بمناسبة اليوم العالمي للطفل

الشيخ الصفار: الرحمة بالطفل تصنع شخصيته القويمة

مكتب الشيخ حسن الصفار

 

قال سماحة الشيخ حسن الصفار: إن ثقافة الرحمة تجاه الأطفال تمثّل قيمة دينية وإنسانية أساسية، وقد أولتها النصوص الدينية والقوانين الوضعية أهمية واسعة.

وتابع: من أبرز مؤشرات الرحمة في التعامل مع الأطفال استيعاب أخطائهم، والتحمّل الواعي لتصرفاتهم المزعجة، والالتزام بالحكمة في توجيههم وتأديبهم، محذرًا من انتهاج أساليب الغضب أو الانتقام في التأديب.

جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 30 جمادى الأولى 1447هـ الموافق 21 نوفمبر 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: الرّحمة وبناء شخصية الطفل.

وأوضح سماحته أن النصوص الدينية أولت اهتمامًا واسعًا بضرورة الرحمة بالصغار، ليس من الوالدين فحسب، بل باعتبارها سمة أصيلة في شخصية الإنسان المسلم في تعامله مع جميع الأطفال في المجتمع.

وابان أن التأكيد المكثّف في النصوص الدينية على الرحمة بالأطفال، يأتي من منطلق حاجة الطفل الوجودية إلى رحمة الآخرين به.

وتابع: أشد ما يكون الإنسان حاجة إلى مشاعر الرحمة من الآخرين، حين يكون في مرحلة الطفولة، حيث يبدأ حياته في هذا العالم وهو لا يعرف شيئًا عن طبيعته، ولا خبرة له بأوضاعه، ولا قدرة له على توفير أدنى احتياجاته، وحماية ذاته.

وأضاف: تستمر مرحلة الطفولة لما يقارب عقدًا ونصف من عمر الإنسان، تنمو خلالها بالتدريج قدراته الجسمية، وقواه النفسية، ومداركه العقلية، ويتعرف شيئًا فشيئًا على العالم من حوله، ويكتسب الخبرة والتجربة المتنامية بمقدار تفاعله مع الحياة، وتفعيله للإمكانات المودعة في كيانه.

وأشار إلى أن القيام بتنشئة الطفل وإعداده للحياة ليست مهمة سهلة، بل تكتنفها صعوبات بالغة، تستلزم الكثير من الجهد والعناء، لكن مشاعر الرحمة التي أودعها الله تعالى في قلب الوالدين، أو من ينوب عنهما، هي التي تحفّزهما للقيام بهذه المهمة الصعبة.

وبيّن أن المنطلق الثاني للتأكيد الديني على الرحمة بالأطفال، هو دور الرحمة في بناء شخصية الطفل بناءً سليمًا، يؤهله للاستقامة والنجاح، ويصنع منه إنسانًا سويًا في مشاعره وأحاسيسه، وفي تعامله مع الآخرين.

وتابع: إن الطفل الذي يعيش في أجواء الرحمة والشفقة والحنان، يكون أقرب إلى النضج النفسي، والاستقامة السلوكية.

وأضاف: وعلى العكس من ذلك فإن أجواء الجفاف العاطفي، وأساليب العنف والقسوة في التعامل مع الطفل، تزرع العقد والنواقص والنزعات السلبية في نفسه.

ولفت إلى أن من تجليات عطاء مشاعر الرحمة تجاه الطفل رعايته الجسمية، بتوفير الغذاء المناسب له، في كل مرحلة من مراحل طفولته، والاعتناء بنظافته وصحته، وحمايته من الأمراض والأخطار، وتهيئة أجواء الراحة له.

وتابع: والبعد الثاني رعاية مشاعره وأحاسيسه، فحاجته إلى الدفء والحنان والعطف، لا تقلّ عن حاجته للغذاء والرعاية الجسمية، إنه كتلة من الأحاسيس المرهفة، يشعر بالحاجة الدائمة إلى الحماية والأمان، فلا بُدّ وأن يغدق عليه العطف والحنان، ويحسّ دائمًا بالاهتمام والرعاية.

وأضاف: وهناك بعد ثالث هو استيعاب وتحمّل انفعالاته المختلفة، وتصرفاته غير المبررة، لان ذلك من طبيعة مرحلة الطفولة، فلا يمكن التعامل معه ولا النظر إليه، مثل التعامل والنظر إلى الكبار الراشدين.

وتابع: إن ضيق بعض الناس من تصرفات الأطفال، ومواجهتهم بالقسوة والعنف، يُعدّ خللًا تربويًا وضعفًا في مشاعر الرحمة.

وأضاف: إن الرحمة منهج لتربية الإنسان الصالح وتكوين الشخصية السويّة.

اليوم العالمي للطفل

وأشار سماحته إلى أن العالم احتفل يوم الخميس 20 نوفمبر باليوم العالمي للطفل، الذي أقرّته الأمم المتحدة لتسليط الضوء على حقوق الأطفال والدعوة لحمايتهم.

وقال: رغم توقيع اتفاقية حقوق الطفل عام 1989م، إلا أنها لا تزال غير مفعّلة في كثير من المناطق، حيث تزهق أرواح آلاف الأطفال في الحروب، كما في غزة ولبنان والسودان، ويموت آخرون بسبب الجوع وسوء التغذية، فيما يُحرم الملايين من التعليم ويعاني عدد كبير منهم من العنف الأسري.

وختم سماحته بالتأكيد على أهمية استحضار القيم الدينية في العناية بالطفل، سواء داخل الأسرة أو في المؤسسات التعليمية أو في الفضاء الاجتماعي، مشددًا على أن رحمة الأطفال مسؤولية مشتركة، ومؤشر حضاري وأخلاقي، يجب أن يظل حاضرًا في وجدان المجتمع.