التحريض على الكراهية دينٌ أم إجرام

مكتب الشيخ حسن الصفار
في إطار مواصلة سماحة الشيخ لإلقاء محاضراته المتميزة في موسم محرم الحرام لعام 1424هـ بحسينية العوامي بالقطيف، ألقى سماحته محاضرته الثامنة (ليلة الثلاثاء الثامن من شهر محرم الحرام) تحت عنوان: التحريض على الكراهية دينٌ أم إجرام. وقد تضمنت المحاضرة ثلاثة محاور:

المحور الأول: تحدي العلاقات الداخلية.


كل مجتمع من المجتمعات يواجه تحديين رئيسيين:

التحدي الأول- يتمثل في استهدافات الأعداء الخارجيين.

التحدي الثاني- النزاعات والصراعات الداخلية.

ويبدو أن التحدي الثاني أشد خطورةً من الأول، لعدة اعتبارات:

أولاً- العدو الخارجي عادةً ما يكون واضحاً وبالتالي تستنفر الأمة طاقاتها وجهودها لمواجهته، أما الصراعات الداخلية فخطرها يخفى على الكثيرين.

ثانياً- العداء الداخلي غالباً يكون أكثر فتكاً وإيذاءً. وكما في القول المشهور: (وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً)، إضافةً إلى أنها تستهلك جهود المجتمع وتُفسد نفوس أبنائه.

ثالثاً- العداءات الداخلية هي التي تعطي الفرصة للعدو الخارجي من أجل سيادته وهيمنته، وكما في القاعدة المشهورة: (فرق تسد).

وأكد سماحة الشيخ بعد ذلك على أن الإسلام بمقدار ما وجّه المسلمين لمواجهة العداء الخارجي اهتم بإصلاح الأمور الداخلية. وتساءل سماحته: كيف يُمكن مواجهة العداء الداخلي؟

وأشار في إجابته أن البعض من الناس عندهم تفكير ملائكي، فيقولون بأنه حتى تتخلص الأمة من العداء الداخلي ينبغي لها أن تتفق على رأي موحد، وقيادة واحدة. وقال سماحة الشيخ: هذا الأمر لا يكون، لأن المجتمع البشري من طبيعته حدوث الاختلاف بين أفراده. ولكن ضمن هذا الاختلاف لابد وأن يكون هناك سعي وراء استئصال حالة العداء الداخلي.

وأكد سماحة الشيخ على أن العداء لا يكون إلا من وجود ثقافة تدعوا للعداء، وسلوك يدعو للحراب. وحتى تتخلص الأمة من حالة العداء الداخلي عليها أن تتوجه إلى قلع هذه الثقافة من جذورها، والقرآن الحكيم يربي أبناءه على هذه الحالة، فيقول تعالى معالجاً جذور حالة العداء الداخلي: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساءٌ من نساء عسى أن يكنَّ خيراً منهنَّ، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، فالآية تعالج هذه القضايا التي تبدوا صغيرةً ولكنها وقود للعداء الداخلي، وكما قال الشاعر: وإن الحرب أولها كلام.

وأشار سماحة الشيخ إلى التفاتة مهمة في الآية، وهي: أن الآية أكدت على الجانب النسائي بخصوصه مع أنه يشترك في قوله تعالى: ﴿لا يسخر قومٌ من قوم، يقول سماحته: لعلّ في ذلك إشارة إلى كثرة هذه المشكلة في التجمعات النسائية مقارنةً بالتجمعات الرجالية، ولذا أكدت الآية على ذلك، فعلى النساء المؤمنات وعي هذا الجانب ونبذ هذه الحالة.

المحور الثاني: فلسفة الكراهية.


بعد ذلك تساءل سماحة الشيخ: لماذا نجد بعض النفوس تفيض حباً ومودةً للآخرين؟ ولماذا نجد آخرين تتقاطر نفوسهم حقداً وكراهيةً؟ هل الكراهية ناشئة من موقف عقلي فكري؟ أن أنها حالة نفسية؟ هل هي ذاتية أم أنها مكتسبة؟

وفي إجابة سماحة الشيخ على هذه التساؤلات: أكد أن البحوث العلمية حول الكراهية قليلة، وأشار إلى رأي أرسطو الذي اعتبرها مفردةً من مفردات الغرائز العاطفية. كما أشار إلى المؤتمر الذي عقد في أمريكا عام (1994م) لمناقشة موضوع الكراهية، وقد أجمع العلماء فيه على أنها حالة نفسية مرضية ناشئة من الإفراط في الحالة الأنانية عند الإنسان.

وأكد سماحته على وجود عوامل تنمي هذه الحالة، منها:

1- أن الكراهية قد تكون كردة فعل لظروف خاصة مرت بالإنسان، أو لعقد نفسية في شخصيته.

2- وأيضاً التربية التي ينشأ عليها الإنسان تكون عاملاً مساعداً على نمو هذه الحالة المرضية، سواءً في العائلة أم المدرسة عبر مناهج التعليم وطريقة التدريس.

وأشار سماحة الشيخ بعد ذلك إلى أن الحالة الدينية في المجتمع ينبغي أن تعمل عملها في بتر حالة العداء، وذلك لأن الدين لا يُمكن أن يُنمي التوجهات السيئة عند الإنسان بل على العكس فهو جاء من أجل إنماء التوجهات الحسنة، يقول : «إنما بٌعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وتعرض عند ذلك إلى مفهوم الولاء والبراء واعتبره من المفاهيم الشائكة، إذ أن القرآن الكريم أمر بالبراءة من أناسٍ اعتبرهم مستحقين لذلك، يقول تعالى: ﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه فلما تبين له أنه عدوٌ لله تبرأ منه.

وأكد سماحة الشيخ أنه قد يلتبس على البعض هذا المفهوم فيظن أن الدين يدعو للكراهية، ولتوضيح المقص تعرض سماحة الشيخ لعدة نقاط:

1- الدين منظومة متكاملة، لا يصح الأخذ بجانب دون آخر، فإنه إلى جانب تلك الآيات التي تدعوا للبراءة نجد آيات أخرى كقوله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، وقوله : «من آذى ذمياً فقد آذاني».

2- البراءة تكون من الكافر الذي هو في حالة عداء مع المسلمين، وليس كل كافر ينبغي إعلان العداء والحرب ضده.

3- إن التبري لا يعني كراهة الوجود الشخصي، وإنما يعني كراهة التوجه والعمل، وآيات القران ندد بحالة العداء، يقول تعال: ﴿ولا تعتدوا إن الله لا يُحب المعتدين. «وقد سئل الإمام الكاظم : ما تقول في رجل يشرب الخمر ويعمل المنكر، أنتبرأ منه؟ قال : ابغضوا عمله، وأحبوه.»

ولنا في رسول الله خير أسوة، فبعد عودته من الطائف وبعد ما جرى عليه ما جرى منهم، تأتيه الملائكة: يا رسول الله ادعوا عليهم. ولكن وهو العطوف بأمته، يرفع يده إلى السماء قائلاً: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.

وبعد ذلك استنكر سماحة الشيخ لهذه الحالة المتشنجة بين المذاهب الإسلامية، وأكد سماحة الشيخ أن التشنجات الطائفية المذهبية في منطقة الخليج عامة والمملكة خاصة تعيش وضعاً فظيعاً. بينما نجد من جانب آخر أن المنطقة تُعتبر أسخن منطقة في العالم وأنظار الطامعين متوجهة نحوها. فكيف يُعقل هذا الأمر، العالم مشغولٌ بنا، ونحن مشغولون ببعضنا، إنه لوضعٌ زري. ولكن كيف نخرج من هذا المأزق الخطر؟

المحور الثالث: الخروج من المأزق.


أكد سماحة الشيخ على أمرين أساسيين، هما:

الأمر الأول: نشر ثقافة حقوق الإنسان.

أكد سماحة الشيخ أن هذه الثقافة هي ثقافة إسلامية وليست غربية، فهذه تفاسير المسلمين تؤكد على ذلك: ففي تفسير مجمع البيان للطبري، وفي تفسير الشيخ ناصر عبد الرحمن السعدي؛ حول تفسير الآية الكريمة: ﴿ولقد كرمنا بنى آدم يقول التفسيران: هذا التكريم للإنسان كإنسان، وإذا كان مؤمناً فله تكريمٌ آخر لإيمانه.

بعد ذلك قال سماحة الشيخ: ولكن مع الأسف نجد أن الحالة التعبوية في المجتمعات الإسلامية هي المنتشرة وهي الأكثر استقطاباً، بنما ينبغي أن تزول هذه الثقافة وتُستبدل بثقافة أخرى تدعو إلى ثقافة حقوق الإنسان.

الأمر الثاني:وجود اعتراف متبادل بين المذاهب.

أكد سماحة الشيخ على ضرورة وجود اعتراف بجميع المذاهب الإسلامية رسمياً، خصوصاً مع تعددها فليس المذهب السني بأربعة مذاهبه هو الوحيد الموجود في منطقة الخليج، وإنما هناك الإمامية الإثني عشرية، والزيدية، والإسماعيلية، والأباظية.

وأكد سماحته على ضرورة تربية الأبناء على الاعتراف المتبادل، وترك هذه التربية التي تدعو إلى زرع الحقد والكراهية .

ودعا سماحة الشيخ إلى أن يكون لمناهج التعليم والخطب الدينية الأثر البارز في زرع هذا التبادل وتنمية هذه الثقافة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.