وأشار سماحة الشيخ في بداية حديثه إلى أن العلم والمعرفة تُشكل "/>

التقية وحرية الرأي

مكتب الشيخ حسن الصفار
أمّ سماحة الشيخ حسن موسى الصفار "حفظه الله" جموع المصلين يوم الجمعة الموافق 21 ذو القعدة 1423هـ في مسجد سماحة الشيخ علي المرهون حفظه الله بالقطيف. وقد افتتح سماحته كلمته بقوله تعالى:﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

وأشار سماحة الشيخ في بداية حديثه إلى أن العلم والمعرفة تُشكل أمانة ومسؤولية كبيرة، وعلى العالم أن يُحافظ على هذه الأمانة وخاصة فيما يرتبط بأديان الناس؛ فعليه ألا يفتري على الدين، وألا يكتم شيئاً من الدين.

وأضاف سماحته أن الآية الكريمة التي تصدرت البحث تؤكد على هذه المسألة فهي تنهى عن لبس الحق بالباطل بمعنى خلط الحق بالباطل حتى لا يكاد يُعرف الحق من الباطل.

منشأ التقية


ثم أشار سماحته إلى المشاكل التي كانت تُعاني منها الأمة وقال: إن من أهم تلك المشاكل أن الأمة في تاريخها القديم ابتليت بصراعات ونزاعات نشأت على إثرها طوائف وتوجهات وتكونت لهذه الطوائف قيادات ورموز؛ وكان أتباع أهل البيت يعيشون وضعاً متأزماً وضغطاً سياسياً فأصبحوا يُمارسون مبدأ التقية هذا المبدأ الذي أصبح البعض يُشنّع على أتباع أهل البيت لممارسته ويعتبرونه نفاقاً. كما أصبح البعض الآخر يتخذ منه سلاحاً لعدم الثقة بأتباع أهل البيت وإلغاء الحوار معهم.

وتابع سماحة الشيخ الحديث حول التقية وقال: هل التقية نفاقٌ أم كذب؟ وفي الإجابة على هذا التساؤل قال سماحة الشيخ إن مفهوم التقية مُثبت في القرآن الكريم والسنة الطاهرة ولا مجال لتجاهلها، وإن التشنيع على من يستخدم هذا المنهج هو تشنيعٌ على الدين بالدرجة الأولى.

التقية في الكتاب والسنة


وأضاف أيضاً إن هناك آياتٌ عديدة من القرآن الحكيم تتحدث عن التقية إما بلفظ التقية أو بما دلّت جميع التفاسير على أن الآية تؤكد على التقية، ومن الآيات التي تطرق لها سماحة الشيخ:

قوله تعالى:﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

وقوله تعالى: ﴿لاَ يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ.

وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ.

وقوله تعالى:﴿ وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

ومن السنة المطهرة هناك أحاديث وروايات كثيرة تؤكد على أن رسول الله كان يدعوا أصحابه لاستخدام هذا المنهج عند الحاجة، يقول : «رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه».

أصل الخلاف في مسألة التقية


وتحدث سماحة الشيخ في كلمته عن أصل الخلاف في مسألة التقية، فهل هي مشروعة تجاه الكفار أم أنها عامة لكل ضرورة حتى مع المسلمين؟

يقول سماحة الشيخ: الكثير من علماء السنة يرون أنها خاصة مع الكفار، ولكن هناك منهم من يرى أنها عامة حتى مع المسلمين ومن بين من يرى شرعيتها مع المسلمين: الإمام الشافعي، وابن حزم الظاهري.

الشيعة والتقية


وهنا أشار سماحة الشيخ إلى تساؤلٍ يطرح نفسه: لماذا نرى هذا المبدأ ظاهراً وواضحاً عند شيعة أهل البيت ؟ يقول سماحة الشيخ: إن السبب الرئيس في ذلك هو أن غير الشيعة لم يعيشوا في الغالب ظروفاً تدفعهم للتقية، بعكس ما كان عليه الشيعة طيلة تاريخهم الطويل. ولذا تجد أن السنة وقياداتهم إذا كانوا في ظرفٍ عصيب مارسوا التقية كما كان مع الإمام أبو حنيفة أثناء قضية خلق القرآن.

وتساءل سمحة الشيخ بعد ذلك مستنكراً: لماذا التشنيع والإثارة والتشهير على ممارسة الشيعة لمبدأ التقية مع أنه منهجٌ إسلامي وجميع المسلمين سنةً وشيعة يعملون به؟

ثم قال سماحة الشيخ: إن التشنيع ينبغي أن يكون على من ألجأ الشيعة لاستخدام التقية. فلماذا يعيش الشيعي القهر وعدم القدرة على ممارسة دينه وإبداء رأيه بكل حرية. قد يقول قائل أن هذه الممارسات بدعة! ورداً على ذلك يأتي الكلام: هل أن الشيعة يمنعون السنة أن يُمارسوا صلاة التراويح إذا ما أقاموها في مناطق الشيعة، مع أن الشيعة يرونها بدعة.

وهنا أكّد سماحة الشيخ أن هذا العمل هو إرهابٌ فكري وقمع واضطهاد فينبغي أن يُعاب على من يُمارسه ضد أي جهةٍ كانت.

وهناك قائلٌ يقول: إن ممارسة الشيعة للتقية هي استراتيجيتهم وطريقتهم في الحياة! وهذا الأمر لا أساس له من الصحة. وأضاف سماحة الشيخ: إن الشيعة إذا كانوا في بلادٍ يحكمها علماءهم أو في بلادٍ غربية لا يُعيرون لهذه الأمور اعتباراً تجدهم يُمارسون دينهم كما يراه أئمتهم دون تقيةٍ، فهل هناك اختلافٌ بين عقائد الشيعة هناك وبين عقائدهم في البلاد القهر والإرهاب.

الشيعة والدعوة للحوار والوحدة


ومن جهةٍ أخرى قال سماحة الشيخ: إن الشيعة لا يعتبرون أنفسهم في موقف دفاع واتهام، فهذا الزمن قد انتهى، وهم جزءٌ من الكيان الإسلامي له تاريخه المجيد ولا يُمكن لأحد أن يتنكر له. وإن الشيعة في أطروحتهم للحوار ووحدة الأمة لها أبعادٌ أخرى، من أبرزها:

أولاً- الشيعة في أطروحتهم يستجيبون لأمر الله تعالى.

ثانياً- إن الشيعة ينظرون لبقية المسلمين كأخوة لهم، فهم لا يُكفرون أحداً من أهل القبلة.

ثالثاً- إن الشيعة يُراعون الظرف العام للأمة، خصوصاً الظرف الحالي الذي تمر به الأمة الإسلامية، هذا الظرف الذي كان من أهم أسبابه الرئيسية هم أولئك المتطرفون الذين يدعون أنهم بممارساتهم يُمثلون الإسلام، في حين أن الإسلام ومبدئه السامية بعيدةً كل البعد عن مثل هذه الممارسات.

واختتم سماحة الشيخ خطابه داعياً إلى ضرورة تلاشي أجواء التطرف وأجواء القمع والإرهاب الفكري في المجتمعات الإسلامية.

و أكد سماحة الشيخ أن الأصوات المتطرفة هي أصواتٌ شاذة، وأشاد بتلك الأصوات المعتدلة التي تدعوا إلى منهجية الحوار والسلم الاجتماعي لبنا أمة إسلامية واحدة.

ثم أشار سماحته إلى تدهور صحة آية الله العظمى المنتظري وأبتهل إلى الله تعالى له بالصحة والعافية.


والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين
.