انتخابات المجالس البلدية والثقافة الجديدة

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


يعيش مجتمعنا السعودي مع بدء حملات الترشيح للانتخابات الجزئية لأعضاء المجالس البلدية، أجواء جديدة طيبة، يتأهل من خلالها للدخول إلى مرحلة المشاركة الشعبية في القرار بشكل تدريجي، وفق ما رأته القيادة السياسية للبلاد.

ومع أن معظم المجتمعات المجاورة قد سبقتنا إلى هذه المرحلة لكن متابعة أخبار الآخرين لا تعطي آثار الممارسة والمعايشة للتجربة.

فبعد أن تعاطى كثير من المواطنين مع موضوع الانتخابات البلدية بنوع من قلة المبالاة والاهتمام أثناء مرحلة قيد الناخبين، وبذلت جهود كبيرة من قبل جهات أهلية وجهات رسمية لتشجيع المواطنين على التفاعل والذهاب إلى مراكز التسجيل التي شكى أكثرها من ضعف الإقبال إلا في الأيام الأخيرة. لكن ما إن بدأت حملات المرشحين حتى ساد الاهتمام بالانتخابات كل أجواء المجتمع، وأصبح الحديث الشاغل لكل المجالس واللقاءات ومواقع الإنترنت والصفحات المحلية للجرائد.

ثقافة جديدة


إن من أهم فوائد وآثار هذه الانتخابات البلدية تدشينها لعهد ثقافة جديدة لم تكن متداولة في أوساط المجتمع بهذا الشكل الواسع العام.

ومن مفردات هذه الثقافة الجديدة انتشار المفاهيم والمصطلحات التي تشكل مفاتيح للوعي السياسي، كالانتخاب والترشيح والتصويت والتمثيل والمشاركة الشعبية في القرار.

إن كل مصطلح من هذه المصطلحات المتداولة من خلال العملية الانتخابية يحمل مفهوماً ثقافياً سياسياً.

من جانب آخر فإن طرح البرامج الانتخابية من قبل المرشحين بما تضمنته من نقد لواقع الخدمات البلدية، وتطلع إلى تطويرها وتقديم مشاريع لخدمة مصالح المواطنين والارتقاء بمستوى مناطقهم، إن طرح هذه البرامج ومناقشتها أمام الجمهور يفتح عين المواطن على واقعه، ويعزز طموحات المواطنين للإصلاح والتغيير، ويطبّع حالة النقد والاعتراض التي كان بعض المواطنين يتهيبونها، وكانت بعض الجهات الرسمية تتحسس منها.

كما أن عملية الترشيح وتقديم كل مرشح لسيرته الذاتية، وطرحه لآرائه وأفكاره في سياق برنامجه الانتخابي، أتاح الفرصة لظهور وبروز كثير من الطاقات والكفاءات ذات الاهتمام بالشأن العام، في مجتمع محافظ يُستعاب فيه طرح الإنسان لشخصيته، في حين تتسلط فيه الأضواء على الشخصيات الرسمية، أو من تُبرزهم الجهات الرسمية.

أخلاقيات التنافس الإيجابي


لقد فاق عدد المرشحين كل التوقعات، حيث يتنافس في كل منطقة عشرات الأشخاص على بضع مقاعد لا تزيد على السبعة، وقد تقل عنها، وفق قرارات الوزارة.

ومن الطبيعي أن تتفاوت مستويات المرشحين وكفاءاتهم، وأن يكون لكل مرشح مريدوه ومؤيدوه، ومن حق كل مرشح أن يجتهد في تقديم نفسه، وإقناع الجمهور بشخصيته وبرنامجه، كما أن من حق جماعة كل مرشح أن يسعوا لاكتساب أكبر رقعة ممكنة من الساحة الانتخابية لمرشحهم، لكن ذلك ينبغي أن يكون في إطار أخلاقيات التنافس الشريف، فلا يصح الإساءة للمنافسين أو النيل منهم، ولا استخدام الأساليب الملتوية لكسب الأصوات، ولا إثارة النعرات الطائفية أو المناطقية أو الفئوية أو خلافات التنوع المرجعي الديني، وتحويل تلك التصنيفات كمقاييس لاختيار المرشحين أو حواجز لمنع التفاعل مع سائر المرشحين.

إن على المواطن أن يختار المرشحين الأكفاء الذين يثق بهم، ويطمئن إلى إخلاصهم وقدرتهم على خدمة مصالحه ومصالح الوطن، دون أخذ الانتماءات المختلفة بعين الاعتبار، فالكفؤ الثقة هو الذي ينبغي انتخابه، وليس مجرد كونه من قبيلتي أو طائفتي أو من الفئة التي أنتمي إليها.

إن علينا أن نوصل الأكفاء المخلصين إلى مقاعد المجلس البلدي ليتمكنوا من خدمتنا، وليصبح المجلس البلدي فاعلاً جدياً وليس مجلساً شكليا.

ونشير هنا إلى ضرورة تجنب حالة التحسس من إعلان الرأي أو اتخاذ قرار الاختيار، فمن حق كل ناخب أن يختار حسب اطمئنانه وقناعته، ولا ينبغي أن يسبب ذلك انزعاجاً للآخرين، ولا أن يترك شرخاً وأثراً سيئاً في علاقاته المستقبلية معهم. بل يجب أن يتعامل الجميع بروح رياضية وأخلاق حضارية، لنستفيد من إيجابيات هذه المرحلة الجديدة، ونتلافى السلبيات التي قد ترافق تنوع الاختيارات، وتعدد المرشحين.

إن بعض الأتباع والمؤيدين لهذا المرشح أو ذاك قد يصدر منهم كلام غير مسؤول، فيسبب ذلك ردّ فعل عند الطرف الآخر، وقد تحصل مشكلة لم يقصدها الطرفان المعنيان، كما قد تندسّ بعض العناصر لإثارة البلبلة أو الخلاف، وهنا لا بد من اليقظة والتروي لمعالجة أي إشكال بالحكمة والتعقل إنجاحاً للتجربة وحفاظاً على روح الإخاء والتآلف بين أبناء المجتمع.

أهمية كل صوت


لأن عملية الانتخاب تتم في يوم واحد فقط، وهو في المنطقة الشرقية يوم الخميس 22 محرم ـ 3 مارس، فمن الضروري جداً تعبئة كل القاعدة الانتخابية، وجميع المؤهلين للتصويت، لإعطاء أصواتهم والمبادرة للذهاب إلى مراكز الاقتراع، وتعريفهم بطريقة التصويت.

لقد رأينا ضعف المبادرة للتسجيل في قيد الناخبين، لكن الفسحة الزمنية أتاحت الفرصة للتعبئة والتحشييد، لكن الفرصة محدودة في عملية التصويت ليوم واحد فقط، فلا بد من التعبئة المسبقة. وهذا هو دور المخيمات والمواقع والنشاط الانتخابي للمرشحين لتشجيع الناخبين على المبادرة والحضور في مراكز الاقتراع، وشرح الأنظمة لهم ليكون الناخب على بصيرة من أمره.

كما أن على العلماء والخطباء والجهات الواعية في المجتمع أن تقوم بدورها المطلوب في حث المواطنين وتشجيعهم على الذهاب إلى مراكز الاقتراع والإدلاء بأصواتهم في اليوم المحدد.

إن كل صوت له أهميته فلنحرص على كل صوت حتى لا نفقد ولا صوتاً واحداً.

إن التصويت والانتخاب واجب وطني، وإن تفاعل المواطنين مع هذا الاستحقاق، يؤكد حقهم وتطلعهم إلى توسيع رقعة المشاركة الشعبية في مستوياتها المتقدمة.

وقد تابعنا جميعاً كيف تفاعل أكثرية أبناء الشعب العراقي مع الاستحقاق الانتخابي، وتقاطروا على مراكز الاقتراع رغم المخاطر والتهديدات الإرهابية، طبعاً القياس مع الفارق ولكن المقصود الإشارة إلى الإصرار على ممارسة حق الانتخاب، وتجاوز كل العوائق لأداء واجب التصويت.

نرجو أن تنجح هذه التجربة، وأن يستفيد منها شعبنا بالمستوى المطلوب، وأن تتواصل خطوات الإصلاح والتطوير في البلاد.

ونأمل في تشكيل مجالس بلدية فاعلة تخدم مصالح المواطنين، وتحقق تطلعاتهم في خدمات أفضل إن شاء الله.

والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.