الرسول الأعظم (ص) والأمة الواحدة

خطب رسول الله المسلمين في منى في يوم العيد في حجة الوداع فقال : «أيها المسلمون ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وإنكم ستلاقون الله وسيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعن بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب.» صدق رسول الله .

هذه الليلة تعتبر مناسبة من أهم المناسبات لأنها ذكرى وفاة أعظم مخلوق وأفضل مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى، إنه نبينا الأعظم خاتم الأنبياء والرسل، وأفضل ما خلق الله سبحانه وتعالى، والذي ما خُلق الكون والوجود والحياة إلا إكراماً له. الليلة نحتفي بهذه المناسبة ونحن لا ننظر إلى رسول الله ، كما ينظر الماديون الذين ينظرون إليه كعبقري أو كعظيم أو كقائد حقق انتصارات وحقق إنجازات ونجاحات، صحيح أنه قائد عظيم بل أعظم العظماء وصحيح أنه يمتلك كل صفات البطولة والكرامة، ولكنه فوق كل ذلك نحن ننظر إليه كنبي وكرسول والاعتقاد بالنبوة والرسالة أصل ثابت ورئيس عندنا من أصول الدين، والنبوة تعني الصلة بين البشر وبين خالقهم، فالله تعالى شاءت حكمته ورحمته ورأفته بخلقه ألا يتركهم سائرين في الضلال والحيرة، لو كان البشر متروكين لأنفسهم، فإنهم بالتأكيد لا يهتدون طريق السعادة وطريق الخير لحياتهم، صحيح أن الإنسان يمتلك العقل وصحيح أن الإنسان أحرز تقدماً عليماً كبيراً، ولكن ذلك لا يعني أن الإنسان يستقل بنفسه ويستغني عن توجيه الله سبحانه وتعالى، وأكبر دليل على هذه الحقيقة، نحن نرى المجتمعات المتقدمة علمياً وصناعياً كيف تعيش الأزمات، وكيف تعيش المشاكل النفسية والاجتماعية في داخلها وكيف تمارس المشاكل والأزمات على الآخرين، هذه النعرات الاستعمارية التي تمارسها تلك الشعوب المتقدمة دليل على أن الإنسان من دون هدي الله لا يكون صالحاً ولا يستطيع أن يسير في طريق الاستقامة ولعلكم تابعتم في الأيام القليلة الماضية التقارير التي نشرت عما فعلته الكتائب والفرق العسكرية التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى الصومال تحت شعار إعادة الأمل على اعتبار أن في الصومال حرب أهلية والناس يعيشون المشاكل.

فقد بعثت الأمم المتحدة فرقاً عسكرية حتى تعيد لهم الأمل والاستقرار، الصومال بلد مزقته الحرب الأهلية، الناس كانوا يعانون معاناة كبيرة وقدِم لهم من أوروبا، قواتٌ من مختلف الدول آتية لترفع عنهم المعاناة، لكن ماذا صنع هؤلاء؟ ماذا فعل الجنود (الكنديون) ، ماذا فعل الجنود (الفرنسيون) ماذا فعل الجنود (البلجيكيون) ماذا فعل الجنود الإيطاليون لعلكم سمعتم وقرأتم ورأيتم الصور التي نشرت أيضاً في الجرائد والمجلات كانوا يأخذون الطفل الصومالي ويشوونه على النار كما يشوون الطير، ومع الأسف أن المحكمة أيضاً برأت المتهمين وقالت ما كانوا يقصدون إلا المزحة ما كان عندهم شيء مجرد دعابة ومزحة وقد نُشرت الصور كيف أن أحد أولئك الجنود أجلكم الله كان يتبول على جثة قتيل صومالي، نشرت الصحف صوراً لأِشخاص قد تعاونوا على قتل فتيات بعد اغتصابهن، ونشرت التقارير أيضاً، كيف أنهم أمسكوا برجل مسلم وأجبروه على أن يبتلع ويأكل بقايا من لحم الخنزير إهانة له، هؤلاء الجنود قد ذهبوا للصومال ضمن بعثة للأمم المتحدة، المؤسسة المكلفة بحماية الأمن والسلام في العالم والشعار هو إعادة الأمل، وهكذا يفعلون ويصنعون في كل المناطق التي يتوجهون إليها.

وهذا دليل على أن الإنسان حينما يبتعد عن هدي الله وإن كان يمتلك العلم والتكنولوجيا والتقدم، ولكنه يستغلها استغلالاً خاطئاً، إنه يشبه الإنسان المجنون الذي يمتلك السلام ويمتلك الوسائل المتقدمة ولكنه مجنون لا يؤمن منه أي تصرف، أو كطفل يمتلك وسائل متقدمة لا يؤمن منه أي تصرف، فالإنسان حينما لا يكون على هدي الله هكذا تكون حياته، لذلك نحن نعتقد أن الإنسان لا يمكن أن يستغني عن هدي الله ، وعن توجيه الله، لا بد أن يصل إليه توجيه الخالق، كيف يصل الهدي إلى الإنسان؟ كيف الله يوصل توجيهه إلى الناس؟ هل من المعقول أن الله يبعث توجيهاً مباشراً لكل فرد من أفراد البشر، ليس من المناسب وإلا فإن الله على كل شيء قدير، لكن ليس من المناسب أن يكون لكل فرد توجيه خاص مباشر، فلا بد وأن تكون هناك جهة تقوم بهذا الدور يبتعثها الله، شخص يبتعثه الله لكي يحمل رسالة الله للناس، من هو ذلك الشخص من يختار ذلك الشخص؟

﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (القصص، 68)، الله هو الذي يختار الشخص المناسب لحمل رسالته وبالفعل اختار الله تعالى أنبياءً ورسلاً تتوفر فيهم أفضل الصفات والمواصفات هؤلاء الرسل والأنبياء بلغ عددهم كما تشير الروايات مائة وأربعة وعشرين ألف (124000) نبياً، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر (313) رسول، وهناك فرق بين النبي أو الرسول ذكرها العلماء، من أبرزها أن النبي لا يأتي برسالة جديدة وإنما يتبع على رسالة الرسول الذي سبقه، بينما الرسول يحمل رسالة جديدة وهناك فروق أخرى ذكرها العلماء. ثلاثمائة وثلاثة عشر رسول (313) اختارهم واصطفاهم، هؤلاء الرسل لم يكونوا على درجة واحدة من الفضل والمواصفات وإنما كانوا متفاضلين ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (البقرة، 253)، أفضل الرسل أولو العزم الخمسة وهم: نبي الله نوح ونبي الله إبراهيم ونبي الله موسى ونبي الله عيسى وأفضل هؤلاء الخمسة من أولي العزم هو نبيا أبو القاسم محمد، فهو أفضل الرسل والأنبياء وهو خاتمهم خاتم الرسل والأنبياء، فمن بعده انقطع الوحي عن الأرض ولا ينزل الوحي على أحدٍ من البشر.

طبعاً كيف يعرف البشر أن هذا الرسول هو رسول الله من قِبَل الله، هل كل من أدعى أنه رسول الله ونبي نصدقه ونؤمن به؟ كلا. لا بد من دليل وبرهان، ما هو الدليل والبرهان؟

أولاً: سيرة نفس هذا الشخص، سيرته وتاريخه، هل يكشف عن صدقه أو يكشف عن زيف ادعائه.

وثانياً: المعجزة التي يقدمها الرسول.


وقد توفرت كل الأدلة والبراهين التي تؤكد على صدق رسالته وصدق نبوتهن ليس فقط لأننا نُدين به نقول ذلك، إنما بالعقل المجرد وبشكل موضوعي، فإذا درس الإنسان حياة الرسول ، يكتشف صدقه وأحقيته، لقد عاش في قومه أربعين سنة ما عرف عليه الناس كذبة في قول أو خطلة في فعل، بل كان معروفاً في قومه بالصادق الأمين طوال تلك الفترة، وكانوا يودعون عنده أماناتهم، طيب فهذا الإنسان الذي كان أربعين سنة بهذه السيرة، وبهذا السلوك، فهذا يدعم صدق دعواه.

ثم أن الرسول كان أمياً لم يكن يقرأ أو يكتب، ولم يعش في جو ثقافي ولا جو علمي ولا جو يمارس دوراً اجتماعياً، ما كان للرسول دور اجتماعي بمعنى أنه يتبنى توجه معين أو تيار معين في حياته قبل النبوة أبداً وإذا بشكل فجائي، يأتي للناس وهو يحمل إليهم هذا القرآن ويتحداهم به ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (العنكبوت، 48).

وإذا به يتحداهم ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (البقرة، 23).

ولم يستطيعوا أن يستجيبوا لهذا التحدي كل ذلك يدل على صدق دعواه وعلى أحقية رسالته ونبوته.

عاش (23) عاماً وهو يبلغ تلك الرسالة في مجتمع جاهلي متحارب يعيش متناحر على هامش الحياة في ذلك العصر معروف أن المجتمع العربي والجزيرة العربية ما كان فيها حضارة آنذاك ما كان فيها مجتمع متماسك وإنما قبائل متناثرة تسودها الحروب والعداوات، ولكنه بجهده وجهوده وبتحمله وبتوفيق الله تعالى له استطاع أن يحول تلك القبائل المتناثرة المتنازعة إلى أمة تصبح خير أمة أخرجت للناس وتصحيحاً هذه الأمة هي رائدة الحضارة وقائدة البشرية، فلم يقصر رسول الله ، بذل كل جهده في هداية الناس وتوجيههم، وتبليغ هذه الدعوة وبناء هذه الأمة وإلى آخر لحظة من لحظات حياته وهو مهتم بمصلحة هذه الأمة، الخطبة التي خطبها في منى في حجة الوداع والتي نقلنا بعض الفقرات منها تفيض بالحرص والاهتمام على مستقبل الأمة، يخاطب الناس :

«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا»، أي يوم يعنيه الرسول ؟ هو يوم عيد الأضحى. وأي شهر؟ هو ذي الحجة الحرام، «في بلدكم هذا» المشاعر المقدسة. والمعنى أن الرسول كان يريد أن يوجه الناس للاهتمام بحقوق بعضهم البعض، دماء الناس حرام، يجب على المرء أن يأخذ حذره ولا يتورط بشيء منها، أموال الناس حرام، لا يعتدي على شيء من أموال الآخرين وعلى سمعتهم وكرامتهم وشخصيتهم، هذه لها حرمة، ثم يحذر رسول الله المسلمين، وكأنه يقرأ المستقبل وهو لديه علم من الله سبحانه وتعالى، «لا ترجعنَّ بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض»، النبي يحذر المسلمين من التفرقة من الصراع من الخلاف من العداوات، فهذا ضلال، لا ترجعن ضلالاً بعد أن هداكم الله إلى الإسلام الذي ألف بينكم ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا (آل عمران،103)، بعد تلك الوحدة التي أرساها رسول الله بين المسلمين، كان حريصاً على الحفاظ عليها.

وفي هذه الليلة سنركز على موضوع الوحدة باعتبارها الموضوع الذي ركز عليه الرسول وركز عليه القرآن إلى جانب ربوبية الخالق والعبودية لله، هناك تركيز على الوحدة : ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (المؤمنون، 52).

إلى جانب التركيز على ربوبية الله التركيز على وحدة الأمة، الوحدة يمكن أن نتناولها ضمن أبعاد ثلاثة:

البعد الأول: وحدة الأمة.


هذه الأمة الإسلامية التي كانت أمة واحدة واستمرت لفترة طويلة من الزمن رغم أن هناك خلافات داخلها، لكن الحالة العامة للأمة كانت هناك وحدة كان هناك هيكل واحد، كان هناك جسم واحد يجمع هذه الأمة وإلى ما قبل ثلثي قرن يعني إلى سنة 1924 ميلادية يعني قبل 73 سنة كانت هذه الأمة تعيش ككيان واحد كدولة واحدة، سنة 14924 م ألغيت الخلافة العثمانية، وبالتالي ألغيت الوحدة الظاهرية التي كانت سائدة على الأمة الإسلامية.

وتلك الدولة الواحدة والأمة الواحدة التي كان المسلمون في بلدانهم كبلد واحد لم تكن فيها حدود ولا كان فيها أعلام متعددة ولا زعامات متعددة ولا جوازات ولا تأشيرات ولا إقامات، المسلم في أي أرض إسلامية هو مواطن لأنها كانت دولة واحدة ، لكن فيما بعد و للأسف تمزقت الأمة، والدولة الواحدة أصبحت أكثر من خمسين دولة الآن وكل دولة لها حكومتها ولها حدودها ولها علمها ولها شعارها ولها جوازها، وعملتها ويا ليت أن المسألة وقفت عند هذا الحد ولكن الأمة تقسمت على دول ليست مسالمة فيما بينها مع الأسف أصبحت هناك حروبا وصراعات بين هذه الدول، عدنا إلى الحالة القبلية كما كانت سابقاً القبائل تتحارب على مساحات من الأرض تتحارب وتتصارع على الكلأ والمرعى.

الآن أيضاً الصراعات الحدودية الموجودة بين الدول الإسلامية، كأنها صورة مباشرة للخلافات التي كانت بين القبائل العربية، إن الأمة الإسلامية الآن عددها مليار وثلاثمائة مليون نسمة في العالم (20%) من أبناء البشرية هم مسلمون، ويسيطرون على (20%) من مساحة الكرة الأرضية، ولكن مع الأسف متفرقون متمزقون، وذلك هو من أسباب تخلفهم، بل هو السبب الرئيس لتخلفهم، أمة مكونة من مليار وثلاثمائة مليون تأتي شرذمة من اليهود كم عدد هؤلاء اليهود في العالم شرذمة محدودة لو وضعوا أمام دولة واحدة من الدول العربية والإسلامية لما استطاعوا أن يقفوا أمامها أقل من عشرين مليون في العالم، ولكن هذا العدد البسيط يحتل مكاناً مقدساً لهذه الأمة وبكل عنجهية، ويمارسون الاستفزاز لهذه الأمة، ومن أمثلة تلك الاستفزازات أنه في إحدى السنوات الماضية قام بعض المستوطنين الصهاينة برسم صورة خنزير وكتبوا تحتها اسم رسول الله ، ما هذه الجرأة ما هذه الوقاحة، لو كانت للمسلمين هيبة لو كانت للمسلمين قيمة هل تمكن هؤلاء أن يفعلوا هذا العمل في وسط بلاد المسلمين في قلب بلاد المسلمين وأين ؟؟! في الأراضي المحتلة في فلسطين في القدس في قلب بلاد المسلمين يتجرؤون ويمارسون هذه الإهانة واحتلالهم للأرض المقدسة وعنجهيتهم وتعاملهم مع المسلمين.

يقول رئيس وزراء إسرائيل بكل وقاحة، الشرق الأوسط ما هو إلا حديقة أطفال فقطـ، يعتبر الشرق الأوسط كله حديقة أطفال، يقول الشرق الأوسط فيه أيادٍ عاملة وفيه ثروات ولكنه يحتاج عقول مفكرة إذا أضيف العقل الإسرائيلي إلى الأيدي العاملة العربية وإلى الثروات العربية، تصنع جنة صناعية في الشرق الأوسط، يعني اليهود لا بد أن يكونوا هم العقول المدبرة، ونحن خدم، أيادي عاملة لهم، هذا ما يريدونه، هذا ما يخططون له، وقال أحد المسؤولين الصهاينة كلمة كفر ، وناقل كلمة الكفر ليس بكافر، لكن لكي نرى ما تفكيرهم، يقول: إن وجود النفط في تلك المناطق حسب تعبيرهم خطأ إلهي المفروض أن تكون في الضفة الأخرى ووجودها في بلاد المسلمين خطأ، يعني أن المسلمين لا يستحقون أن تكون آبار النفط عندهم.

هكذا يفكر الصهاينة، مليار وثلاثمائة مليون توجه إليهم هذه الإهانات وهذه الاستفزازات من الشرذمة، لماذا ؟

لأننا متمزقون متفرقون. سئل رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، كيف انتصرتم على العرب وهم عشرون جيشاً وأنتم جيش واحد، عشرون جيشاً أمامكم وأنتم جيش واحد، قال هذا هو السبب، انتصرنا عليهم لأنهم عشرون ونحن واحد، يعني لأننا متحدون وهم متمزقون متفرقون، وانظر إلى هذه الخلافات الحدودية الموجودة وعمل الاستعمار، ولكن ليس من المعقول إلقاء اللائمة على الاستعمار، ونحن من داخلنا أرضيتنا مهيأة للاستعمار، وإلا دولة إسلامية كبرى مثل تركيا تتحالف مع إسرائيل ضد الدول العربية وضد الدول الإسلامية بأي مبرر؟

هذا المبرر لولا وجود الحالة السيئة التي تعيشها الأمة ولولا نفوذ الأعداء في وسط الأمة. ولكن السؤال هو: هل يمكن أن تستعيد الأمة الإسلامية وحدتها؟

﴿ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ (يوسف، 87)، نحن نتوقع ذلك في الأخير نؤمن أن مستقبل الأمة هو للتوحد مستقبل الأمة هو للانطلاق، وستتوج هذه الصحوة الإسلامية المباركة ستتوج إن شاء الله بظهور إمامنا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه، والذي سيجدد دين جده، وسيجدد دور جده رسول الله ، هذا حديث موجز عن الوحدة الإسلامية.

البعد الثاني: وحدة المواطنين.


ماذا عن وحدة المواطنين، صحيح نحن كمسلمين نعتبر أن الوطن الإسلامي وطن واحد والحدود الموجودة نعتبرها حالة طارئة في الأمة الإسلامية، لكن كأمر واقع هناك كيانات قائمة، كل بلد من البلدان يعتبر بلداً وله كيان سياسي معترف به في هذا العالم، وهذا الواقع الموجود، لا بد من التعاطي معه ضمن حدوده وضمن الحدود المشروعة ولذلك تجدون الآن أي جهة إسلامية في بلدها تعمل على هذا الأساس الُقطري، هي واحدة وليس هناك فرق بين بلدٍ وآخر وليس هناك حدود بين البلدان.

لكن كأمر واقع هذا الأمر موجود، أي جهة إسلامية تعمل على هذا الأساس حينما تقوم فئة إسلامية أو تقوم دولة إسلامية في أي بلدٍ من البلدان فإنها تعمل على أساس حكم ذلك البلد والدستور الذي تضعه لذلك البلد والقوانين وخصوصيات المواطنين في ذلك البلد، وإذا توجهت إلى أي دولة إسلامية وقلت لهم بأنك مسلم ومؤمن تريد جواز بلدهم ، أعطوني امتيازاتكم يقول لك لا هذا قانون دولي وقانون دولي حاكم على الجميع بالتالي هذه الكيانات القائمة أمر واقع في الإسلام.

قد نجد أيضاَ ما نستوحي فيه عدم البأس في التعاطي مع هذه الحالة مثلاً قضية الجوار، الإسلام يعتبر للجار حقاً مميزاً هذا الجار الذي يوصي به الإسلام ، ما هي العلاقة بينك وبينه ؟ قد لا تكون العلاقة بينك وبينه دينية، يمكن هو من دين آخر، قد لا تكون مذهبية، يمكن من مذهب آخر، حق الجوار وحسن الجوار لا يقتصر على من يشابهك في الدين أو في المذهب وهذا ثابت عند كل المذاهب وكل العلماء، إن حق الجوار وسن الجوار ورد في الحديث: «أحسن إلى من جاورك مسلماً أو غير مسلم».

حسن الجوار هذا، ما هو الرابط بينك وبين الجار؟ الأرض لأنه يسكن أو يجلس على أرض قريبة من الأرض التي يسكن أو يجلس عليها، فإذاً الارتباط الذي بينك وبينه إنه هو يعيش على نفس الأرض التي أنت تعيش عليها، كونه يعيش قريباً منك هذا تترتب عليه حقوق تترتب عليه توجيهات وتترتب عليه تعاليم ومن الناحية العقلية حينما يكون أناس في سفينة أو في طائرة ولربما أديانهم مختلفة عقائدهم مختلفة انتماءاتهم مختلفة لكن يصبحون في وضع واحد ومصير واحد هذه السفينة إذا غرقت الجميع يغرق، وإذا سلمت الجميع يسلم، إذاً فيه مصلحة مشتركة.

المواطنون في أي بلدٍ من البلدان في حالتين:

تارة يكون الشعب متجانساً: يعني هوية الشعب هوية واحدة دينه واحد مذهبه واحد قوميته واحدة انتماؤه واحد هذا شعب متجانس.

في بعض الأحيان يكون الشعب غير متجانس، المجتمع غير متجانس، وإنما تعددي يعني إما أديان مختلفة ضمن المواطنين، ومذاهب مختلفة ضمن المواطنين وقوميات مختلفة ضمن المواطنين.

لا يوجد الآن شعب من شعوب العالم يمكن أن يصنف أنه شعب متجانس إلا بشكل نادرٍ جداً، كل البلدان كل الدول كل الأوطان فيه تعددية في داخل الشعب، لكن البلدان تختلف، بعض البلدان حتى لو كان المواطنين يختلفون في أديانهم في مذاهبهم في قومياتهم يسودهم قانون واحد وحقوق واحدة وانسجام بينهم ويعيشون وحدة يطلق عليها وحدة وطنية يعني مع اختلافهم في التوجهات، لكن هناك مصلحة مشتركة هي مصلحة الوطن الواحد التي تجمعهم فيطلق عليها وحدة وطنية، في بعض الحالات شعب فيه تعددية لكن ليس فيه انسجام في داخله إما فيه قومية مسيطرة على قومية أخرى وتتعامل معها بنظرةٍ دونية أو دين يسيطر على بقية المواطنين من الأديان الأخرى أو مذهب يسيطر على بقية المذاهب الأخرى، وليس فيه انسجام ولا حالة من الوحدة الوطنية.

طبعاً الوحدة الوطنية تخدم الوطن، بينما إذا كانت الوحدة ضعيفة إذا لم يكن هنالك انسجام بين المواطنين، هذا ليس في صالح الوطن، وإذا لم يكن هناك انسجام بين المواطنين وتساوي بين المواطنين هذا يجعل الوطن مفتوحاً على مختلف الاحتمالات، فإنه من الممكن أن يستفيد الأعداء من هذه الحالة وممكن المصلحيون يستفيدون من هذه الحالة، وتصبح صراعات وخلافات ينشغل المواطنون ببعضهم البعض، بدل أن يتوجهوا إلى خدمة وطنهم، وهذا ما نراه في بعض البلدان.

الآن السودان بلد عربي إسلامي أكثرية السكان في شمال السودان مسلمون، وفي جنوب السودان هناك أقلية غير مسلمة مسيحيون وقلة وثنيون، لكن مع الأسف بسبب التنوع الديني يعني وجود مسلمين ووجود أناس في جنوب السودان غير مسلمين ولم يحصل انسجام ولم يحصل حالة تساوي في الحقوق والواجبات، استغل الاستعمار هذه الحالة، لذلك نرى الآن الحرب القائمة في جنوب السودان، والسودان بلد فقير، بالكاد تتوفر لهم الإمكانات، في حاجة إلى مساعدة الدول الأخرى، بينما الآن الكثير من إمكاناته تذهب على هذه الحرب الدائرة في جنوب السودان.

في تركيا نفس الحالة، تركيا هناك أكراد، الأكراد عندهم شعور بأن وضعهم غير طبيعي، يقع عليهم اضطهاد قومي، لا يمارسون طقوسهم ولغتهم بحرية وليس عندهم حقوقهم الكاملة كما يعتقدون ذلك، ولذلك يواجهون الحكومة التركية، تنفق تركيا في كل عام عشرة مليارات دولار على الصراع مع الأكراد، الحروب الموجودة في تركيا، الصراع الموجود في تركيا بين الأكراد وبين الأتراك بين الحكومة التركية حصد له حتى الآن أكثر من عشرين ألف قتيل، وربما تابعتم في الأيام الماضية كيف أن الجيش التركي دخل إلى شمال العراق وكل يوم يصدر بياناً قتلنا ألفاً قتلنا ألفاً وثلاثمائة، قتلنا ألفين وثلاثمائة، هل هم صراصير وحشرات وليسوا بشراً؟ أليسوا مواطنين ومسلمين؟! لكن بسبب عدم وجود حالة من الانسجام، أصبحت هذه الحالة بين المسلمين.

والمثل المؤلم أفغانستان، أنظروا هذه الحرب الدائرة الآن في أفغانستان، الحرب المدمرة التي لم تنتهي، أكثر من ست أو سبع سنوات والشعب يعيش حرباً مدمرة وكلهم مسلمون، وكلهم أبناء وطن واحد، لكن كل فئة تريد أن تسيطر على الفئة الأخرى والأعداء يستغلون هذه الحالة، مثال آخر في باكستان بلد مسلم وكلهم مسلمون وكانوا يعيشون حالة وئام وخاصة حينما استقلوا كدولة إسلامية وانفصلوا عن الهند الشيعة والسنة كلهم تعاونوا وبنو هذه الدولة، في باكستان محمد جناح دوره لا ينكر، دوره معروف، قبل يومين فقط سمعت في الأخبار شخصية من شخصيات الشيعة تغتال في باكستان، شخص شيعي إن صحت الأخبار متحمس مندفع وربما يكون غير شيعي وإنما شخص جاء متسللاً حتى يؤجج الفتنة، يدخل إلى مسجد من مساجد المسلمين السنة، جماعة يصلون ويطلق عليهم كلهم ويقضي عليهم وهم يصلون في بيت الله، هل هذا الشيء يريح النفس؟ هل هذا الشيء يقبله العقل أو يقبله الدين؟ كيف تحصل هذه الحالات؟ إذا لم يكن انسجام بين المواطنين إذا لم يكن تساوي بين المواطنين بحيث يكونون كلهم سواسية ويتعاونون مع بعضهم البعض، فإن الأعداء يستغلون إذاً تلك الحالة، هذا بالنسبة للوحدة الوطنية.

البعد الثالث: ا لوحدة الاجتماعية.


أي مجتمع من المجتمعات ضمن دين معين وضمن مذهب معين، وأي مجتمع يؤمن بمذهب معين وبخط معين هذا المجتمع كلما كان متعاوناً كلما كان متكاتفاً وكلما سادت أجواءه القيم، قيم المحبة وقيم التعاون، يصبح مجتمعاً قوياً مجتمعاً متقدماً، أما إذا سادت المجتمع خلافات ، تحدث تفرقة وتمزق، هذا ضد هذا، هذا يعبئ هذا ضد هذا، هذا المجتمع لا يمكن أن يصبح قوياً أو أن يتقدم ﴿ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال، 46)، التنازع يسبب الفشل، يسبب ذهاب القوة وخاصة إذا كان المجتمع يواجه تحديات، يواجه ظروفاً معينة عليه أن يقوي وحدته وتماسكه والمفروض أن المجتمع الذي ينتمي إلى أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، هذا المجتمع لا بد أن يكون من أكثر المجتمعات تماسكاً، لأن أهل البيت يوجهون أتباعهم وتلامذتهم وشيعتهم إلى التعاون وإلى التعاضد.

يأتي رجل ، يدخل على الإمام الصادق ، قادم من الأهواز، يسأله الإمام عمن خلفه يقول له: الحمد لله شيعتكم هناك كثير، يحبونكم يوالونكم، الإمام يسأله: هل يجود غنيهم على فقيرهم، قال له: قليل يا ابن رسول الله، قال: هل يعود صحيحهم مريضهم قال : قليل يا ابن رسول الله قال: هل يدخل أحدهم يده في جيب صاحبه فلا يقول له شيء قال له: لا . هذه الحالة ليست موجودة عندنا يا ابن رسول الله قال: إذاَ كيف تقول شيعتنا؟! والله ما هم لنا بشيعة إذا لم تسودهم حالة تعاون وتماسك وتلاحم.

أين الولاء لآل البيت؟ الإمام الصادق يأمر المفضل بن عمر فيقول له: إذا رأيت شخصين يتنازعان من شيعتنا فافتدهما من مالي، أدفع لهما فقط حتى تصلح بينهما. فالإمام لا يريد أن يحدث نزاع ولو بين اثنين.

فهل يرضي أئمتنا لو اطلعوا على بعض أوضاعنا ورأونا كيف أصبحنا في بعض الأحيان وكأننا لسنا ضمن توجه واحد، وحالة واحدة ومذهب واحد، وما هو المبرر لهذه الخلافات، وما هو المبرر إذا كان الاختلاف في بعض الآراء وفي بعض الأفكار، إن الاختلاف ليس مبرراً للنزاع والخلاف، كل واحد له قناعاته وله توجهه، أنا مقتنع بفكرة، وأنت لست مقتنعاً بها ضمن الدين الواحد أو المذهب الواحد، أنا لي قناعتي وأنت لك قناعتك، ليس صحيحاً أن تكون هناك عداوات بسبب الاختلاف في القناعات.

عجيب كيف يجيز بعض الناس لأنفسهم أن يعادوا إخوانهم المسلمين المؤمنين أو يشهروا بهم، لا لشيء، إلا لأنهم يختلفون معهم، هذا فكرته كذا، وهذا رأيه كذا، وما دخلك فيه؟ هو يتحمل مسؤولية رأيه هو يتحمل مسؤولية فكرته أنت تعاديه لأنه يحمل رأياً معيناً هذا يشبه أن تعادي واحداً، أنا أسألك لماذا تعاديه؟ لأن ثوبه كذا لأن ثوبه من النوعية الفلانية لأنه يلبس غترة بيضاء لأنه يلبس غترة حمراء .. وما عليك منه ولباسه ؟ تعاديه لأنه لبس هذا اللباس !

ليس لك حق، وبشكل أجلى وأوضح لا يحق لك أن تعادي أحداً لأن له فكرة معينة ولأن له رأياً معيناً أو الاختلاف في الانتماءات المرجعية هذا يقلد المرجع الفلاني وهذا يقلد المرجع الفلاني المراجع كلهم يستقون من نبع واحد من نمير واحد يرجعون إلى أحاديث أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، فلماذا نحن نتنازع فيما بيننا؟ فالتقليد، لا يجب أن يسبب اختلافات أو حساسيات، وبالنسبة للتقليد أنت مقتنع بمرجع معين تقلده، هذا بينك وبين ربك، أنا عندي نظرة أخرى أقلد مرجعاً آخراً، عندي وجهة نظر أخرى أنا على رسلي وأنت على رسلك، وما مقدار الاختلاف بين المراجع؟ نسبة ضئيلة جداً من المسائل الفقهية فيها اختلاف، هذا لا يعني أن نصبح بهذه الصورة.

مع الأسف هنالك فرز في المساجد في حملات الحج، فرز في المجالس هذا مسجد لهذه الجماعة وهذا مسجد لتلك الجماعة، هذا إمام يصلون وراءه فقط هذه الجماعة، والله إن أئمتنا تدمى قلوبهم من هذه الأحوال والأوضاع، نحن نريد أن نسر قلب صاحب الأمر والزمان، أم نريد أن نسخطه؟ نريد أن نوجه الطعنات إلى قلب أئمتنا وإلى قلب صاحب الأمر والزمان؟ ألا يعلم الواحد منا إذا تكلم على إخوانه المؤمنين ويعبئ ضدهم إنما يوجه الطعنات إلى قلب صاحب الأمر والزمان، وأصبحت هذه الحالة تفرق بين الأخ وأخيه، أصبحت تدخل حتى في قضايا الزواج على ما أسمع هذا من هذه الجهة لا يتزوج امرأة من تلك الجهة، سبحان الله، المؤمن كفء المؤمنة، ما هذا الكلام الشيطاني، ما هذا الكلام الطفولي وإلى متى تكون هذه الأحوال والأوضاع؟!
 

اللهم أصلح أمورنا، الله أجمع قلوبنا على التقوى، اللهم اجمع كلمتنا يا رب العالمين، فذلك هو ما يرضي نبينا وهو ما يرضي أئمتنا (صلوات الله وسلامه عليهم).
حسينية الخرس - الاحساء، 28 صفر 1418هـ