الخوف من الفشل
الانسان لديه طاقات وكفاءات، ولديه طموح، والله تعالى وهب الانسان القدرة على الطموح، انه يطمح الى الرقي ويتمنى، لكن هناك دائما مشاكل في طريق الوصول الى مايطمح اليه، وعلى الانسان ان يشق طريقه، وان يصارع ويواجه تلك المشاكل والعقبات، ويستطيع بالتالي تجاوزها والتغلب عليها وتحقيق طموحاته وأمنياته، بيد ان فئة كثيرة من الناس، بمجرد ان يلحظوا ان هناك عقبات ومصاعب ومشاكل في طريق طموحاتهم واهدافهم، فانهم يتراجعون!! لماذا يتراجعون؟
ليس لانهم فقدوا الطموح، وليس لانهم فقدوا الطاقات والمؤهلات، وانما لان شعورا داخليا ينتابهم، شعور بالخوف من الفشل، يخشى ان يسير باتجاه تحقيق هذا الهدف، ثم لايستطيع الوصول اليه، يخشى ان يتحرك من اجل تنفيذ عمل ما، ثم تحول العقبات والمشاكل بينه وبين تحقيقه.
قد يطمح الانسان ان يصبح طبيبا، وله القدرة على الوصول الى هذا الطموح ولكن يواجه بعض المشاكل في الطريق، فالجامعة قد لاتقبله واذا قبلته فالمدرسون قد لايحسنون التعامل معه، وقد يكون الامتحان صعبا عليه، وقد لا يستطيع ان يستوعب المواد، وقد.. وقد.. وتتراكم هذه الاحتمالات في نفسه، فيخشى ان هو اقدم على دراسة الطب ان يفشل فيه، وان لا ينجح في ان يصبح طبيبا، فيفضل ان ينسحب منذ البداية، وان لايسلك هذا الطريق، ولا يدرس الطب، لانه يخاف الفشل؟ قد يكون للانسان طموح ان يكون خطيبا جيدا، ولديه القدرة على ذلك، ولكن هناك متاعب وعقبات، وكل خطيب لم يصبح خطيبا الا بعد ان مر بتلك المصاعب والعقبات، ولكن البعض يضخمون المصاعب والمشاكل في نفوسهم، يرددون: اخاف ان ارتبك، اخاف ان أخطئ.. أخاف الا يتقبل الناس خطابتي.. اخاف الا اعجب الناس، وبناء على هذه المخاوف يتراجع من بداية الطريق، لانه يخاف ان يفشل في ان يصبح خطيبا ناجحا!!
كل انسان لديه طموح، وكل انسان يريد ان يكون عظيما،ان يكون متقدما، ان يكون متفوقا، ولكن ليس كل انسان يتخلص من عقدة الخوف من الفشل.
الخوف من الفشل، هو ذلك الحاجز الذي يحول بين الانسان وبين تفجير طاقاته، وبالتالي بينه وبين الوصول الى اهدافه وطموحاته وامانيه.
اصل المشكل ان بعض الناس نفوسهم رهيفة لاتقبل الصدمة، نفوس متعودة على الدلال والراحة، ولذا تهرب من اي احتمال للمصاعب، وتتراجع عن اي طريق تعترضها فيه الصدمات والمشاكل وانما يخاف الانسان الفشل لان الفشل مضخم في نفسه، وحينما تكون الامور بسيطة امامك، فانك لاتهيب اقتحامها.
فمثلا لو طلب منك ان تمشي مشوارا محدودا «نصف كيلو متر»، فانك لاتخشى ذلك لان القضية بسيطة في نفسك ولكن لو طلب منك ان تمشي «عشرة كيلو مترات» فانك مبدئيا في داخل نفسك تتهيب هذا الامر، لانك ترى الموضوع صعبا.
ان افضل علاج للفشل ان لايتهيبه الانسان، فليس مشكلا كبيرا، ان يفشل الانسان، واساسا لماذا لاتريد ان تفشل في حياتك؟ لماذا لاتريد ان تصطدم في حياتك؟ ان طبيعة الحياة وسنتها: ان الانسان لايصل الى النجاح الا بعد ان يجتاز وديان الفشل.
هل يمشي الانسان سويا على قدميه من أول يوم يخرج فيه من بطن أمه؟ كلا.. فهو يعيش فترة لايستطيع المشي فبها ثم يحبو ثم حينما يحبو، ويحاول المشي لفترة شهور يقوم ويقع، يحاول المشي فلا يستطيع، يحتاج الى من يمسكه حتى يستطيع المشي.
الا تلاحظون حياة الطفل حينما يريد المشي؟ ولو ان طفلا من الاطفال قال انا غير مستعد ان احاول المشي وأقع، فانا لا احاول المشي الا اذا توافرت لي الضمانات الكافية لكي امشي سويا من اول مرة، فهل يستطيع ذلك الطفل ان يمارس المشي على قدميه؟ كلا..
بل عليه ان يتحمل لفترة من الزمن التعثر في المشي والوقوع.
وانت لماذا تخاف الفشل؟
وماذا يحصل لو فشلت؟
لماذا يكون الفشل بعبعا في نفسك؟
اذا نظر الانسان الى الفشل كأمر طبيعي، ولم يضخمه في نفسه، فان عقدة خوف الفشل تتلاشى من قلبه، ولكنه إذا تضخم الفشل وصارت هذه العقدة عند الانسان،حرم الكثير من المكاسب، واصيب بالخيبة في حياته، كما يقول الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب «قرنت الهيبة بالخيبة» «نهج البلاغة حكمة رقم 21، ط1، 1967م تحقيق الدكتور صبحي الصالح، دار الكتاب اللبناني، بيروت».
الذي يخاف الفشل يصبح خائبا في حياته، لا يتقدم، ولا يتفوق، ولا تتفجر طاقاته، فعلى الانسان ان لايضخم قضية الفشل في نفسه، وان لايجعل نفسه ناعمة، تخاف من الصدمة والصعوبة، فالامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب يقول: «اذا هبت امرا فقع فيه» «نهج البلاغة حكمة رقم 175، ط1، 1967م تحقيق الدكتور صبحي الصالح، دار الكتاب اللبناني بيروت»، انظر الى الاشياء التي تخاف منها، ومارسها، حتى تكسر هيبة الفشل في نفسك، وقد دلت التجارب على ان اكثر الأشياء التي يتهيب الانسان منها او يخاف الفشل فيها يستطيع النجاح فيها اذا اقدم عليها.
اذن الخوف من الفشل سببه تضخيم قضية الفشل في نفس الانسان وعندما يبدأ الانسان يتخيل ويجتر صور الفشل، هنا تصبح لدى الانسان عقدة الخوف في النفس فيصبح الخوف لديه مرضيا.
في بعض الاحيان يكون الفشل عنصر خير في حياة الانسان، فهو الذي يكشف للانسان نقاط ضعفه، وينبهه الى الثغرات الموجودة في عمله.. بينما استمرار الانسان في تحقيق المكاسب والانتصارات، قد يخلق في نفسه الغرور، ويضعف من اهتمامه بالتقدم، ورفع مستوى العمل، وقد اشار القرآن الحكيم الى هذه الحقيقة عند حديثه عن النكسة التي اصابت المسلمين في واقعة «احد» يقول تعالى: ﴿أو لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها قلتم اني هذا قل هو من عند انفسكم ان الله على كل شيء قدير * وما أصابكم يوم التقى الجمعان فباذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا..﴾
انه تعالى يوبخ المسلمين على تعاملهم السلبي مع الهزيمة ويوجههم الى الاستفادة الايجابية منها، بالعودة الى أنفسهم ﴿قلتم أنى هذا قل هو من عند انفسكم﴾ واكتشاف النواقص والسلبيات التي اكتسبتها بعد تحقيق الانتصارات السابقة.
ثم تتحدث الآيات عن البعد الايجابي للهزيمة في معرفة الثغرات المخبوءة داخل المجتمع الاسلامي وفرز العناصر المنافقة غير المخلصة، وتجلي صمود المؤمنين وثباتهم في مواقف المحنة والشدة ﴿وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا﴾ ولعل كلمة الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب «سيئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك» «نهج البلاغة حكمة رقم 46، ط1، 1967م تحقيق الدكتور صبحي الصالح، دار الكتاب اللبناني بيروت» تشير ايضا الى هذه الحقيقة.