احتفالات الأعراس
يعبر اهالي العروسين واصدقاؤهما عن البهجة والسرور ليلة العرس، عبر مراسيم احتفائية يتعارف عليها كل مجتمع من المجتمعات، كما يجتهد العروسان في اظهار جمالهما وأناقتهما امام المحتفين، خاصة بالنسبة للمرأة العروس. يقول احد الباحثين الاجتماعيين (محمد رفعت: الف باء الحياة الزوجية): يوم الزفاف هو اليوم الوحيد الذي تضمن فيه العروس ان تتركز جميع الانظار عليها فقط، لذلك تحرص كل الحرص على ان تكون في هذا اليوم اجمل من اي وقت آخر في حياتها، سبب واحد فقط يجعل كل امرأة تشعر بأن يوم زفافها هو اجمل واسعد يوم في حياتها، ويجعلها تعيش حياتها كلها على ذكرى هذا اليوم، وكأنها لم تر السعادة الحقيقية قبله أو بعده، هذا السبب ليس لانها حققت في هذا اليوم الحلم الجميل الذي كانت تحلم به طوال السنوات السابقة، او لانها اصبحت سيدة بيت مستقلة، بل لانها كانت اجمل من أي يوم آخر في حياتها قبل الزواج وبعده، ولأنها كانت ـ وربما لاول مرة - اجمل واحدة بين جميع الموجودات، واكثر واحدة تركزت عليها الانظار، فالسعادة كلها في نظر المرأة لا تتعدى هذه الاحساسات.
واذا كان من الطبيعي وجود مراسيم احتفاء بليلة العرس، وتعاليم الشرع تشجع على ذلك، فان ما تعانيه بعض مجتمعاتنا اليوم هو المبالغة في انماط هذه المراسيم والاعراف، حتى تحولت الى عبء يرهق كاهل العروسين وعائلتيهما، انها لم تعد مراسيم احتفاء رمزي تفيض فيها المشاعر والاحاسيس، وتزخر بقيم المودة والتضامن الاجتماعي بل اصبحت ذات متطلبات شاقة مكلفة، من الناحية الاقتصادية والعملية.
فتكاليف الزواج لها ثلاثة مصاريف:
الاول: المهر وملحقاته.
الثاني: تأثيث المنزل.
الثالث: نفقات مراسيم الاحتفاء ليلة العرس.
وغالبا ما يكون هذا المصرف الثالث اكثر استهلاكها من المصرفين الآخرين، مع فارق ما ينفق في المهر او التأثيث المنزلي، سيبقى للزوجين، بينما لا يستفيدان مما ينفق على مراسيم الزواج الا المظهر الاحتفائي، والسمعة التي يتفاخر بها.
وكأمثلة ونماذج لبعض نفقات هذه المراسيم في مجتمعنا نذكر ما يلي:
هناك بطاقات الدعوة، وكلفة البطاقة الواحدة من المستوى العادي خمسة ريالات، وترتفع قيمتها في بعض اشكالها الفخمة لتصل الى ما يزيد على العشرين ريالا!!
وصالات الافراح ذات المستوى العادي يصل ايجارها الى عشرين الف ريال اما في الفنادق الفخمة فتصل الى ستين الف ريال أو اكثر تبعا لعدد المدعوين!!
وايجار (الكوشة) وهي المنصة التي تجلس عليها العروس اثناء الحفل في المستوى العادي يصل الى ثلاثة آلاف ريال، وترتفع في مستوياتها المتقدمة الى عشرة آلاف ريال!!
ومكافأة المرأة المنشدة التي تقرأ المدائح والاناشيد في الاحتفال النسائي تبلغ في المتوسط اربعة آلاف ريال، وقد تصل الى عشرة آلاف ريال!! وتصوير العروس فوتوغرافيا في الاستديو قبل الحفل قيمته الف وخمسمائة ريال!! وتصوير الحفل بالفيديو كلفته حوالي الفين وخمسمائة ريال!!
هذا عدا قيمة أو ايجار فستان العرس، واسعار المرطبات، وقيمة (كيكة) العروس التي تبلغ الفي ريال في صالات الافراح!!
يقول الدكتوران ابوبكر احمد باقادر ويحيى تركي الخزرج، استاذا علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، في دراستهما الميدانية الاستطلاعية عن تكاليف الزواج في التسعينات (مدينة جدة نموذج).
تحول كل ما يتعلق بالزفاف، وتأسيس الحياة الزوجية من كونه نشاطا يهم المجتمع المحلي والجوار، ومن ثم ما يستلزم ذلك من تكافل وتفاهم، ليصبح، نشاطا اقتصاديا ذا نزعة تجارية بحتة، ولد دون مبالغة ما يمكن ان نسميه بصناعة الزفاف، ان حجم المتاجر وانتشارها التي تعمل في مستلزمات وكماليات حفلات الزفاف كبير، ولقد ولدت هذه الصناعة دوافع ومبررات الاستهلاك البذخي من ناحية، وفرضت اوجه صرف لم تكن في الحسبان في الماضي القريب.. وهذا التحول ادى الى تأخير الشباب موضوع الزواج، حتى تسنى لهم الصرف على ليلة العمر، وما يتبعها من تبعات، بل وتفكير بعضهم في الاستدانة من البنوك او الحصول على مساعدات من مؤسسات خيرية.
مستحبات الزفاف:
ذكر الفقهاء بعض المستحبات لدخول الزوج على زوجته ليلة العرس منها:
الوضوء: بأن يتوضأ كل منهما وصلاة ركعتين قربة الى الله تعالى. وان يدعو كل منهما بعد الصلاة بحمد الله تعالى والصلاة على نبيه وآله، وطلب الالفة والتوفيق في حياتهما الزوجية، ومن الادعية المأثورة هنا:(اللهم ارزقني ألفتها وودها ورضاها بي، وارضني بها، واحسن بيننا بأحسن اجتماع، وأنفس ائتلاف فانك تحب الحلال وتكره الحرام).
وان يضع الزوج يده على رأس زوجته مستقبل القبلة ويدعو الله تعالى طالبا بركته وتوفيقه، ويدعو بالادعية المأثورة ومنها: (اللهم على كتابك تزوجتها، وفي امانتك اخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فان قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا، ولا تجعله شرك الشيطان).
وروي ان ابي سعيد مولى ابي اسيد ان عبدالله بن مسعود وابا ذر وحذيفة وغيرهم من اصحاب رسول الله قالوا له: «اذا دخلت على اهلك فصل ركعتين، ثم خذ رأس أهلك، فقل: اللهم بارك لي في اهلي، وبارك لأهلي في، وارزقهم مني، وارزقني منهم».
وروى ابوداود عن النبي الدعاء التالي: «اللهم اني اسألك خيرها، وخير ما جبلت عليه، واعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلت عليه».
وواضح ان هذه المستحبات تلفت نظر الزوجين وهما في اللحظات الاولى لبناء حياتهما الزوجية المشتركة، الى البعد الديني في علاقتهما، والى الارتباط بالله تعالى والتوجه اليه، مما يؤكد في نفسيهما الثقة والاطمئنان، واستحضار القيم الخيرة، ويجعلهما مشمولين بتوفيق الله تعالى وبركته للنجاح والسعادة.
قبل عقد من الزمن ظهرت في مجتمعنا عادة طيبة، وسنة حسنة، وهي انبثاق لجنة اهلية في كل منطقة، تتصدى لتنسيق حفل موحد للمتزوجين في تلك المنطقة تحت عنوان مهرجان الزواج الجماعي.
وتتحدد ليلة معينة، وتقوم لجنة المهرجان بنشر الاعلانات وتوزيع الدعوات وتهيء مكانا واسعا، وتعد وليمة الاطعام، ويجتمع العرسان كلهم ضمن حفل موحد، يحيط بهم اهاليهم وجميع ابناء بلدتهم، ويكون هناك برنامج مفيد للاحتفال، تلقى فيه الكلمات والاناشيد، وبعض العروض المسرحية ثم يزف العرسان وتعيش البلدة كلها فرحا وبهجة ونشاطا عاما.
وتؤدي هذه الظاهرة الرائعة اغراضا عديدة، حيث تنخفض فيها الكلفة المادية، فيدفع كل عروس بين ستة الى ثمانية آلاف ريال، بينما ترتفع الكلفة لو تزوج بمفرده الى عشرين الف ريال على الاقل.
كما انها توفر الجهد على المتزوج واهله، فيحضرون الحفل كضيوف، لا يتحملون اي مسؤولية عملية، لوجود لجان عاملة ضمن المهرجان فمثلا مهرجان الزواج الجماعي في صفوى، يعمل ضمن لجانه المختلفة 850 شخصا متطوعين من ابناء المجتمع.
كذلك فانه يشكل مظهرا رائعا لتعاون المجتمع وتماسكه، واطارا مفيدا لتنظيم الطاقات والجهود.
فينبغي تشجيع ظاهرة مهرجانات الزواج الجماعي، وعدم الالتفات الى الافكار السلبية التي تعتبره خاصا بذوي الدخل المحدود، وانه لا يليق بالمتمكنين ماليا ان يتزوجوا ضمن المهرجان، أو ان المتزوج واهله لا يشعرون بخصوصيتهم حينما يتم الزواج بشكل جماعي انها افكار سلبية تحرم المجتمع من فوائد عظيمة كبيرة، وتكرس الحالة الطبقية، والاعراف المتكلفة.