأهواء تنزلق بالإنسان عن طريق الاستقامة، حين تضعف إرادته عن مقاومة الاغراءات، وتأثير الأجواء المصلحية التي يعيشها، فيتنكر لعلمه ومعرفته، ويتصرف خلافًا لمتبنياته الفكرية.
وبيّن أن من يدعو للالتزام بالدين والأخلاق الفاضلة، وهو يفقد الاستقامة والالتزام، سيكون نموذجًا سيئًا في نظر الناس، وسيكون موقفه أسوأ من الآخرين أمام الله تعالى.
وقال: إلى جانب علماء الدين هناك في المجتمع شريحة المفكرين والمثقفين، والتي تواجه أيضًا تحدي المصداقية.
وتابع: ما يحمله الإنسان من فكر وثقافة يفترض أن يدفعه للالتزام القيمي الأخلاقي، وتحمّل المسؤولية تجاه قضايا ومصالح مجتمعه.
وأضاف: قد تخون الإرادة بعض أصحاب الفكر والثقافة، وتسيطر عليه الشهوات والأهواء، والاغراءات المصلحية، فيصبح نموذجًا للخيانة والفساد.
وذكر في هذا السياق أحد أبرز الفلاسفة الانجليز وهو (فرنسيس بيكون)، الذي قال عنه العالم الأمريكي المعروف ول ديورانت: "نحن الآن أمام أكبر عقل وأنشطه وأكثره مدعاة للفخر، إنه حظي بكل شيء إلا الشرف. ففي سعيه وراء المناصب كثيرًا ما ضحى بالمبادئ".
واستدرك بقوله: إن تحدّي المصداقية لا ينحصر في دائرة النخب الاجتماعية كالعلماء والمفكرين والمثقفين، بل يواجه كل فرد من أفراد المجتمع حسب مستوى وعيه وادراكه.
وتابع: أن الأب الذي يريد تربية أبنائه وعائلته تربية صالحة، ويدعوهم للاجتهاد والالتزام الأخلاقي، عليه أن يكون نموذجًا لهم في ذلك. وكذلك المعلم في توجيهه لطلابه، والمدير في إدارته لموظفيه.
وأضاف: إن الموظفين والعاملين في أي إدارة أو مؤسسة، إذا رأوا مديرهم أمينًا ملتزمًا بنظام العمل، حريصًا على أداء واجباته، حسن التعامل مع المراجعين، فإنه سيكون بسلوكه خير قدوة لهم.
وختم بما تؤكد عليه الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت بأن الانتماء إليهم والقول بولايتهم، يحمّل الإنسان مسؤولية أكبر في الالتزام بالقيم والمبادئ.