إرادة النجاح

بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  صدق الله العلي العظيم ..


تمهيد


الإنسان المؤمن ينظر إلى هذه الحياة الدنيا باعتبارها ممر وباعتبار أن الإقامة فيها إقامة محدودة أما الحياة الحقيقية والحياة الدائمة فهي في الآخرة ﴿وإن الدار الآخرة لهي الحيوان وتوجد آية أخرى ﴿فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل وإن الآخرة لهي دار القرار فالخلود والبقاء إنما هو في تلك الدار في الآخرة أما الدنيا فهي مجرد قنطرة ومجرد ممر يمر عبره الإنسان إلى تلك الدار الآخرة واعتقاد الإنسان المؤمن بالآخرة هو الذي يعطي الدنيا معنى وقيمة وإلا فالحياة الدنيا لا معنى لها ولا قيمة لها إذا لم تكن هناك دار الآخرة .

نتيجة الإيمان بالآخرة


ما معنى أن نعيش في هذه الحياة فترة محدودة مع ما في الحياة من صعوبات ومن مشاكل ومن عقبات ثم يكون الخروج من هذه الحياة الدنيا أيضاً فيه صعوبة على الإنسان نفسه وعلى من حوله ما معنى هذه الحياة من دون الآخرة ، تكون الحياة عبث لماذا يخلق الله هذه الدنيا نعيش فترة ثم نوت ويسدل الستار على المسرح وانتهى كل شيء لذلك يقول تعالى: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون إذا لم يوجد رجوع إلى الله إذا لم يوجد معاد إذا لم توجد الآخرة ، الحياة لا قيمة لها عبث وتعالى الله عن العبث بالإضافة إلى ذلك الاعتقاد بالآخرة هو الذي يجعل الإنسان يستشعر المسؤولية في أعماله وتصرفاته ومواقفه لن هناك دار أخرى سيحاسب وسيجازى وسيعاقب وسيثاب وإما إذا لا توجد آخره ﴿وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر . لا يشعر الإنسان بالمسؤولية ما دام يعتقد أن لا حساب أمامه ولا سؤال ولا محاسبة، لا يشعر بالمسؤولية فالاعتقاد بالآخرة هو الذي يجعل الإنسان يستشعر المسؤولية في هذه الحياة .

من ناحية أخرى الآخرة تجسيد وتحقيق كل العدل الإلهي والعدالة الإلهية نحن نرى في هذه الحياة الدنيا كيف أن الكثيرين من الناس يمارسون الظلم تجاه الآخرين ، يمارسون العدوان على الآخرين ثم يموت الظالم والمظلوم وانتهى كل شيء ثم يموت المعتدي والمعتدى عليه وانتهى كل شيء هذا خلاف العدل وغالباً ما تكون هناك فرصة في الحياة الدنيا للانتقام من الظالم لا أقل الانتقام المتناسب لظلمه قد يلاقي الظالم بعض جزاء ظلمه لكن هناك بعض الظلمة لا يمكن أن يكون لهم جزاء لا يمكن أن يكون هناك عقوبة توازيه في هذه الحياة الدنيا ، قبل أيام أُعلن عن موت الخميَر الحمر في كمبوديا بول بوت يقولون انه مسؤول هو وعصابته حينما حكموا كمبوديا منذ سنة 1975 إلى سنة 1979 حوالي أربع سنوات وخلال السنوات الأربع قتل أكثر من مليوني شخص في حقول الموت وكانوا يجمعون جماجم الموتى وعظام الموتى ويكوموها على شكل جبال هذا الشخص مات وهلك وانتهى إلى النار وبئس القرار لكن بعدما قتل مليوني شخص يموت بسكتة قلبية وانتهى كل شيء أين عدالة الله هذا يجب أن يأخذ جزاء ظلمه وعدوانه وطغيانه. إذا لم توجد الآخرة فكيف يقتص من هذا الظالم ، هذا الظالم الطاغي صدام الحاكم في العراق كم بطش وكم طغى وكم ظلم خلال الحرب العراقية الإيرانية أكثر من مليون ضحية في إيران ، حرب الخليج الثانية، في وسط الشعب العراقي ماذا يعمل هذا الطاغية؟ قبل أيام نشرت تقارير سمعتم عنها وقرأتموها ابنه يدور على بعض السجون رأى بعض السجون مكتظة فأمر بتطهير السجون يستعمل هذه العبارة ألف وخمسمائة شخص أعدموا بأمر واحد من المؤمنين من النجف ومن كربلاء ومن البصرة وأرجعوا جنائزهم إلى أهلهم بشرطين الشرط الأول أن لا يعملوا أي تشييع أو جنازة أو فاتحة. والشرط الثاني أنه كل عائلة تدفع ثمن الرصاص الذي قتل فيه ولدها! لماذا يخسروا قيمة الرصاص الذي قتلوه به؟ يجب أن يسلموا قيمة الرصاص!

حسناً مثل هذا الظالم، الطاغي كيف يلقى جزاؤه في هذه الدنيا صدام كيف يحصل على عقوبته وكيف يلقى جزاءه في الدنيا هل يقتل مرة واحدة في مقابل هذه المظالم والطغيان وهذا العدوان ويكفي أن يقتل وينتهي كل شيء لا ، الاعتقاد بالآخرة هو الذي يحل لنا هذا الإشكال نحن نعتقد بالآخرة ، في الآخرة يلقى الظالم جزاءه الجزاء المتناسب مع ظلمه هناك لا يقتل بالعكس يتمنى الظالم الباغي الطاغي أن يموت ﴿ليقضي علينا ربك دعنا نموت نريد أن نموت في دار جهنم لكن ﴿لا يقضى عليهم فيموتوا يبقى دائماً يتعذب ويتعذب جزاءاً لظلمه وطغيانه.

فالمؤمن يؤمن بالآخرة ويرى أن الدنيا مجرد ممر وفترة مؤقتة ومحدودة وبالدين وعبر الرسالة الإلهية الإنسان يريد أن يرتب أوضاعه في الآخرة لكن ذلك لا يعني التغافل عن الحياة الدنيا. صحيح نحن نريد أن نرتب أمورنا في الآخرة والإنسان المؤمن يريد أن ينجح ويفوز في الآخرة لكن هل تهمل الدنيا في حياة المؤمن وفي برنامجه؟ كلا! الإنسان المؤمن يجب أيضاً أن يسعى للنجاح في الدنيا كما يسعى للفوز والنجاح في الآخرة ، المؤمن لا يترك الدنيا المؤمن لا يهمل الدنيا وإنما يريد ويسعى لكي يكون ناجحاً في الدنيا أيضاً وهذه تعاليم الإسلام التي توجهنا بهذا الاتجاه ، الآية الكريمة تمثل دعاء مهم وعظيم للإنسان المؤمن لئن يدعو به ربه ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة يعني يجب أن ننجح في الدنيا وننجح في الآخرة الإنسان المؤمن يريد النجاح في الدنيا وفي الآخرة ، ما هي الحسنة في الدنيا ؟ الإمام جعفر الصادق يفسر الحسنة في الدنيا يقول: «الحسنة في الدنيا معناه المعيشة وحسن الصحبة». الوضع الاجتماعي الذي نعيشه المحيط الاجتماعي الذي نعيش فيه منسجمين معه هذا ما تعنيه ﴿في الدنيا حسنة وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق يقول: «الحسنة في الدنيا معناه الرزق وحسن الخُلق». أن يكون رزق الإنسان واسعاً وأخلاقه تكون جيدة.

المؤمن يطلب النجاح في الدنيا وألآخرة


إذا الإنسان المؤمن في الدنيا يطلب من الله المعيشة وسعة الرزق فيكون النجاح في هذه الدنيا ورد في الصحيحين بخاري ومسلم أن الرسول كان أكثر ما يدعو بهذا الدعاء: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ». طبعاً نص الآية يقول ( ربنا آتنا ) لكن في الأحاديث كان يدعو ويقول ( اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ). وتنقل رواية طريفة ينقلها المفسرون أن الرسول افتقد أحد أصحابه لم يره منذ فترة فسأل عنه فقالوا له أنه قد أصبح من شدة الابتلاء ومن شدة المرض كأنه فرخٌ نتف ريشه فقال الرسول ( قوموا بنا إليه ) ذهب الرسول إليه رآه بالفعل أن المرض قد أهلكه فقال له الرسول : ( لعلك كنت تدعو دعاءاً فما هو الذي كنت تدعوه وتواظب عليه ) قال : كنت أدعو دائماً وأبداً وأقول ( إلهي أي عقوبة تريد أن تعذبني بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا ) فقال الرسول : ولماذا لا تدعو ربك وتقول ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ) هل هو كثير أن تطلب من الله الخير في الدنيا والآخرة.

إذاً الإنسان المؤمن يريد النجاح أيضاً في هذه الدنيا ويريد التوسعة في معيشته في هذه الدنيا بل يريد أن يكون أنجح من الآخرين ، الإنسان المؤمن يجب أن يسعى لكي يكون أنجح من الآخرين في أمور وشئون الدنيا أيضاً آيات عديدة في القرآن الكريم ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ليست حياة سيئة في الدنيا أيضاً نحييه حياة طيبة والإنسان المؤمن يجب أن يكون أفضل من غير المؤمن ليس في الآخرة فقط بل في الدنيا أيضاً ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين . المؤمن يجب أن يكون هو الأعلى في هذه الحياة الدنيا أيضاً في جانب القوة القرآن الحكيم بكل وضوح يقول: ﴿إن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس. يجب أن تكون أفضل أمة المجتمع المؤمن يجب أن يكون أحسن من بقية المجتمع في قضايا الدنيا وفي قضايا الآخرة هذه مسلم عند الله لكن في قضايا الدنيا يجب أن يكون أفضل وفي الحديث «إن الله يحب المؤمن القوي ويكره المؤمن الضعيف».

علماء الأخلاق من المسلمين عندهم نقاش أيهما أفضل الغني الشاكر أم الفقير الصابر النصوص تقول الغي الشاكر خير من الفقير الصابر لأن الفقير الصابر كفى نفسه صابراً كصفة وحالة شخصية لكن الغني الشاكر ينفع غيره بغناه وثروته وشكره لغناه وثروته تنعكس على الآخرين ولهذا ورد في الحديث «نعم العون على تقوى الله الغنى» وفي نص آخر « نعم العون على الدين الغنى» فالإنسان المؤمن والمجتمع المؤمن يجب أن يكون ناجحاً بل أنجح من الآخرين ، لماذا يجب أن يكون المؤمن ناجحاً في هذه الحياة الدنيا يكفينا أن ننجح في الآخرة لأن الآخرة أهم ، عندنا روايات وأحاديث كثيرة أن الغني والفقير بعد العرض على الله سبحانه وتعالى بعدما تعرض هناك المهم في الدنيا ليس مهماً وفي الحديث (\\« لا خير في خير بعده النار ولا شر في شر بعده الجنة ».

النجاح في الآخرة لا يكفي وحده


فإذاً هل يكفينا أن ننجح في الآخرة فقط؟ لا ، يجب أيضاً أن ننجح في الدنيا لماذا ؟ لسببين :

السبب الأول: السبب من وجود الإسلام.

أن الإسلام لماذا جاء ، الدين لماذا جاء للبشرية جاء لكي تكون طقوس وعبادات لهم فقط ، الدين جاء لكي يبني حضارة إنسانية للبشرية الدين جاء ليدل الإنسان كيف يعمر الحياة وكيف يعمر الأرض ( هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، الدين مشروع بناء حضارة إنسانية واستثمار لخيرات الكون ولذلك الإنسان المؤمن يجب أن يكون عنده مشروع بناء حضارة إنسانية بناء تقدم إنساني بشري هذا أولاً.

السبب الثاني: لضمان قوة المؤمن.

لأن المؤمن إذا كان قوياً يكون في موقع التأثير على الآخرين وإذا كان ضعيفاً يكون في موضع التأثر الله تعالى يريد للإنسان المؤمن وللمجتمع المؤمن أن يكون في موقع التأثير وليس في موقع التأثر اليد العليا خير من اليد السفلى إذا صحبت أحداً واستطعت أن تكون يدك عليا فافعل اجعل نفسك في موضع أفضل المجتمع المؤمن إذا كان في موقعيه أقوى يؤثر على الآخرين بينما إذا كان في موقعيه ضعيفة يتأثر بالآخرين. هذه حقيقة واقعية ولذلك نجد أن الكفار الغربيين لا يريدون للمسلمين أن يتقدموا في حياتهم الدنيا نصلي نبني مساجد نبني حسينيات نعمل شعائر دينية هذا لا يهمهم كثيراً ما يهمهم أن لا نمتلك التكنولوجيا ألا نتقدم صناعياً واقتصادياً.

يقولون أن المندوب السامي البريطاني أول ما جاء للعراق عندما صار وقت الأذان سمع المؤذنين يؤذنون فتعجب لأن أصوات الأذان رفيعة في كل مكان قال ما هذا؟ قالوا هذا الأذان. ما هو الأذان؟ شرحوا له إن المسلمين في وقت الصلاة يؤذنون وشرحوا له معاني الأذان. فقال هل يؤثر هذا شيئاً على أوضاع النفط؟ قالوا لا. وعلى أسعار السوق؟ قالوا لا. فقال دعهم يؤذنون حتى يشبعوا.

هم يهمهم أن المسلمين لا يتقدموا في مجالات الحياة لأن المسلم عنده رسالة وإذا أصبح في موضع تقدم يسخر تقدمه لصالح رسالته ونرى الآن حرب مستعرة في مختلف المجالات الآن العالم المتقدم عنده حرص شديد حتى لا تنتقل التكنولوجيا إلى العالم الثالث بعض التخصصات الدقيقة الآن في الجامعات الأمريكية لا يسمح لطلاب من العالم الثالث أن يدرسوا فيها ، التصنيعات والابتكارات والاختراعات الإلكترونية التكنولوجية المتطورة المتفوقة لا يسمحوا للعالم الثالث أن يأخذها وترون الآن كيف أنهم مفتحين عيونهم حتى لا تكون سحنة مثلاً ذاهبة إلى دولة إسلامية أو بلد إسلامي يراقبون حتى لا تصبح هناك برامج نووية للمسلمين.

انظر الحصار على إيران وعلى باكستان رغم علاقتهما بالغرب لكن لا يريدونهما أن تتقدما في برنامجهما النووي إسرائيل لا بأس أن تتقدم لأنها البنت المدللة عندهم فلا توجد مشكلة يتركونها تتقدم لأنها جزء منهم وهي امتداد لهم وتنفذ برامجهم لكن المسلمين لا يسمحوا لهم أن يمتلكوا برامج نووية أو تكنولوجيا متقدمة ولا يسمحوا أن يشق أبناء المسلمين طريقهم في التخصصات العلمية النادرة بالمقدار الممكن ، لماذا ؟ لا يريدون للمسلمين أن يكونوا في موقع التأثير والقوة.

قبل سنوات قرأت في مجلة اليمامة مقابلة مع وزير الزراعة السعودي يتحدث عن برامج الزراعة في البلد يقول لقد نصحنا الأمريكيين بأن لا نتوجه إلى الزراعة لكن نحن رفضنا لأنهم لا يريدون للمسلمين أن يتقدموا في أي مجال من المجالات يريدون لبلادنا أن تصبح لهم سوق وهكذا التنافس بين المجتمعات والصراع بين المجتمعات إذا وجد صراع بين مجتمع ومجتمع يحاول المجتمع القوي أن يمنع أبناء المجتمع الضعيف أو المستضعف من النمو لا يتركون لهم فرصة للدراسة في الجامعات والتقدم في مختلف المجالات، لماذا؟ لأنهم لا يريدون أن يكونوا في موقع قوة وتقدم.

هكذا يتعامل الكفار والمستكبرون مع المسلمين والمؤمنين لكن الإنسان المؤمن يجب أن يسعى للنجاح في هذه الدنيا السؤال هو كيف كل واحد يقول لا مانع نريد أن ننجح أريد أن أكون ناجحاً.

ما هو طريق النجاح للفرد والمجتمع ؟


نتحدث عن بعض النقاط العامة التي هي طريق للنجاح في أي مجال من المجالات مع وجود خصوصية في مجال دون آخر :

أولاً- الطموح والتطلع للنجاح.

أساساً إذا عنده طموح يتقدم هل عنده طموح يتفوق هل عنده تطلع بعض الناس لا طموح لديه ولا تطلع ، الهمم تتفاوت عند أبناء الناس وعند أبناء المجتمع وعند أفراد الناس بعض الناس عنده همة عالية وبعض الناس يقنع يرى الوضعية التي يعيش فيها ويرضى بها وحسب التعبير الشائع [ أقل ما فيها يكفيها ] وهذا ليس شعار المؤمن ، شعار المؤمن قول أمير المؤمنين علي «إن المرء ليطير بهمته كما يطير الطير بجناحيه»، وفي الحديث ( علو الهمة من الإيمان ) وفي دعاء الإمام زين العابدين «و أسألك من الهمم أعلاها » ؛ ليكن عندك طموح أيها الطالب الذي تدرس في المدرسة ولا تكتفي بعلامة النجاح فقط بل حاول أن تكون متفوقاً في دراستك وحاول أن تتطلع لأن يكون لك طموح ، التاجر أيضاً لا يكتفي بتجارة محدودة ولذي عنده عمل صناعي لا يكتفي بمستوى معين وهكذا في مختلف المجالات يجب على الإنسان أن يكون لديه طموح ولديه تطلع.

كثير من الناس مع الأسف تراه لا يبارح مكانه والمشكلة أن الذي لا يتقدم لا يحافظ على موقعه الذي لا يتقدم يتأخر الحياة حركة سريعة في مختلف المجالات الحديث «من تساوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يوميه شرهما فهم ملعون ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى نقصان ومن كان إلى نقصان فالموت خير له من الحياة ».

أين تعاليم الدين؟ أين واقعنا؟ أين طموحنا؟ انظر إلى الآخرين كيف تقدموا مصانع وشركات وتجارة واسعة وفروع في مختلف الأماكن ونشاط ومؤسسات وأعمال ونحن كل واحد منا على نفس دكانه قبل ثلاثين سنة نفس الدكان والوضعية أين الطموح ، المؤمن يجب أن يكون طموحاً يجب أن يكون متطلعاً بعض الناس عندهم بعض المفاهيم لا أدري هل بالفعل يؤمن بهذا الشيء ، لو يرى مثلاً شخص يتحدث عن الزهد وأننا نحن ماذا نريد من هذه الدنيا ونحن عندنا دين وولاية أئمتنا ؛ الدين وولاية الأئمة لها قيمة كبيرة والأئمة أنفسهم يدفعوننا إلى الطموح وأيضاً أنت بهذا الدين الذي لديك والإنسان المتدين إذا لم يكن واقعه قوي و متقدم فإن هذا لن يكون في صالح اعتقاده و دينه ، الإنسان الضعيف ليس له احترام في هذه الدنيا وبالتالي عقيدته ومبدأه ليس له أي احترام ، كلمة جميلة لأمير المؤمنين علي في نهج البلاغة والذي يجب على كل مسلم وشاب إن يقرأ نهج البلاغة وخاصة الكلمات الأخيرة والقصيرة فهي كلمات موجزة ومركزة ، عظيمة بليغة ، تلخص للإنسان أهم قضايا الحياة وتجاربها ، يقول الإمام «الفقر يخرس الفطن عن حجته» . حتى لو كنت فطناً ولديك أدلة وبراهين ومنطق قوي ولكن أنت ضعيف ليس وراءك شركات ولا مصانع ولا كفاءات علمية فمن يسمع منطقك ومن يسمع كلامك وأدلتك ، اجلس واكتب كتب حول الأدلة والبراهين على صحة معتقدك.

الدنيا لا تمشي بهذه الطريقة تعال وابني لك واقعاً قوياً وادخل في المنافسة ادخل في معادلة الحياة ، تفوّق تقدم شارك في بناء وطنك وفي بناء مجتمعك ، بمقدار ما يكون عندك إنسان مؤمن ومجتمع مؤمن بمقدار ما تكون عندك موقعية متقدمة ومتفوقة وفي هذا الوقت حجتك تسمع ومنطقك يكون له مجال للنشر «ويخرس الفطن عن حجته» لديه حجة وهو فطن لكن فقره وضعفه يجعله أخرس ولا تكون لحجته قيمة ولا لمنطقه ، الزهد ليس معناه أن الإنسان لا يمتلك ولا يتقدم وإلا فما معنى ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة والإمام الصادق يقول: «سعة المعيشة توسعة في المعيشة» ما معنى هذا الكلام ، يفسر أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب الزهد فيقول: «ليس الزهد أن لا تملك الشيء وإنما الزهد أن لا يملكك الشيء ». لا شيء يسيطر عليك أو يملكك بل أنت تملكه وهذا لا يخالف الزهد.

ينقلون عن الشيخ الورام وهو أحد العلماء جد السيد ابن طاووس عنده كتاب اسمه ( مجموعة ورام ) وهو عبارة عن مجموعة من المواعظ والإرشادات والتوجيهات تعتبر من مصادر الوعظ والإرشاد مجموعة ورام المعروفة ، أحد الناس المؤمنين قرأ كتابه ورأى عن الآخرة وعن الزهد وعن التطلع إلى ما عند الله وثواب الله وعدم قيمة الشهوات واللذات والدنيا فأراد في نفسه أن يرى الشيخ الورام الذي كتب هذا الكتاب كيف هي حياته ، وبالفعل توجه له إلى أن وصل إلى بلده وسأل عنه فجاءوا به إلى قصر فخم وخدم وحشم فسألهم هل هم متأكدون أن هذا هو منزل الشيخ الورام قالوا نعم وهو الذي كان يفكر أنه سيراه يعيش في كوخ أو شيء من هذا القبيل ، طرق الباب ودخل عنده وجلس وهو لا يصدق نفسه فسأله : هل أنت الشيخ الورام ، قال : نعم فقال له : هل أنت مؤلف كتاب مجموعة الورام قال : نعم ، قال هذا شيء عجيب فقال له ما هو العجيب قال لم أتوقع أن أراك بهذا الشكل فقال ماذا توقعت أن ترى ، قال توقعت أن أراك في كهف من كهوف الجبال أو على شاطئ من شواطئ البحار أو في كوخ من الأكواخ في الصحراء وأنت متفرغ للعبادة والتهجد وليس في قصر وخدم وحشم فقال له : حسناً ما رأيك أن أذهب معك في رحلة إلى كهف من الكهوف ونتعبد معاً في الطبيعة فقال : لا مانع من أن نذهب معاً ، فخرجوا معاً وبعد أن قطعوا شوطاً كبيراً من المسافة وإذا بنفس الرجل يقول : يا شيخنا لقد نسيت سبحتي في بيتك ، فقال له لا مشكلة إذا رجعنا إلى البيت ستأخذها ، فقال : يا شيخنا أنا متعلق بهذه السبحة كثيراً وهي سبحة ثمينة ولا أستغني عنها وأخاف عليها من الضياع فيجب أن نرجع لآخذ سبحتي ، فقال له نعود إلى البيت لكني لن أعود معك إلى أي كهف من الكهوف فقال له لماذا ، فقال له : أنا تركت القصر وكل الخيرات والنعم التي لدي في لحظة واحدة وأنت سبحة لا تستغني عنها تريد الرجوع لها وتخاف عليها من الضياع ، هذا هو الزهد الحقيقي ليس الزهد ألا تملك شيئاً بل الزهد ألا يملكك شيء أن يكون لديك منصبك ووظيفتك العالية هذا لا يخالف الزهد ما يخالف الزهد هو أن يكون منصبك ووظيفتك يمنعاك عن دينك فتكون ثروتك على حساب دينك هذا ما يخالف الزهد.

إذاً الطموح والتطلع كل إنسان مؤمن وكل مجتمع مؤمن يجب أن يكون عنده تطلع لا يقبل بالوضع الذي يعيشه حتى الأدعية التي نقرأها «يا مقلب القلوب والأحوال غير حالنا إلى أحسن حال» يعطي الإنسان طموح أن يطمح وأن يتطلع وأن يتقدم في حياته وواقعه .

ثانياً- التفكير والتخطيط للنجاح.

النجاح لا يأتي بشكل عشوائي ولا بشكل اعتباطي ولا بشكل اعتجالي ، الإنسان الذي ينجح في حياته السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو العلمي يجب أن يفكر ويخطط للنجاح يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «من أسهر عين فترته أدرك كنه همته» الذي يفكر ويخطط يصل إلى مقصده كفرد أو كمجتمع ، إذا مجتمع من المجتمعات يريد أن يغير وضعه إلى أفضل يجب أن يكون هناك تفكير ويجب أن يكون هناك تخطيط يقول الإمام الحسن بن علي : «ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم» .

في بعض الأحيان تجد بعض المجتمعات يتحدثوا عن عدم رضاهم بالواقع الذي هم فيه ويجتروا آلامهم لماذا بهذا الشكل ولماذا نحن هكذا ولماذا وضعنا هكذا في كل المجالس ترون اجترار للمآسي ، يا جماعة فكروا وخططوا كيف تتحسنوا وكيف تتحسن أموركم وأوضاعكم كيف تصبح تجارة التاجر أفضل كيف يكون مستوى الطالب الدراسي أفضل كيف يكون الوضع الاجتماعي أحسن ، فكروا وخططوا لكن الإنسان يكون منشغل فقط في اجترار الألم ولا يفكر في طريق الخلاص من هذا الألم .

ثالثاً- الجد والعمل.

النجاح لا يأتي مجاناً إذا أردت النجاح والتقدم والتفوق ( من طلب العلا سهر الليالي ). الطالب الذي يريد أن يتفوق في دراسته يجب أن يسهر ويتعب حتى يتفوق ، التاجر الذي يريد أن يتفوق في تجارته يجب أن يتعب ويجتهد ويجهد نفسه وهكذا في مختلف المجالات أما إذا كان الإنسان يعيش الكسل «إياكم والكسل والضجر فإنه يمنع حظكم في الدنيا والآخرة ». الكسل لا يترك الإنسان أن يتقدم في دنياه ولا في آخرته هل تريد أن يكون طريق النجاح مفروش بالورود والرياحين تريد أن تتفوق بدون تعب ، الآخرون تقدموا هكذا لو لم يتعبوا لم يتقدموا فيجب أن تتعب حتى تتقدم ولكن بعض الناس يعاني من الكسل والملل والتعب.

صحب رجل بعض الكسالى في سفر من الأسفار ووصلوا إلى مكان ونزلوا يريدون بعض الطعام فقال لأحدهم خذ هذه النقود وأحضر بها اللحم والخبز. فقال له أنا لا أعرف كيف أشتري فذهب عنه وأحضر اللحم والخبز. ثم قال له قم واطبخ لنا اللحم. قال له أنا لا أعرف كيف أطبخ اللحم فطبخ اللحم عنه. ثم قال له قطع الخبز حتى نضع عليه المرق واللحم. قال أنا تعبان ومجهد من السفر فلا أستطيع أن أقطع الخبز فقطع الخبز عنه. ثم قال له تعال وكل من الطعام فقال لقد خجلت منك في كل مرة تقول لي افعل هذا ولا افعل لكن هذه المرة سأطيعك.

الإنسان الذي يريد كل شيء جاهز لا يتقدم في حياته الإنسان الكسول المجتمع الكسول الذي لا يبذل جهد ولا يسعى لا يتقدم ، إذاً فنحن نحتاج للعمل والجهد والاجتهاد كم في القرآن من آيات ﴿وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله أعمل واشتغل لماذا أعطاك الله الصحة ولماذا أعطاك هذا الجسد وهذه القوة لماذا أعطاك هذه الطاقات والكفاءات ترى بعض الناس يشتغل أعمال خفيفة ويأتيك وهو تعبان وتسأله ماذا بك يقول أن الدنيا كلها على رأسه ، أنت يجب أن تشتغل أكثر من هذه الأعمال التي لديك أنت يجب أن تكدح أكثر من هذا الكدح ﴿يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه الكدح هو العمل المضني الشاق. يتعجب الإنسان من بعض الشباب شاب تراه في ريعان العمر وإذا به يشتغل في بعض الدروس وبعض الأعمال يشتغل في محل ثم يخرج منه يا هذا لماذا خرجت يقول لك هذا عمل مرهق ومتعب ويبحث له عن عمل مريح ، الإنسان لا يتقدم بهذه النفسية ولا يتقدم بهذه الطريقة.

إن الحقيقة قالت وهي صادقة فيما تقول بأن الراحة التعب، التعب هو الذي يعطي للحياة لذة وهو الذي يعطي للحياة قيمة وليس الكسل والفراغ واللعب ؛ والشيء الأخير الذي نتحدث عنه حول النجاح هو التطوير والتغيير ، الإنسان ما دام عنده هدف هدفه أن يُنجح الوسائل والطرق الأساليب لذا لابد أن يكون لديه مرونة بحيث يغير الأساليب ويطورها وتكون عينه على هدفه وغايته أما الأساليب والوسائل فهي قابلة للتطوير والتغيير.

فعلى الإنسان المؤمن أن يسعى للنجاح في دنياه ، اللهم أنجحنا في دنيانا وآخرتنا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. نرى أئمتنا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم كيف كانوا في إنجاح أي عمل من الأعمال «إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه» يعمل العمل متقناً وناجحاً ويترك العمل على طريق النجاح.

* حسينية العوامي - القطيف، 3 محرم 1419هـ