الرياضة.. برؤية دينية
تكاملية الاسلام وشموليته تفرض ان يهتم بلياقة الجسم كما يهتم بسمو الروح, وان يرعى تنمية مختلف الأبعاد في شخصية الانسان, لذلك من الطبيعي ان نجد في تعاليم الاسلام اشادة بممارسة الرياضة, وتشجيعا للاهتمام بأنشطتها.
فقد اورد البخاري في صحيحه عدة أحاديث حول الفروسية وسباق الخيل منها ما رواه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (سابق رسول الله ) بين الخيل التي قد ضمرت, فأرسلها من الحفياء, وكان امدها ثنية الوداع, ستة أميال او سبعة وسابق بين الخيل التي لم تضمر, فأرسلها من ثنية الوداع, وكان أمدها مسجد بني زريق - ميل او نحوه, وكان ابن عمر ممن سابق فيها.. البخاري: محمد بن اسماعيل, صحيح البخاري, حديث رقم 2899, طبعة دار الكتب العلمية 1999م, بيروت.
واضمار الخيل: اعدادها للسباق بأن تعلف حتى تسمن وتقوى, ثم يقلل علفها, ويستنزل عرقها, حتى يخف لحمها, وتقوى على الجري.
قال ابن حجر في فتح الباري: وفي الحديث مشروعية المسابقة, وانه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة الى تحصيل المقاصد في الغزو, والانتفاع بها عند الحاجة, وهي دائرة بين الاستحباب والاباحة, بحسب الباعث على ذلك, قال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب, وعلى الأقدام, وكذا الترامي بالسهام, واستعمال الأسلحة, لما في ذلك التدريب على الحرب. العسقلاني: ابن حجر, فتح الباري, ج 6 ص 89, الطبعة الاولى 1997م, دار السلام الرياض.
كما اورد البخاري احاديث عن ممارسة رياضة الرمي, منها ما عن سلمة بن الأكوع قال: مر النبي على نفر من اسلم, قبيلة عربية, ينتضلون, لتناضل الترامي للسبق - فقال النبي : «ارموا بني اسماعيل, فان اباكم كان راميا, ارموا وأنا مع بني فلان» قال: فأمسك احد الفريقين بأيديهم, فقال رسول الله مالكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وانت معهم؟ فقال النبي : «ارموا فأنا معكم كلكم». البخاري: محمد بن اسماعيل, صحيح البخاري, حديث رقم 2870, طبعة دار الكتب العلمية 1999م بيروت.
ونقرأ في حديث آخر انه مر بقوم يربعون حجرا يعني يرفعونه ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم (ابن قدامة: عبدالله بن احمد بن محمد, المغني ج13, ص 405, الطبعة الثانية 1992م, هجر للطباعة, القاهرة) وهي رياضة حمل الأثقال.
تعطينا هذه النصوص وأمثالها صورة واضحة عن تشجيع النبي ورعايته لأشكال والوان من ممارسة النشاط الرياضي: سباق الخيل, الرماية, حمل الأثقال, السباحة, المصارعة.. واين هذا من مظاهر التزمت التي يوحي بها بعض المتدينين, وكأن الرياضة شيء مستهجن مذموم؟!
وقد ادرج الفقهاء في كتب الفقه احكام المسابقة والرمي ضمن ابواب معنونة بها.
وأفرد ابن القيم الجوزية مؤلفا كاملا تحت اسم (الفروسية) ورصد الباحث محمد كامل علوي ما يربو على الخمس والأربعين لعبة رياضية كان يمارسها العرب الأقدمون, بل لقد ذهب الى ان عددا كبيرا من الرياضات المعاصرة التي يمارسها الغرب هي من اصول عربية اسلامية, وقد ضرب مثلا برياضة البولو, التي مارسها المسلمون الاقدمون في عصر الخلافة العباسية وما بعدها تحت اسم الصوالج او الصولجان.
تعاني اغلب اندية المنطقة من عجز مالي كبير بعد تراجع الدعم الرسمي لها من الرئاسة العامة لرعاية الشباب, فبعض الاندية وخاصة التي لا تمتلك منشأة لم تعد قادرة حتى على تسديد ايجار مقرها, فضلا عن رواتب الموظفين, ومستلزمات النشاط الرياضي, مما يهدد بعضها بالانهيار والاغلاق.
وقد اثر هذا العجز المالي على نشاط مختلف الاندية, وفي الوقت الذي نأمل فيه مضاعفة الاهتمام من قبل الحكومة بهذه الأندية, لما لضعفها وتراجعها من انعكاسات سلبية على الأمن الاجتماعي, فان على رجال المال والاعمال في المجتمع ان يتحملوا مسؤوليتهم تجاه هذه الاندية, ولا ينبغي ان تكون كل أعبائها على كاهل الدولة, وفي الوضع الحاضر عليهم ان يمدوا يد الدعم والانقاذ لتستمر الاندية الرياضية في اداء دورها الاجتماعي الخطير, بل هي بحاجة الى امكانات كبيرة لتطوير نشاطها, بما يتناسب مع تصاعد التحديات امام اجيال الشباب.
وفي بعض مناطق الوطن تحظى الاندية الرياضية بدعم جيد من القطاع الخاص, وهذا ما نطمح الى حصوله في منطقتنا ان شاء الله.
ان كل ناد رياضي بحاجة الى هيئة اعضاء شرف, تتكون من رجال الفكر والاعمال المهتمين بمصلحة المجتمع والوطن, لتصبح هذه الهيئة ظهرا وسندا للنادي في احتياجاته المادية, ومصدرا للتوجيه والرعاية والدعم المعنوي.
وحينما يتحدث الفقهاء عن المكافأة والعوض الذي يجعل في السباق, يذكرون ان المكافأة اما ان تكون من احد الفريقين, او تكون من الامام شخصيا او من بيت المال.
قال ابن قدامه في المغني: ان المسابقة اذا كانت بين اثنين او حزبين, لم تخل اما ان يكون العوض منهما او من غيرهما, فان كان من غيرهما نظرت فان كان الامام جاز, سواء كان من ماله, او من بيت المال).. ابن قدامة: عبدالله بن احمد بن محمد, المغني, ج 13, ص 408, الطبعة الثانية 1992م, هجر للطباعة, القاهرة.
ويبدو لي أن التبرع للنادي الرياضي في اطار رعاية أبنائنا واستقطابهم وحمايتهم من الانحراف, هو من افضل موارد الانفاق في سبيل الله تعالى, ولا يقل عن ثواب الانفاق على المساجد والاعمال الخيرية الاخرى, لأن الشباب هم المنطقة الأكثر خطورة واهمية في هذا العصر, وما يبذل من اجل هدايتهم وارشادهم, انفع واجدى.
من ناحية اخرى فان المأمول من علماء الدين ورجال الفكر في المجتمع ان لا يبخلوا على الاندية الرياضية بدعمهم ورعايتهم, لتفعيل الجوانب الاخرى من الأنشطة الثقافية والاجتماعية, وينبغي تجاوز الهوة والحاجز بينهم وبينها, فعالم الدين من اولى مسؤولياته الهداية والارشاد, وخاصة لمن هم احوج اليها وهم الشباب, وحضور عالم الدين في اوساط الشباب, وضمن تجمعاتهم يجعله اقرب الى نفوسهم, واكثر تأثيرا على توجهاتهم, فهناك شريحة من الشباب لا يلتقي بهم عالم الدين في المسجد او المجلس, لكنه يجدهم في النادي, ومنه يمكن استقطابهم الى المسجد والأجواء الدينية.