الشيخ الصفار يدعو لاستثمار الاقبال على البرامج الدينية بتعميق المعرفة والوعي
قال سماحة الشيخ حسن الصفّار: إن التعامل مع الواقع الديني يتطلّب ثقة واعية ومتوازنة بالدين، تنطلق من إدراك التحدّيات وعدم الاستهانة بها.
وتابع: علينا أن نستثمر مكامن القوة والحيوية في إقبال الناس على البرامج والشعائر الدينية، بما يعزّز الهوية الأخلاقية للأمة، ويعمّق الوعي بالقيم والمبادئ الدينية.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 6 رجب 1447هـ الموافق 26 ديسمبر 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: تجدد الظاهرة الدينية في المجتمع الإنساني.
وأوضح سماحته أنّ الظاهرة الدينية تمثّل إحدى أعمق الظواهر الاجتماعية في التاريخ الإنساني.
وتابع: لقد رافق التدين المجتمعات البشرية منذ بدايات ظهورها، ولم يخلُ مجتمع في أي عصر أو مكان من معتقدات دينية أو ممارسات تعبدية، وإن اختلفت أشكالها ومستوياتها.
وأبان أن فطرة الإنسان وعقله يدفعانه للتأمل والتساؤل، حول وجوده ووجود العالم من حوله، كيف بدأ هذا الوجود؟ ومَنْ أوجده؟ وإلى أين ينتهي؟ وما هي العلاقة مع مصدر الخلق والوجود؟
وتابع: هذه الأسئلة وأمثالها تلّح على ذهن الإنسان ونفسه، ويبحث عن إجابات عليها، وما يتوصل إليه من قناعات حولها، يصبح دينًا له.
وأضاف: إن من لطف الله تعالى بالإنسان، بعث الأنبياء والرسل، الذين يهدون الناس للإجابات الصحيحة على تلك التساؤلات، بعيدًا عن الأوهام والتصورات الخرافية، والمعتقدات الزائفة.
ولفت إلى أن حالة التدين ومظاهره الاجتماعية قد تتراجع في بعض الأزمنة، لظهور تيارات قوية مناوئة للدين، أو لسوء تصرفات القيادات الدينية التي تخلق نقمة وردّ فعل في نفوس الناس تجاه الدين.
وتابع: لكن الظاهرة الدينية غالبًا ما تتجاوز تلك الظروف الطارئة، وتتجدد من خلال المجتمع الذي لا يستغني عن وجودها.
وتوقف سماحته عند التجربة الأوروبية، حيث شهدت المجتمعات الغربية ثورة حادة على الكنيسة، وظنّ البعض أن ذلك إيذان بانتهاء الدين، غير أنّ الواقع أثبت قدرة الظاهرة الدينية على إعادة التكيّف والتموضع في ظل التحولات العلمية والتكنولوجية الحديثة.
وذكر مؤشرات معاصرة تؤكد استمرار الحضور الديني عالميًا، لافتًا إلى أنّ التقويم الميلادي المعتمد عالميًا يرتبط بمناسبة دينية هي ميلاد نبي الله المسيح عيسى بن مريم.
وأشار إلى تقارير صحفية تحدثت عن أن 90% من كبار العلماء الحائزين على جائزة نوبل يؤمنون بوجود خالق للكون، إضافة إلى صدور كتب علمية وفلسفية حديثة عرضت أدلة تبرهن من خلال العلم الفيزيائي الفلكي على وجود الله.
وبيّن أن المجتمعات الإسلامية تشهد نموًا متصاعدًا للظاهرة الدينية، رغم الظروف الحرجة التي مرت بها، بفعل ممارسات التطرف والإرهاب من قبل تيارات منتسبة للدين.
وتابع: إن الساحة الدينية في مجتمعاتنا تزخر بكثير من الأنشطة والبرامج العبادية والثقافية والاجتماعية، بمشاركة مختلف شرائح المجتمع وفئاته.
وأضاف: كان الرهان كبيرًا على شريحة الشباب أن يبتعدوا عن الاهتمام بالدين، في ظل ثقافة العصر المادية الجارفة، لكنهم أظهروا عكس ذلك رغم التحديات والأجواء المناوئة للدين.
وذكر شواهد حيّة على النمو المتصاعد للظاهرة الدينية، من الإقبال الكبير على المواسم والمناسبات الدينية، كالحج وشهر رمضان والمولد النبوي ومواسم عاشوراء، إلى الحشود المليونية للمعتمرين والزوار في الحرمين الشريفين، والتي تعكس عمق التفاعل الديني في وجدان الأمة.
وانتقد النظرة التشاؤمية لبعض الدعاة الذين تسود أجواءهم نظرة سلبية تشاؤمية تجاه الحالة الدينية في جمهور الأمة.
وقال: إن بعض الدعاة ينظرون إلى النصف الفارغ من الكأس، وأنّ هناك مسلمين يتراجعون عن الالتزام بدينهم ويستجيبون للاتجاهات المناوئة للدين، وما يحصل من انحرافات ومخالفات للأحكام الشرعية، وما يجري من مفاسد أخلاقية في مجتمعات المسلمين.
وتابع: لا يمكن إنكار كلّ ذلك ولا تبريره، لكنّ مسيرة الحالة الدينية عبر العصور كانت تواجه مثل هذه التحديات، حتى في أزهى عصورها.
واستشهد بالتحديات التي واجهها المسلمون في العصر النبوي وما تلاه من عصور الخلافة الإسلامية، وفي أزمنة حياة أئمة أهل البيت
، فقد كان هناك من يرتدّ عن الدين، وهناك اتجاهات زندقة وإلحاد وتشكيك، ومظاهر فساد وانحراف ومعارك احتراب داخلي وفتن دامية.
وقال: لكنّ ذلك لم يمنع استمرار مسيرة الدين، وتحقيق مختلف الإنجازات في حياة المسلمين، إنها عوائق وتحدّيات تقتضيها طبيعة الصراع الأبدي بين الخير والشر في هذه الحياة.
وأكد على عدم إغفال التحدّيات والاستهانة بخطط الأعداء ومكائدهم وتجاهل الثغرات ونقاط الضعف في الساحة الدينية.
وتابع: هذه التحديات تعني الانطلاق في مواجهتها بروح ثقة وتفاؤل، وبنظرة إيجابية متوازنة تقدّر مكامن القوة وتنمّيها، وتشخّص نقاط الضعف وتسعى لتلافيها.
وحث على تكثيف التوجيه والإرشاد إلى مضمون وغاية العبادات والشعائر الدينية، وهو الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية والسلوكية، كالعدل والإحسان والصدق والأمانة وتحمّل المسؤولية تجاه المجتمع والحياة.
ودعا للاهتمام أكثر بعلوم الطبيعة، ومعرفة أسرار الكون والحياة، فهي الطريق الأفضل لتثبيت الإيمان بالله، والثقة بدينه. مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾






