بين الحياء وقوة الشخصية
إذا كان مطلوباً أن تتحلّى المرأة بقوة الشخصية فأين موقعية صفة الحياء إذاً؟
أليس هناك تناقض بين الصفتين بما تعنيه الأولى من جرأة وإقدام، وما تستلزمه الأخرى من تحفّظ وهدوء؟
إن الحياء صفة إيجابية حسنة للرجال والنساء، حتى ورد عن رسول الله أنه قال: « إن لكل دين خُلُقاً وإن خُلُق الإسلام الحياء» عن أنس وابن عباس [1] وفي حديث آخر عنه : « إن الحياء من الإيمان» عن ابن عمر [2] وعنه : « الحياء زينة» [3] .ويروى عن الإمام علي أنه قال: « أحسن ملابس الدنيا الحياء» [4]
وتأخذ صفة الحياء أهمية أكبر بالنسبة للمرأة، فهي تصونها عن الابتذال، وتجعلها أكثر رزانة وانضباطا، وأبعد عن مواقع الفتنة والإثارة، يقول الإمام علي : «على قدر الحياء تكون العفة» [5]
وملحوظ أن المرأة بطبيعتها أكثر نزوعاً إلى الحياء من الرجل، فرغم أن اندفاعاتها الغريزية الجنسية لا تقل عن الرجل، إلاّ أنها أفضل تحكماً وانضباطاً منه. حتى ورد في حديث عن رسول الله أنه قال: « الحياء عشرة أجزاء فتسعة في النساء وواحد في الرجال» [6]
ويُضرب المثل بين الرجال عادة بحياء المرأة، فإذا أُريد المبالغة في نعت رجل بالحياء، يقال إنه أحيا من فتاة. وهكذا تحدث الأصحاب عن شخصية رسول الله كما عن أبي سعيد الخدري: « كان النبي أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها» [7]
وكان مألوفاً في المجتمع أن تلوذ الفتاة بالصمت، حينما تُسأل عن رأيها في الزواج ممن تقدم لخطبتها، حياءً وخجلا، فاعتبر الشرع سكوتها دليلاً على رضاها، لأن إبداء الرفض لا يستلزم حياءً.
تأسيساً على ما سبق لماذا التأكيد على قوة الشخصية لدى المرأة، إذا كان ذلك على حساب صفة الحياء المطلوبة في شخصيتها؟
عرّف الراغب الاصفهاني في مفرداته الحياءَ بقوله: الحياء انقباض النفس عن القبائح وتركها. وعّرفه آخرون بأنه: الترقّي عن المساوئ خوف الذم.
وقد ورد عن الإمام علي قولـه: « الحياء يَصدُّ عن الفعل القبيح» [8]
فهو رادع ذاتي داخلي يمتنع به الإنسان من إرتكاب المعايب، التي نهى عنها الشرع أو العقل أو العرف. وهو بهذا المعنى لا يتصادم ولا يتناقض مع قوة الشخصية، لأن قوة الشخصية لا تعني الجرأة على المساوئ والمعايب، بل تعني الثقة بالنفس والتعبير عن الذات والدفاع عن الحقوق والمصالح، وكل ذلك في الإطار الصحيح، وبالأساليب اللائقة السليمة.
إن الحياء كأي مَلَكة من الملكات الفاضلة، والصفات الطيبة، لها موقعها المناسب، ومكانها الصحيح، في شخصية الإنسان وحياته، و إذا ما استخدمت في موقعها المطلوب، فإنها لا تلغي ولا تناقض المكارم الأخرى.
وما قد يبدو من تناقض بين بعض مفردات مكارم الأخلاق، كالحزم واللين، والشجاعة والعفو، والعزة والتواضع، يزول بالنظر إلى اختلاف الموارد. لقد وصف الله تعالى صحابة الرسول بأنهم أشدّاء ورحماء، وبين الصفتين تناقض، لكنهم ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ (سورة الفتح آيه 29). ومدح تعالى المؤمنين بأنهم اعزة واذلة، والتناقض واضح بين الصفتين لكنهم ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ (سورة المائدة آيه 54).
إن الإفراط في ممارسة الحياء، واستخدامه في غير موضعه، ليس حالة صحيّحة، ولا تدخل ضمن الحياء المحبّذ والمطلوب. بل تعبرّ عنها النصوص الشرعية بأنها سمة ضعف، ومؤشر حماقة وجهل. جاء في الحديث عن رسول الله : « الحياء حياءان : حياء عقل، وحياء حمق، فحياء العقل هو العلم، وحياء الحمق هو الجهل» [9]
ويعلّق الشيخ المجلسي على هذا الحديث بقوله: يدل على انقسام الحياء إلى قسمين: ممدوح ومذموم، فأما الممدوح فهو حياء ناشئ عن العقل، بأن يكون حياؤه وانقباض نفسه عن أمر يحكم العقل الصحيح، أو الشرع بقبحه، كالحياء عن المعاصي أو المكروهات. وأما المذموم فهو الحياء الناشئ عن الحمق، بأن يستحي عن أمر يستقبحه أهل العرف من العوامّ، وليست له قباحة واقعية، يحكم بها العقل الصحيح، والشرع الصريح، كالاستحياء عن سؤال المسائل العلمية، أو الإتيان بالعبادات الشرعية، التي يستقبحها الجهال. « فحياء العقل هو العلم» أي موجب لوفور العلم، أو سببه العلم المميّز بين الحسن والقبح، وحياء الحمق سببه الجهل وعدم التمييز المذكور، أو موجب للجهل. [10]
وعن الإمام جعفر الصادق : « الحياء على وجهين فمنه ضعف ومنه قوة»[11] . إن استخدام الحياء في غير موقعه المناسب، حالة مرضية، تنبثق من ضعف شخصية الإنسان، وتؤدي إلى تخلفه وحرمانه. وهو ما يعنيه الإمام علي بقولـه: « قُرن الحياء بالحرمان» [12] . وقولـه : « الحياء يمنع الرزق» [13] وقولـه : « من استحيا من قول الحق فهو الأحمق» [14] وقولـه : « ولا يستحيّن أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه» [15]
فالحياء ليس صفة مطلوبة في المطلق، بل يسَتحسن في موارده الصحيحة، ويكره حينما يكون على حساب مصالح الإنسان المشروعة.
أتضح إذاً أن لا تناقض ولا تصادم بين التأكيد على قوة شخصية المرأة، وبين اتصافها بفضيلة الحياء، فالحياء الحسن المطلوب للمرأة، هو ما يسمو بها عن الابتذال، وما يرفعها عن مساوئ وقبائح الأفعال، وذلك لا يعني فقدان الثقة بالنفس، ولا العجز في التعبير عن الذات، ولا يمنع الدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة.
يغالي البعض ويتشدد في مسألة حياء المرأة، فيفرض عليها ألواناً من الحياء المذموم، الذي يشلّ عضويتها في المجتمع، ويجمّد طاقاتها وقدرتها، ويمنعها من التفاعل مع قضايا الحياة، فتصبح تحت شعار الحياء والعفة موجوداً هامشياً دونياً، لا رأي لها ولا فاعلية ولا شخصية.
فعليها أن تبقى سجينة البيت، لا تخرج منه إلا إلى القبر، فقد صرح بعضهم بأن لا تخرج المرأة إلاّثلاث مرات: من بطن أمها الى العالم، ومن بيت أبيها الى الزرج، ومن بيت زوجها إلى القبر. كما نقل ذلك الشيخ الغزالي.[16]
وعليها أن لا تتحدث مع رجل أجنبي لأن صوتها عورة. وهي عبارة شائعة في أوساط المتدينين، ولا أصل لها في الشرع، يقول السيد الخوئي: ( فهي وإن كانت كلمة مشهورة بينهم إلا أنها لم ترد في شيء من النصوص، فلا وجه لجعلها دليلا.. مضافاً إلى السيرة القطعية المتصلة بزمان المعصوم حيث كانت النساء تتكلم مع الرجال، من دون تقيّد بحالة الضرورة) [17]
وعليها أن تختبئ عن الرجال فلا تنظر إلى أحد، ولا ينظر إليها أحد، وينقلون رواية مرسلة عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنها قالت لأبيها رسول الله ، حينما سألها عن خير شيء للمرأة؟ أنها قالت: « خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال» وهي مرسلة وغير مقبولة من ناحية السند عند السنة والشيعة. كما نصّ على ذلك السيد الخوئي [18] والحافظ العراقي [19] .
وقبل فترة قرأت لأحد كبار العلماء، كلمة يتحدث فيها عن فضيلة الحياء للمرأة، بنظرة فيها الكثير من الغلو والتشدد، يقول ما نصه: ( إن المرأة التي تربّت على الإسلام في المجتمعات المحافظة، تتسم حياتها بالحياء، وعندما يخاطبها الرجل لا تكاد تسمع كلامها حياءً أن ترفع صوتها، بل ربما بعضهن تتكلم وهي ترتجف، وبعضهن لا تستطيع أن تنطق، وبعضهن يعلوها نوع من الرحضاء، واحمرار الوجه، وغير ذلك من الأحوال التي تكون عند المرأة عندما يكلمها الرجل، والمرأة المحافظة هي المرأة التي عاشت وتربت في الإسلام، وسمعت القرآن، وتأدبت بآداب الإسلام، عندما يكلمها الرجل فإنها تكون منها هذه الأحوال، وبخاصة إذا كان الكلام من كلام الرفث والفسوق ونحو ذلك) [20]
إن مثل هذا الغلو والتشدد، فيه تضييق كبير على حرية المرأة وحقوقها المشروعة، وإضعاف لشخصيتها، ومصادرة لدورها الاجتماعي، وحينما ينسب إلى الإسلام فهو تشويه لصورته المشرقة، ودافع لردة فعل تجاهه، تجعل بنات المسلمين هدفاً سهلاً للتيارات المنحرفة، وأنماط السلوك الوافدة. ومن يقرأ عن حياة المرأة ودورها في العهد الإسلامي الأول، وكيف كانت تشارك في خدمة المجتمع، وتسهم في بناء الكيان الإسلامي، وتتمتع بشخصية قوية، وحضور فعال، منذ بداية الدعوة ممثلة في السيدة خديجة أم المؤمنين، ثم السابقات إلى الاسلام، اللاتي هاجرن إلى الحبشة و إلى المدينة، وبايعن رسول الله ، وحضرن المعارك والغزوات، و واظبن على صلاة الجماعة مع رسول الله ، وحفظن حديثه، وكنّ بعده راويات للحديث، ومتحدثات للرجال بما وعينَ وحفظن..
من يقرأ تلك الصور الزاهية، والمواقف البطولية الرائعة للمرأة، التي سجلها القرآن الكريم، وسجلتها أحاديث السنة والسيرة النبوية، وتاريخ المسلمين، يكتشف أن نظرة الغلو والتشدد تجاه المرأة، ناتجة عن تخلف الأمة، والابتعاد عن مفاهيم الإسلام النقية، والأخذ بالأعراف والتقاليد المتخلفة.
إن الحياء مطلوب من المرأة في حدود صيانة شخصيتها عن الابتذال، وحفظ عفافها وكرامتها عن الضياع، بالتزامها بأحكام الشرع وتعاليم الدين.
إن القرآن الكريم يحدثنا عن ابنتي نبي الله شعيب، وما يتمتعان به من خلق الحياء ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ (سورة القصص آية 25). والاستحياء مبالغة في الحياء. لكن حياءهما الشديد لم يكن مانعاً لهما من القيام برعاية أغنام أبيهما رعياً وسقاية، مع ما يستلزمه من اختلاط واقتراب من الرجال الأجانب ولو بدرجة محدودة، وحينما كلمهما موسى ، وهو شاب أجنبي لم تترددا في الإجابة على سؤاله يقول تعالى ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ (سورة القصص آية 23).
وقد أرسل نبي الله شعيب إحدى ابنتيه لتوجه الدعوة إلى موسى ليأتي منزلهم، فأرسلها وحدها، ولم تتلكأ في تقديم الدعوة إلى ذلك الشاب الأجنبي: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ (سورة القصص آية 25).
ولم يمنعها الحياء واحترام مقام أبيها من أن تقترح عليه وبعبارة الأمر والطلب، أن يستأجر موسى مبدية إعجابها بأمانة ذلك الشاب وقوته: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ﴾ (سورة القصص آيه 26).
هكذا يعلمنا القرآن أن الحياء – ومهما كان شديداً – لا يمنع المرأة من الاتصاف بقوة الشخصية، وممارسة دورها الاجتماعي الفاعل.
كيف تُبنى شخصية المرأة قوية ثابتة، تستعصي على الإغواء والإغراء، وتشق طريقها في الحياة بثقة والتزام، وتؤدي واجباتها الدينية والاجتماعية على خير وجه؟
وكيف تتجاوز المرأة في مجتمعاتنا حالة الضعف والشعور بالدونية تجاه الرجل، مما يجعلها عاجزة عن تسيير أبسط شؤون حياتها، والدفاع عن حقوقها ومصالحها؟
يبدو أن هناك عدة عوامل ومصادر تساعد على بناء وتنمية قوة الشخصية لدى المرأة، من أهمها مايلي:
1-التربية السليمة: فالبنت التي تنشأ في أجواء تربوية صالحة، وتتوفر لها رعاية كافية، تلبّي جميع احتياجاتها المادية والنفسية والروحية، وتغرس في شخصيتها بذور الخلق القويم، عبر التوجيه المناسب، والقدوة الصالحة، المتمثلة في سلوك الوالدين. هذه البنت تكون مهيأة للاستقامة، جديرة بامتلاك قوة الشخصية.
2-الوعي بالدين والحياة: غالباً ما يتشكل وعي الفتاة في مجتمعاتنا، من خلال الموروثات والأعراف المتداولة في أوساط عوائلهن، ثم ينفتحن على وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة، كقنوات البث الفضائي، وشبكة الإنترنت، لتنقلهن إلى عالم آخر من الأفكار وأنماط السلوك، المخالفة لنظام قيمنا الدينية والاجتماعية.
وهنا يحصل الاختلال في التوازن لدى الفتاة، وتصبح عرضة للضياع الفكري والسلوكي، بسبب غياب برامج التوعية الدينية التي تخاطب الفتاة بلغة عصرها، وتتفّهم طبيعة المشاكل والتحديات التي تواجهها، فبرامج التوجيه الديني – إن توفرت – هي للذكور غالباً، وحظ المجتمع النسائي منها قليل، وهذا القليل تشوبه ثغرات ونواقص كثيرة.
فحتى المسائل الفقهية المرتبطة بقضايا المرأة الخاصة لم تكتب لها بلغة ميسّرة، وأسلوب واضح، حيث لا تطور في الرسائل العملية الفقهية، إلا من خلال بعض المحاولات المحدودة.
وكذلك ما تواجهه الفتاة من تحديات في حياتها الاجتماعية، فترة المراهقة، وعند بدء حياتها الزوجية، وحينما تدخل مرحلة الأمومة. إنها بحاجة إلى مساعدتها بالثقافة الهادفة، وتقديم التجارب والخبرات النافعة، لتكون على بصيرة من أمرها، حين تواجهها المشاكل والتحديات.
إن بعض الفتيات يقعن في أخطاء فادحة، ويعثرن عثرات خطيرة، لأنهن لم يتوفرن على الوعي والتوجيه اللازم للتحولات التي واجهنها في حياتهن.
لقد وصلتني قبل فترة رسالة من إحدى الفتيات، تتحدث فيها عن المفاجآت التي واجهتها حينما التحقت بالجامعة، بعيداً عن حياتها العائلية المألوفة، فخلال ثمانية عشر عاماً، حتى تخرجت من الثانوية، كانت تعيش مع أهلها، وفجأة وجدت نفسها في منطقة بعيدة، وضمن تجمّع سكني يضم عشرات أو مئات الفتيات، من بيئات مختلفة، وصارت تتعامل بشكل أو آخر مع رجال أجانب، من خلال مواصلات السفر، وقضايا السكن، وشؤون الدراسة، وتعرضت لمحاولات من الإغواء والإغراء، ولم تكن مهيأة نفسياً ولا فكرياً للتعاطي مع مثل هذه التحوّلات والتحديات!!
إن الجيل الناشئ من أولادنا وبناتنا – على الخصوص – في حاجة ماسة للوعي الحياتي، حتى لا تلتبس عليهم الأمور، ولا تفاجئهم الإشكاليات، وحتى يكون تعاملهم مع وسائل الإعلام، وأجهزة الاتصال الحديثة، وأجواء الاحتكاك بالآخرين، ضمن إطار من الفهم والإدراك السليم.
3-الاحترام والإشباع العاطفي: تمتاز المرأة برقة عواطفها، ورهافة مشاعرها وأحاسيسها، منذ فترة الطفولة، فتحتاج إلى دفء عاطفي، وإحاطة بالرعاية والاحترام، لتشعر بقيمتها في وسط عائلتها، وتنهل من فيض حنانهم وعطفهم، فتمتلئ نفسها بالثقة والعزة، وتتعامل مع الآخرين من موقع الثبات والرزانة.
أما إذا عاشت حالة من الإهمال والتجاهل وسط عائلتها، ولم تُحترم مشاعرها وأحاسيسها، فسيدفعها ذلك للبحث عن مصادر أخرى تشبع جوعها العاطفي، وتغذّي الجفاء الذي تعاني منه، مما يجعلها فريسة سهلة، ولقمة سائغة، للطامعين والمنحرفين. وكم من فتاة وقعت في مهاوي الخطأ، وفخاخ المجرمين، منخدعة بالكلام المعسول، والوعود البراقة، وإبداء المشاعر الزائفة؟ ولو كانت عواطفها مشبعة، وشخصيتها محترمة، ونفسها قوية ناضجة، لكانت أوعى أذكى من الانخداع والاستدراج.
في تراثنا الديني نصوص وتعاليم كثيرة تؤكد على إغداق المزيد من العطف، على البنت في صغرها، وتوفير اكبر قدر من الاحترام للفتاة، والمرأة حين تكون زوجة، وحين تصبح أُماً. لاستحقاقها لذلك، ولما له من دور في بناء شخصيتها القوية الثابتة. وفيما يلي بعض النماذج من تلك النصوص:
1-عن حذيفة اليماني قال: قال رسول الله : « خير أولادكم البنات» [21]
2-عن الإمام جعفر الصادق قال: قال رسول الله : « من عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، وجبت له الجنة. فقيل يا رسول الله: واثنتين؟ فقال: واثنتين؟. فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة »[22] .