مستقبل السلام في العالم
قال تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾[1] .
الإنسان هذا المخلوق الذي كرمه الله سبحانه وتعالى وجعله في موقعية مميزة في هذا الكون، وجعل لحياته حرمة وقداسة؛ ذلك أن وجود هذه الحياة لكل إنسان من البشر إنما هو قرار من الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يخلق، ولا يحق لأحد أن يعتدي أو يصادر حياة قرر الله سبحانه وتعالى وجودها إلا بإذن من الله سبحانه وتعالى.
والآية الكريمة تعتبر الاعتداء على حياة أي فرد من أفراد البشر هو في الحقيقة اعتداء على البشرية جمعاء؛ لأن كل فرد من البشر يمثل البشر فهو جزء من البشر وحينما ينظر إلى جريمة الاعتداء على إنسان واحد فينظر إليها على أنها شيء بسيط يؤدي هذا التساهل في قتل إنسان واحد إلى استمرار حالات القتل والاعتداء على حياة الآخرين؛ لذلك يقول القرآن الحكيم ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ فالقاتل يستحق القتل لردعه، ولأنه ثبت إذا بقي حياً أمكن أن تتكرر منه هذه الجريمة، كما يمكن إذا لم ير الآخرون جزاء رادعاً أمام أعينهم يتجرؤون على مثل هذه الجريمة لذلك شرع الإسلام القصاص ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾[2] وفي المجتمعات المتقدمة يعمل بهذا القانون ففي أمريكا كانت عقوبة الإعدام ممنوعة ولكنهم أخيراً اضطروا إلى العودة إلى هذه العقوبة؛ لأنهم وجدوا فيها وسيلة هامة للحد من هذه الاعتداءات على حياة الناس ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ﴾ إذا كان إنسان ينشر الفساد في الأرض يؤذي الناس ويعتدي على حقوقهم ويضيع مصالحهم هذا الإنسان يجوز قتله طبقاً للضوابط الشرعية أما في غير هاتين الحالتين يعتبر قتل إنسان واحد قتلاً للبشرية جميعاً، مهما كان هذا الإنسان كبيراً أو صغيراً والإسلام يحرم الاعتداء على الإنسان حتى وهو في بداية تكونه فقد حرم إجهاض الجنين بعد أن اكتمل تكونه فلا يجيز الاعتداء على حياته حتى بالنسبة لوالديه وإن كانت نطفته غير شرعية لأن الطرفين الأب والأم، الرجل والمرأة، هما أذنبا ومارسا علاقة غير مشروعة لكن هذه الحياة التي تكونت لا ذنب لها، وهذا الجنين الذي تكون لا ذنب له حتى يعتدى على حياته.
فالإنسان محترم كبيراً كان أو صغيراً، فقيراً كان أو غنيا،ً ذا مقام أو كان من عامة الناس والاعتداء على حياته قتل للناس جميعاً ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾.
في المقابل ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ فمن أنقذ حياة إنسان من الموت فكأنه أنقذ البشرية جميعاً، هذه هي قيمة وقداسة حياة الإنسان.
ورغم أن كل إنسان يستلذ بالحياة ويقبل عليها ويريدها لنفسه، ولكنه مع الأسف يعتدي على حياة غيره وكان ينبغي أن يعلم أن غيره، أيضاً يعيش نفس الحالة.
اعتداء الإنسان على حياة غيره يكون بأحد سببين:
1- الإخفاق في الهيمنة:
أما الإخفاق في الهيمنة عليه فيحاول أن يعتدي على حياته بينما هو يريد أن يهيمن عليه فيرفض الطرف المقابل فيعتدي على حياته.
2- الحسد:
يحاول الإنسان إخضاع الآخرين والهيمنة عليهم انطلاقاً من إحساسه بالنقص تجاههم (لأنهم يملكون كفاءة وقدرة تميزهم عليه) ولشعوره بالنقص يحاول التخلص منهم. فهو يتحسس كلما نظر إلى من هو أحسن منه فيحاول التخلص من ذلك الوجود الكامل بالنسبة إليه.
وهذا ما جعل قابيل يتخلص من أخيه هابيل، حاول الهيمنة عليه فلم يستطع، وقد تميز عليه، فتقبل الله منه قربانه دون قابيل، فشعر تجاهه بالنقص، فقرر أن يضع حداً لهذا الشعور ولذلك قتل أخاه لأن الله تقبل قربانه دونه.
وكذا أولئك الذين اعتدوا على حياة الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم. فلماذا كانوا يقتلون الأئمة ويدسون السم لهم؟ مع أن الأئمة ظاهراً لم يكونوا يقودون حركة مظاهرة مسلحة تهدد حكمهم وسلطانهم ولم يكن عندهم مشكلة تبرر لهم إخضاع هؤلاء فلم يكونوا متمردين عليهم لكن هارون الرشيد في نظره أن وجود الإمام موسى الكاظم يشعره بالنقص، ما دام الإمام موجوداً وهو يقارن بين نفسه وبين الإمام، هذا الوجود الكامل في شخصية الإمام مؤذٍ لهارون لأنه يفضح نقصه وتجرؤه على منصب لا يستحقه، لذلك كان أكثر من طاغية.
عانت البشرية كثيراً بسبب هذين العاملين، من حالات القتل والتصفية والحروب الدموية التي تزهق فيها الأرواح والنفوس.
وأبشع الحروب هي الحروب التي نمت على أيدي الغربيين في تاريخ البشرية فليس هناك بشاعة دموية وعنف كالبشاعة التي حصلت من قبل الغربيين، في البداية في ما بينهم خلال ثلاثة قرون (300سنة) خلال القرن 16 و 17 و 18م، استمرت الحروب في أوربا بين الأوربيين أنفسهم 270 سنة من أصل 300 سنة 270 حرب ثم بدؤوا يمارسون العنف ضد غيرهم؛ من خلال استعمار الشعوب الأخرى، بعد ذلك شارك الأمريكيون في ذلك وهم امتداد للغربيين، فهم امتداد لهذه الحالة ولذلك أصبح القرن 20 من أسوأ قرون التاريخ بشاعة ودموية، 167 مليون إنسان قتلوا خلال القرن العشرين بسبب الحروب، ومن أبرزها الحربان العالمية الأولى والثانية، وشهد هذا القرن تطوير أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة الفتاكة كالأسلحة النووية وسائر أنواع الأسلحة الفتاكة التي ضاعفت ضحايا الحروب وفي السابق كان عددهم محدوداً لكن مع التطور العلمي والتكنولوجي والعسكري صار عدد الضحايا كبيراً.
ما هو وضع البشرية الآن؟ هناك نظريتان نظرة المتفائل ترى مستقبل البشرية حالياً متوجهاً نحو السلم والسلام والاستقرار وأن احتمالات الحروب الآن في العالم أصبحت أقل بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي وتقدم هذه النظرية أسباباً لذلك:
1- نمو الديمقراطية في العالم:
كلما نمت الديمقراطية في العالم واتجهت شعوبه نحوها، فهي تسبب حالة من الاستقرار السياسي وحالة من النضج في القرارات السياسية، وغالباً الديمقراطيات لا تتصادم فيما بينها ولا تتحارب بالسلاح وإنما يحاولون تسوية خلافاتهم بالأساليب السلمية.
وقد أصبحت رقعة الديمقراطية أوسع وأكبر في العالم فحوالي 165 دولة منها 76 دولة تعتبر ديمقراطية و 36 دولة تمشي على طريق الديمقراطية، فهي في حالة مخاض ومرحلة انتقالية، باقي الدول وأغلبها من دول العالم الثالث والشرق الأوسط نسأل الله أن تصل إلى مستوى الديمقراطية، وفي الديمقراطية صيغ وأساليب ونحن ضمن إطارنا الإسلامي لدينا صيغتنا الخاصة وهي الشورى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾[3] .
ونظام الشورى في الإسلام هو الصيغة المقابلة لنظام الديمقراطية، بل فيه مزايا وخصائص لا تتوفر في تلك الأنظمة والصيغ الديمقراطية، وهذا بحث آخر.
إذن اتساع رقعة الديمقراطية في العالم يقلل من احتمالات الحروب.
2- التطور العسكري:
وصول التطور العسكري إلى هذا المستوى المرعب يجعل كل طرف يحسب حساباً للغير؛ لأنه إذا استخدم سلاحه فإن الطرف الآخر يستخدم سلاحه، فالأسلحة مرعبة ولذلك الآن يصعب اتخاذ قرار الحرب أكثر من الماضي وقد سبقت الدول العظمى للتقليل من مستوى التسلح، وأمريكا مع روسيا اتفقتا على تقليل نسبة الرؤوس النووية بحيث يبقى لكل منهما 3500 رأس نووي، فيكون عندنا في العالم الآن 7000 رأس نووي، وبالتالي يكون نصيب كل إنسان على وجه الكرة الأرضية 200 كيلو غرام من المتفجرات، كل واحد منا هذه حصته الآن، وهذا أقل من السابق، حيث كان لكل فرد من أفراد البشرية طنان من المتفجرات.
3- توسع التعاملات الاقتصادية:
السبب الثالث في رأي هذه النظرية هو أن التعامل الاقتصادي بين الدول أصبح الآن واسعاً وأصبحت كل دولة ترتبط بسائر الدول من الناحية الاقتصادية، هذا يجعل الدولة تحسب قرارات الحرب والمواجهة العسكرية، كما أن الحرب أصبحت مكلفة ومبرراتها أصبحت أقل من الماضي فقد كانت الحرب سابقاً للسيطرة على أراضي، أما الآن فإنهم لا يريدون الأرض بل يريدون السيطرة على الاقتصاد والقلوب والنفوس، وهذا تحققه وسائل الإعلام ومختلف المؤسسات الدولية لذلك وفقاً لهذه النظرية المتفائلة فإن فرص قيام الحروب في العالم قليلة والعالم اتجه نحو السلم والسلام.
في المقابل هناك نظرية أخرى متشائمة تقول عكس ذلك ولا يزال الاستعداد على قدم وساق للحرب والعنف والمواجهة، تذكر إحصائية في هذا المجال بالنسبة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) التي تبلغ مصاريفها في كل دقيقة واحدة 720 و 516 دولار وفي كل ساعة يصرف ثلاثة مليون دولار وميزانيتها الأسبوعية تكفي لإطعام 4 مليون جائع في أفريقيا وأسيا.
ولا تزال أميركا هي الدولة الأكثر بيعاً للسلاح على مستوى العالم.ولا تزال الألغام رغم السعي تجاه حضر استخدامها إلا أن آخر التقارير تقول إن كل عام يزرع في الكرة الأرضية حوالي 4 آلاف لغم جديد، ويوجد الآن على وجه الكرة الأرضية 119 مليون لغم في مختلف أنحاء العالم، في الكويت فقط 5 مليون لغم.وفي كل سنة يصاب من الناس 26 ألفاً بسبب هذه الألغام. وتبلغ تكلفة إنتاج اللغم الواحد 5 دولار، لكن إزالته تكلف 500 دولار، لذلك تبقى كثير من الألغام موجودة وتعاني أكثر من 64 بلداً في العالم من الألغام منها البوسنة والهرسك والتي تقدر مدة إزالة الألغام منها بمدة تتراوح ما بين 80 إلى 100 سنة، والكويت التي زرع فيها 5 مليون لغم إلى الآن مع إنها دولة متمكنة مالياً والغرب متعاون معها استطاعوا إزالة مليون وثمانية وسبعين ألف لغم من أصل 5 مليون، وسباق التسلح على قدم وساق.
نعم تقلصت فرصة الحروب بين الدول الكبرى، لكن الحروب بين الدول الصغيرة تنشب بالوكالة، وافتعال الحروب بين مختلف الدول والجهات هذا أمر وارد، وإلا فإذا توقفت الحروب ما تفعل مصانع الأسلحة، فما داموا في حاجة إلى سوق يحتاجون إلى زبائن ولكي تستمر مصانعهم في عملها لا بد أن يفتعلوا الحروب ويشجعونها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى المشاكل الداخلية في كثير من الدول، فالعالم الآن مقبل في أكثر من بلد خاصة في العالم الثالث على حقبة المشاكل والحروب الداخلية، لأن دول العالم الثالث من أجل أن تستقر، ولكي تصل إلى صيغة مناسبة يرضى عنها كل السكان أمامهم طريق من الصراع والمواجهات الداخلية إلى أن يصلوا إلى صيغة مقبولة فيما بينهم، فأفغانستان بعد ذلك الجهاد والنضال للتحرر من قوات الاتحاد السوفيتي السابق ولإسقاط النظام العميل له ما زال الشعب فيها يعاني، بل أصبح الآن يترحم على الأيام الماضية.
لأنها أحسن لهم من الوضع الذي يعيشونه الآن، في ضل التصارع المرير لفئة من الطالبان معقدة، متشددة، متزمتة، متطرّفة، تأتي لتحكم بآرائها المعقدة ذلك الشعب المجاهد.
ومن كثرة تشددها أنهم حددوا قبل فترة طول اللحية التي ينبغي على الشعب الأفغاني الالتزام بها. ونشروا ذلك في الجرائد وتوعدوا على مخالفته بالعقوبة الشديدة.
وهناك الآن آلاف المؤمنين في منطقة (الهزارة) أغلبهم من المؤمنين الشيعة محاصرون منذ فترة طويلة وهم معرضون لمجاعة قد يموت فيها الآلاف من النساء والأطفال، وطالبان كل واحد منهم بلحيته وسواكه لا تطرف لهم عين ولا يرق لهم قلب تجاه هذه المجاعة وهذه المصائب والمآسي.
والسؤال لماذا هذا الصراع الدائر بين الأطراف الأفغانية؟! وكذا الأمر في الصومال مع أنا نسأل الله أن ينجح السعي للمصالحة، فقد انتهت دولة الصومال وعانى الشعب الأمرين من ناحية من الكوارث الطبيعية كالسيول التي كان الناس يتعلقون على الشجر لينجوا بأنفسهم، وقسم منهم ينام قليلاً وخاصة من الأطفال فيستيقظ ويذهب مع السيل. وذهب ضحية الحرب الأهلية في لبنان 150 ألف إنسان هذا غير الدمار الذي لحق الدولة فأصبحت دولة متخلفة في محيطها من الناحية الاقتصادية وفي مختلف المجالات. وهذا هو الحال في السودان التي تعاني بسبب الحروب الموجودة في الجنوب، ثم من ناحية أخرى الشيء الخطير حالياً هو نمو ظاهرة التطرف والمتطرفين وهذه الظاهرة تختلف عن دولتين أو دول، وهي تختلف عن قضية صراع بين أحزاب وقوى إنما هي فئات متطرفة في مختلف المجتمعات تريد الانتقام من محيطها وتمتلك مختلف الوسائل والأساليب ولم تخلو منها حتى أمريكا وهناك العشرات من المنظمات اليمينية المتطرفة التي قامت واحدة منها بتفجير أوكلاهوما سيتي، وذهب ضحية ذلك الحادث 186 شخصاً ويوجد في أمريكا أكثر من 100 ألف إنسان أعضاء في هذه الميليشيات المتطرفة. ونشر تقرير في أمريكا يدعو الحكومة الأمريكية إلى الاستعداد للحرب البيولوجية، ذلك لأن بعض الفئات المتطرفة تعد العدة للهجوم بالأسلحة البيولوجية، حيث ذلك لأن بعض الفئات المتطرفة تعد العدة للهجوم بالأسلحة البيولوجية، حيث تعتقد هذه الجماعة أن عام 2000 هو نهاية العالم، لذلك قرروا في عام 2000 أن يشنوا مجموعة من الهجمات بمختلف أنواع الأسلحة التي يملكونها داخل المجتمع الأمريكي لأن القيامة إذا لم تقم فهم يريدون أن يقيموها بطريقتهم.
مثل هذه الحالات من التطرف موجودة في مختلف الدول والبلدان ومنها بلاد المسلمين مع الأسف، والتطرف في البداية يكون تطرفاً فكرياً، لكنه يصبح أرضية للتطرف السلوكي والعملي ونسمع عن بعض المناطق مثل الجزائر، والحديث حول ما يحدث في الجزائر مع التحفظ عمن هو المسؤول عن هذه المجازر التي كلفت الشعب الجزائري إلى الآن ثمانين ألف قتيل، ولا شك أن هناك فئات متطرفة رغم ما يقال عن مسؤولية الجهات المرتبطة بالحكومة، لكنه هناك أيضاً جهات متطرفة لديها فكر متطرف تمارس مثل هذه الأعمال. وفي مناطق مختلفة نجد مثل هذه الحالة.
إذن هذا يعطي مؤشراً أن العالم يحتاج إلى وقت حتى يهدأ ويستقر وهل سيكون هناك هدوء واستقرار في عالم البشر؟! نعم الحالة نسبية ولكن أعيننا تتطلع إلى قيام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، وكما تقول الروايات الواردة عن أئمتنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا.
يبدل حالة الخوف والحرب والعنف إلى أمن واستقرار تعيشه البشرية جمعاء في مختلف أنحاء العالم. نسأل الله تعالى أن يعجل له الفرج وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه. اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، أكحل نواظرنا بنظرة منا إليه.
الإسلام هو دين السلام والمسلم يقول: السلام عليك، شعار الإسلام هو السلام وهو يدعوا إليه، ولذلك في تاريخ الإسلام وفي نشأة دولته وحضارته يتعجب المؤرخون والمفكرون كيف قامت تلك الدولة الإسلامية الشامخة بقليل من التضحيات وسفك الدماء.
يقول أحد المفكرين الغربيين: لقد سيطر نبي الإسلام محمد على مساحة كبيرة من الأرض تزيد على مليون ميل مربع وكان يسكنها الملايين من الناس وقد أحصى التاريخ عدد القتلى في كل الحروب والمعارك والتي بلغ عددها 80 حرباً بين غزوة وسرية حصلت في عهد الرسول في كل هذه الثمانين التي أنتجت السيطرة على مليون ميل مربع يسكنها الملايين من البشر فكم عدد القتلى فيها؟.
هناك إحصائيتان، إحصائية تقول: عدد كل القتلى من الطرفين 1018 شخصاً، والإحصائية الثانية تقول: 1400 شخص، وهذا أعلى رقم في ثمانين حرباً من أجل السيطرة على مليون ميل مربع يسكنها الملايين من البشر.
وهذا لا يعود إلى كون الحروب في الماضي هذه هي خسائرها، كلا، فلم تكن خسائر حرب داحس والغبراء بهذا الحجم من القلة، ومثلها حرب البسوس، وكذا الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج. بل يعود ذلك إلى تعاليم الإسلام ورحمته.
فحروب الإسلام كانت دفاعية، وهذا واضح، فلم يبدأ الإسلام حرباً وإنما حارب رداً على اعتداء، والإمام علي له أكثر من وصية يوصي أصحابه منها في صفين: (لا تبدؤوهم بقتال فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم البدء بالقتال لهم حجة أخرى لكم عليهم) لذلك رفض أن يبدأهم بالقتال.
ومعاملة الإسلام في الحرب وتعاليمه لا تعرف الانتقام، وإنما هي لوضع حد للاعتداء بأقل قدر من الخسائر، لذلك تأتي وصايا الرسول للمحاربين «لا تقتلوا شيخاً كبيراً، ولا طفلاً صغيرا، ولا تهيجوا النساء بأذى، ولا تقطعوا شجراً، ولا تمنعوا ماءً، ولا تمثلوا بقتلاكم»، كلها وصايا رائعة تبين إنسانية الإسلام.