الزواج بين مسؤولية الفرد والمجتمع

اذا كان الزواج ضرورة وحاجة ملحة للانسان في كل عصر، فانه في هذا الزمن اكثر ضرورة، واشد الحاحا. وذلك لما يتعرض له انسان اليوم من وسائل تحريض للشهوة، وعوامل اثارة للغريزة، تجعله يعيش حالة من الهياج والاندفاع الجنسي العنيف. فوسائل الاعلام واجهزة الاتصالات تتفنن في اذكاء الغرائز والشهوات، اضافة الى انتشار اجواء الخلاعة والابتذال. ولم تعد هناك حدود او مراعاة لشيء من الحياء والاحتشام، الذي كان يميز الانسان في ممارساته لغرائزه عن بقية الحيوانات.

كما تحيط بالانسان المعاصر الكثير من دواعي القلق، واسباب الاضطراب النفسي، للتعقيدات التي يواجهها في توفير متطلبات الحياة، وللاخطار والتحديات المختلفة التي تنتصب امامه على الصعيد الشخصي والاجتماعي.
وبذلك تزداد حاجة الانسان الى مأوى يلجأ اليه ليمنحه الطمأنينة والاستقرار، والى قناة سليمة، واطار مشروع، يمارس من خلاله غريزته الجنسية الطبيعية.

والزواج هو ذلك الحصن الحصين والكهف المنيع، الذي يوفر للانسان اجواء الراحة النفسية، واللذة الغريزية، ففيه سكون واطمئنان نفسي، حيث يشعر كل من الزوجين بوجود من يشاركه هموم الحياة، ويعينه على مشاكلها، ويمكنه الانفتاح عليه، وبثه آلامه وآماله، لذلك يصف الله تعالى الزواج بانه سكن للانسان، فالرجل سكن لامرأته، وهي سكن له، اي يتوفر بكل واحد للاخر سكون النفس واطمئنانها. يقول تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة والخطاب موجه للرجال والنساء.

وبالزواج يصبح الانسان اكثر حصانة ومناعة تجاه الانحرافات السلوكية، والمفاسد الاخلاقية، بل وتجاه مختلف الجرائم. وهذا ما تدل عليه الاحصاءات والارقام. فالمتزوج امامه طريق سالك لاشباع رغباته وشهواته، وهو غالبا ما يفكر اكثر في تصرفاته وممارساته، لما يشعر به من مسؤولية عائلية واسرية.

اخرج البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي شبابا لا نجد شيئا فقال لنا رسول الله : « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ـ اي النفقة ـ فليتزوج فانه اغض للبصر، واحصن للفرج».

اصبح تأخير الزواج للشباب والشابات هو الحالة السائدة في مجتمعاتنا، حيث تستغرق الدراسة حوالي ثمانية عشر عاما، اضافة الى السنوات الست الاولى قبل سن الدراسة، وبعد التخرج يحتاج الى بضع سنوات حتى يجد له عملا، وحتى يكون نفسه ليكون قادرا على توفير مستلزمات الزواج.

وهذا يعني ان يقضي الشباب والشابات اهم الفترات حراجة وحساسية في حياتهم العاطفية والنفسية، وهم في حالة العزوبة، مما يعرضهم للكثير من مخاطر الانزلاقات والانحرافات، ويعرض امن المجتمع الاخلاقي للاهتزاز والاضطراب. ان المجتمع الذي يفكر في تحصين امنه واستقراره، ويهتم بصلاح واصلاح ابنائه، يجب ان يسهل وييسر امور الزواج، ويساعد الشباب على الاسراع في بناء حياتهم العائلية.

واذا ما تأملنا النصوص والتعاليم الدينية نراها تحمل المجتمع مسؤولية زواج ابنائه، يقول تعالى: ﴿وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم.
﴿وانكحوا اي زوجوا، وهو خطاب للمجتمع بان يزوجوا العزاب، حيث لم يخاطب العزاب هنا بان يتزوجوا، وانما خاطب الناس ان يزوجوهم. ذلك لان الزواج غالبا ليس قضية فردية يقوم بها الطرفان المعنيان فقط، وبمعزل عن الارتباطات والتأثيرات الاجتماعية، كسائر الامور من بيع وشراء واجارة. بل هو مسألة لها ابعادها وارتباطاتها المؤثرة بأكثر من جانب اجتماعي. كما ان من يريد تأسيس حياته العائلية وخاصة لاول مرة، قد يحتاج الى دعم وعون مادي ومعنوي، لمساعدته على انجاز هذه المهمة وانجاحها. من هنا يتوجه الخطاب الى المجتمع ﴿وانكحوا. و﴿الأيامى جمع (ايم) على وزن (قيم) وتعني الانسان الذي لا زوج له رجلا كان او امرأة، وان كان قد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل اذا ماتت امرأته، وفي المرأة اذا مات زوجها، ولكنه كما نص عليه اللغويون: تشمل كل ذكر لا انثى معه، وكل انثى لا ذكر معها بكرا وثيبا.

واذا كان بعض الاشخاص، يعانون من الضعف الاقتصادي، فان زواجهم قد يكون دافعا لهم للمزيد من العمل والانتاج، كما ان الله تعالى سيبارك لهم ويوسع عليهم، بتحملهم لمسؤولياتهم العائلية والاجتماعية.
 

الاربعاء 7 شوال 1423هـ، 11 ديسمبر 2002م، العدد 10771