سيرة الأئمة ومناهج العرض
من نعم الله تعالى على مجتمعنا وجود هذه العادة الطيبة، إحياء المناسبات الدينية المرتبطة بذكريات النبي محمد والأئمة الهداة من أهل بيته، بعقد المجالس والاحتفالات وإلقاء الخطب والمحاضرات والأناشيد.
هذا الإحياء والاحتفاء بالمناسبات الدينية نعتبره مصداقاً لبعض العمومات الواردة في الكتاب والسنة، كقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (سورة الحج آية32) والآية وردت في الحديث عن الهدي ومناسك الحج، لكن عداً من العلماء رأى أن مناسك الحج هي مصاديق للشعائر التي ينبغي تعظيمها، ولا تنحصر بها. يقول الشيخ عبدلرحمن بن ناصر السعدي النجدي: ( والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها)[1]
وكذلك قوله تعالى: ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ (سورة الفتح آية9) بناءً على أن الضمير في ﴿ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ عائد إلى رسول الله كما هو اختيار جمع من المفسرين، وهو مروي عن ابن عباس (رضي الله عنه)[2] واختاره الشيخ السعدي النجدي قال: ( أي تعزروا الرسول وتوقروه، أي تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه)[3]
وأيضاً قوله تعالى ﴿ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (سورة الشورى آية 23) وإحياء ذكريات أهل البيت إظهار لمودتهم.
إضافة إلى النصوص المروية عن أئمة أهل البيت والتي تحث وتشجّع على إحياء هذه المناسبات والاحتفاء بها. ومعلوم أن أتباع أهل البيت يعتبرون كلام الأئمة حجة شرعية يستند إليها ويعتمد عليها، لأدلة عقلية ونقلية ذكروها في بحوثهم الكلامية والعقدية.
ولإحياء هذه المناسبات منافع وفوائد عظيمة، فهي تتيح فرصة كبيرة للتذكير بالقيم والمبادئ الدينية، وتحقق الانشداد والولاء في النفوس لرسول الإسلام وأهل بيته ، وتبقي شخصياتهم في موقع القدوة والأسوة.
كما تعتبر تنشيطاً وتفعيلاً للحالة الدينية في المجتمع، وللتواصل الاجتماعي في إطار التوجهات المبدئية.
حياة رسول الله والأئمة من أهل البيت تشكل تجسيداً عملياً لقيم الإسلام، وهي مصدر من مصادر التشريع والفكر الإسلامي، كما تزخر بالعلوم والمعارف، والدروس والعبر.
ولا شك أن تعّرف الأمة على حياة النبي والأئمة أمر مطلوب، لتحصيل المعرفة والوعي بالدين، وبتاريخه ومعالم حضارته.
والاحتفاء بالمناسبات الدينية هو أفضل فرصة لتعريف الأمة على حياة قادتها الهداة، فحينما يحتفى بالمولد النبوي الشريف، فذلك يتيح المجال للحديث عن حياة رسول الله ، وسيرته العطرة، وأخلاقه العظيمة، وهديه الرسالي. وكذلك في مناسبة أي إمام من الأئمة، إنما يجب أن توظّف وتستثمر في استحضار سيرة ذلك الإمام، ومواقفه النبيلة، وتوجيهاته الصالحة.
وذلك هو الأمر المألوف والمتعارف عليه في احتفاء مجتمعنا بهذه المناسبات. لكننا نلحظ أن مناهج العرض، وأساليب الطرح، لسيرة الرسول والأئمة تختلف من خطيب إلى آخر، حسب اختلاف التوجهات والمستويات، ولعل من أبرز تلك المناهج ثلاثة:
حيث يتم عرض حياة النبي أو الإمام ، منذ ولادته، وحتى وفاته، في الجانب الشخصي، كالحديث عن زوجاته وأولاده ومواليه، وطريقته في العيش، وفي الجانب الاجتماعي، كتلامذته، وتنقلاته، ومناظراته، وعلاقته مع حكام عصره، ومراكز القوى في مجتمعه، ومالقي من الحوادث والمشاكل..
وينتهج كثير من الخطباء هذا الأسلوب، ليسره وسهولته، ووفرة المصادر حوله، ولارتياح شريحة كبيرة من المستمعين له.
ولهذا المنهج فائدة طيبة تتمثل في تقديم السيرة الذاتية، لصاحب المناسبة، ورسم صورة عامة لحياته في أذهان المستمعين، وهي لا تخلو من الدروس والعبر النافعة. وخاصة إذا صاحبها التحليل والدراسة الموضوعية.
ويتكون هذا المنهج من بعدين:
الأول: التركيز على مسألة الكرامات والمعاجز، والجوانب الغيبية في حياة النبي والأئمة . للتأكيد على المكانة الخاصة التي يحضون بها عند الله سبحانه وتعالى، فهم وإن كانوا من البشر، لكن صلتهم المميزة بالله سبحانه، وموقعيتهم لديه، تمنحهم قدرات غير طبيعية، وإمكانات غير متعارفة.
فقد يتحدثون عن أمور غيبية هم مطلعون عليها.
وقد يفعلون ماهو خارق للعادة لإثبات صدقهم أمام الآخرين.
وإمكانية ذلك بالنسبة للأنبياء أمر واضح، تحدث عنه القرآن الكريم، واتفق المسلمون على حصوله من رسول الله .
فنبي الله عيسى بن مريم يقول حسبما جاء في القرآن الكريم: ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ (آل عمران آية 49)
أما بالنسبة لغير الأنبياء من الأئمة والأولياء فإن القرآن الكريم يتحدث عن مريم بنت عمران بقوله: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (سورة آل عمران آية37)
ويتحدث القرآن الكريم عن القدرات الخارقة لأصحاب نبي الله سليمان حينما طلب إحضار عرش بلقيس من اليمن: ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ (سورة النمل آية40).
قال الشيخ السعدي النجدي: ( والظاهر أن سليمان إذ ذاك في الشام، فيكون بينه وبين سبأ، نحو مسيرة أربعة أشهر، شهران ذهاباً، وشهران إياباً.. قال المفسرون: هو رجل عالم صالح، عند سليمان يقال له: « آصف بن برخيا » كان يعرف اسم الله الأعظم، الذي إذا دعا الله به أجاب، وإذا سأل به أعطى)[4] .
وتأسيساً على ذلك لامانع من أن تصدر عن الأئمة والأولياء كرامات وتصرفات خارقة للعادة، من علم ببعض الغيبيات، أو قدرة على القيام ببعض الأعمال غير الممكنة عادة.
وإنما يتحدث عنها الخطباء لإظهار مكانة الإمام عند الله تعالى، مما يؤثر في نفس المستمع، ويجعله أكثر محبة وولاءً للإمام.
لكن يجب التنبيه هنا على أمرين:
1. إن هذه الكرامات لا تصدر عن قدرة ذاتية للإمام أو الولي أو النبي، وإنما بإذن الله تعالى، فلا أحد له سلطة أو تصرف في شيء من أمور الكون والحياة إلا الله تعالى، والأنبياء والأئمة إنما يمنحهم الله تعالى القدرة على القيام ببعض هذه التصرفات بإرادة وحكمة منه، ليعرف الناس صدق رسالتهم، وصحة مسارهم، ولتتأكد مكانتهم في النفوس، فتقبل دعوتهم إلى توحيد الله تعالى وعبادته.
2. الأمر الثاني الذي يجب التنبيه عليه هو الحذر من الموضوعات والروايات المختلقة والضعيفة السند، فليس كل ما ورد في الكتب من معاجز وكرامات للأنبياء والأئمة والأولياء يحمل على الصحة، ويتحدث به للناس، بل ينبغي الأخذ من المصادر المعتمدة، ودراسة طريق الرواية والسند، فقد حصلت سوق رائجة لهذا النوع من الروايات، وهناك كذبة وضاعون، وهناك دسّ وتسريب لتشويه صورة الدين، وسمعة مذهب أهل البيت .
عن ابن سنان قال: قال أبو عبد الله الصادق : «إنا أهل البيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس» [5]
وقد جاءت روايات عديدة عن الأئمة بلعن بعض الرواة الوضاعين والكذابين الذين اختلقوا وبثوا روايات فيها مبالغات وغلو واصطناع قضايا لم تحصل، ونسبتها إلى الأئمة ، كما أن هناك من اختلق الروايات بهدف جذب الأنظار إلى الأئمة، وتعظيم مكانتهم، كالذي ينقل عنه أنه اختلق أحاديث في فضل سور القرآن، مبرراًً ذلك بأنه رأى إعراض الناس عن القرآن، فأحب تشويقهم إليه، بالطبع هذه وسيلة مرفوضة.
وتتداول في مجتمعنا بعض الروايات التي أكّد العلماء عدم صحتها كخطبة البيان المنسوبة للإمام علي والتي تحكي عن بعض المغيبات، وقد سئل عنها الإمام الخوئي(رحمه الله) فأجاب: (لا أساس لها)[6] وكذلك قصة (حلاّل المشاكل) والتي تتداول كثيراً في مجتمعنا النسائي، وهي قصة مجهولة المصدر، ولا تمثل نصاً دينياً يستوجب هذا الاهتمام والقداسة، كما أن ما تحتويه من مضمون وعبارات واضح الركاكة والضعف.
ويتمثل البعد الثاني من المنهج العاطفي في إبراز ما حلّ بأهل البيت من المصائب والمآسي من قبل أعدائهم الظالمين والحاسدين لهم، لإظهار مظلوميتهم، ذلك أن الإنسان بطبيعته السويّة يتعاطف مع المظلوم، وخاصة إذا كان من العظماء والصالحين، كما أن ذلك يبيّن سوء الطرف الآخر المناوئ لأهل البيت ، وكيف أنه تجاوز الحدود والموازين الإسلامية والإنسانية، في عدوانه عليهم، مما يعبئ جمهور المستمعين ضده، ويؤكد نفورهم منه.
فالنبي وأهل بيته الكرام إنما يعبّرون بسيرتهم وأقوالهم عن مشروع إلهي، يستهدف تنوير البشرية، ودفعها نحو مستوى حضاري أرفع، فهم ليسو مجرد عبّاد زهّاد، ولا أصحاب طريقة صوفية، وليسوا زعامات سياسية تصارع من أجل المواقع والمناصب، بل هم حملة رسالة إلهية، ومشروع حضاري.
ومن يدرس سيرتهم بعمق، ويقرأ حياتهم بوعي، ويتأمل آراءهم وكلماتهم، يجد بوضوح تركيزهم على استثارة العقل، وتنمية المواهب والطاقات، وتوجيههم نحو العلم والمعرفة، والفاعلية والإنتاج.
وفي أحاديثهم وأقوالهم إشارات جليّة لنظريات علمية حول الطبيعة والحياة، لم يكتشفها العلم الحديث إلا مؤخراً، كما أن مدرستهم قد خرّجت علماء بارزين في مختلف المعارف والعلوم.
أما خطبهم وتوجيهاتهم فتتضمن برامج لتنظيم المجتمع تربوياً وسياسياً واقتصادياً، وفي شتى ميادين الحياة.
إن تقديم الأئمة من خلال مشروعهم الحضاري، وعطائهم العلمي المعرفي، هو ما تحتاجه البشرية في هذا العصر، وهو ما يساعد الأمة الإسلامية على تجاوز واقع التخلف، والانطلاق نحو آفاق الحضارة.
وكنموذج من عطاء أهل البيت والذي يجب الاهتمام به، والتركيز عليه، وبثه ونشره في أوساط الأمة، عهد الإمام علي لمالك الأشتر النخعي حين ولاه مصر سنة 39 هـ. هذا العهد الرائع الذي يمثل أفضل وثيقة سياسية شاملة في التراث الإسلامي، حيث تحدث فيه الإمام عن واجبات الحاكم تجاه رعيته، وأخلاق تعامله معهم، وعن اختيار الوزراء والموظفين، وضرورة مراقبتهم وإرشادهم، وعن ضرورة استفادة الحاكم من الكفاءات العلمية، ثم عن طبقات الشعب بحسب أدوارها ومهامها، وأهمية كل طبقة وحقوقها وواجباتها، كالعسكريين، والقضاة، والتجار، والصناعيين، وعامة الموظفين، والضعفاء ذوي الحاجات.
وكما قال المحامي توفيق الفكيكي الذي شرح هذا العهد ضمن كتاب طبع سنة 1939م في بغداد بعنوان (الراعي والرعية) قال: (وهذا العهد من أهم العهود التي قطعها خلفاء المسلمين وملوكهم إلى عمالهم وولاتهم في تدبير شؤون المملكة الإسلامية. والحق يقال إن القواعد التشريعية السياسية والإدارية والقضائية والمالية والنظريات الدستورية التي قررها الإمام علي كرم الله وجهه في عهد مالك النخعي تعد «مُثلاً عليا» للحكم الديموقراطي في الإسلام إذا قيست بنظم الحكم اليوم من ديموقراطية ودكتاتورية، وبأحدث النظريات السائدة اليوم في العالم المتمدن)[7] .
إن من المفارقات العجيبة أن يبادر علماء الغرب إلى استكشاف الجوانب العلمية والمعرفية في حياة أئمة المسلمين، بينما نكتفي نحن المحسوبين على هؤلاء الأئمة، بتكرار مصائبهم ومعاجزهم، دون أن نتوجه إلى علومهم ومعارفهم في مختلف ميادين الحياة، مع حاجتنا الماسّة إليها.
لقد بادرت جامعة (استراسبورغ) الفرنسية إلى عقد دورة علمية عن التاريخ العلمي والحضاري للإمامية، وحياة الإمام جعفر الصادق وفكره، في شهر مايو 1967م، وشارك في هذه الدورة أكثر من عشرين عالماً من أعلام المستشرقين والعلماء في الجامعات الأوروبية، وشاركهم علماء متخصصون من جامعات لبنان وإيران. ونشرت هذه البحوث الأكاديمية من قبل دار المطبوعات الجامعية الفرنسية في باريس عام 1970م. وترجمت هذه البحوث إلى اللغة العربية وطبعت ضمن كتاب تحت عنوان (الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب) وفي مقدمة الترجمة العربية كتب الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي الأستاذ بجامعة الأزهر العبارة التالية: (إن القارئ لهذه الفصول ليقف أمام صفحاتها المضيئة مذهولاً حقاً، ولسوف يجد نفسه أمام عظمة هذه الروح العلمية، التي انعكس ضوؤها على هذه الدراسات، فكان من وراء ذلك عالم فسيح كشف عنه هؤلاء العلماء، وبدا في صدر هذه الصور الرفيعة صورة الإمام جعفر الصادق، مشرقة شامخة بفكره الرفيع، وبشخصيته الجليلة المهيبة، وبحكمته الصادقة، وتجاربه الواسعة في فهم الحياة والناس. وتجلت عظمة هذه الشخصية في عظمة هذه البحوث، فكان من وراء ذلك كله حقيقة رائعة، لم نكن نعرف عنها شيئاً، حقيقة هذا العقل العظيم، الذي بنى للإنسانية وللإنسان أروع ما يمكن أن يبنيه من أصول حضارة الدنيا ورفاهيتها)[8] .
ومن تلك البحوث التي تناولها العلماء الغربيون نظريات الإمام الصادق في المجالات التالية: نشأة الأرض/ نشأة الكون/ الأدب/ نقد التاريخ/ نظرية الضوء/ نسبية الزمن/ أشعة النجوم/ قضايا البيئة/ حركة الموجودات/ الطب وأسباب بعض الأمراض/ الفلسفة والحكمة والفرق بينهما/ الرضاعة السليمة/ الموت والفناء وغير ذلك من الأبحاث.
إن مثل هذه المبادرات والبحوث لتشعرنا بتقصيرنا الكبير تجاه مدرسة أهل البيت ، فمع أننا نحيي مناسباتهم، وتحت أيدينا أوقاف ضخمة مرصودة للإنفاق على ما يتعلق بهم، وهناك موارد حق الإمام من الخمس إلاّ أن سعينا في إحياء علومهم ومعارفهم لا يزال محدوداً، وضمن دائرة ضيقة.
إننا بحاجة إلى مراكز دراسات علمية لدراسة حياتهم وأفكارهم.
وبحاجة إلى دعم بعض العلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات لكي يتفرغوا لإعداد البحوث المختصة بسيرتهم وآرائهم العلمية.
وبحاجة إلى تنشيط حركة الطباعة والنشر للكتب التي تتضمن كلماتهم وتوجيهاتهم، كنهج البلاغة، والصحيفة السجادية، ورسالة الحقوق، وسائر آثارهم المباركة، مع شرحها وترجمتها إلى مختلف لغات العالم الحيّة.
وكل ذلك بحاجة إلى عمل مؤسساتي، لكن المبادرات الفردية يمكنها أن تملأ جزءاً من هذا الفراغ.
وإذا كانت مناهج العرض لحياة الأئمة وسيرتهم متعددة، فإن كل منهج منها يتكامل مع الآخر، واختيار أحدها لا يعني إلغاء المناهج الأخرى، إذا طرحت بالشكل الصحيح،الذي يستهدف التعريف بالأئمة، وشدّ الأمة إليهم، واستفادتها من بركات عطائهم.
لكنه ينبغي مراعاة الزمان والمكان والمخاطبين في اختيار أي منهج من هذه المناهج، وخاصة بالنسبة للخطباء الكرام، الذين يتحدثون في المناسبات الدينية.
ونلاحظ هنا أن الإمام علي الرضا يركز على أهمية المنهج الثالث أي الطرح العلمي الحضاري، كما يستنتج ذلك من الحديث الذي يرويه عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن الرضا يقول: «رحم الله عبداً أحيا أمرنا» فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: «يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا»[9]
حقاً إن علوم أهل البيت ومعارفهم لو عرضت للناس عرضاً صحيحاً، لاستقطبت كل الواعين المخلصين، ولأسهمت في رفع مستوى جمهور الأمة، ومعالجة مشاكل المجتمع.
ثبتنا الله جميعاً على محبة رسول الله وآله الكرام وجعلنا من السائرين على طريقهم، والمقتدين بهديهم، وحشرنا يوم القيامة في زمرتهم إنه أرحم الراحمين.