احترام المقدسات الدينية بين الشعوب


تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار في الليلة السادسة من محرم 1427 هـ في (مأتم الحاج ناصر) بدبي، عن: «احترام المقدسات الدينية بين الشعوب»، وذلك في محورين انطلق فيهما من خلال الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأنعام:108)

وهذه لقطات من المحاضرة:


في البدء


نعيش هذه الأيام أجواء صاخبة بسبب الإساءة التي ارتكبتها بعض وسائل الإعلام في الغرب تجاه شخصية رسول الكريم ، حيث نشرت بعض الرسوم الساخرة تنال من مكانة الرسول ، رسولنا الذي يمثل أعلى درجات الفضل والكمال والقرب من الله تعالى، فهو خاتم الأنبياء وأفضلهم، وبالتالي هو أفضل البشر .

ومن المؤسف أن هذا الأمر لم يقتصر على صحيفة واحدة وبلد واحد، بل بدأت صحف أوروبية تتضامن مع هذه الصحيفة تحت عنوان حماية حرية التعبير. وبسببٍ من هذا فإنه من الطبيعي أن تظهر ردّات فعل من جماهير الأمة الإسلامية ومؤسساتها تجاه هذه الممارسات، وهذا أقل ما يمكن أن يفعله المسلمون للدفاع عن مقام الرسول الأعظم .

لذلك وجدنا من المناسب التطرق إلى مسألة الدين ومكانته في حياة الإنسان، ومسألة احترام الخصوصيات والمقدسات الدينية.

المحور الأول: أصالة الدين وقداسته في حياة الإنسان


كل إنسان من البشر ـ في الغالب ـ له انتماؤه الديني والمذهبي، فالدين حالة فطرية لدى الإنسان، يقول المؤرخ الإغريقي (بلوتاك): «قد تجد في التاريخ مدنًا بلا أسوار ومدنًا بلا ملوك ومدنًا بلا ثروات ومدنًا بلا مسارح، ولكنك لن تجد مدينة بلا معبد أو بلا ديانة».

والدين مهم في حياة الإنسان، وذلك أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي زوّده الله بنعمة العقل، فهو الوحيد الذي يتساءل حول ما يحيط به من شؤون الطبيعة والوجود: كيف وجد؟ ومن أوجده؟ ولماذا أوجده؟ وإلى أين يمضي؟ وما هو مصيره؟ وما هي العلاقة بينه وبين خالقه؟

إن هذه التساؤلات تلحّ وتسكن داخل كل إنسان، وما يتمسّك به الإنسان من إجابات عن هذه الأسئلة هو ما نسميه «الدين».

ولكي لا يظل الإنسان حائرًا في هذه الأسئلة وأجوبتها بعث له من يقدّم الأجوبة الصحيحة، وهم الأنبياء والرسل، ولكن ليس بالضرورة أن يتبع الجميع هؤلاء الأنبياء، فهناك من الناس من يتشبث بإجاباته الموروثة وإن كانت خطأً.

كيف يصل الإنسان إلى دين؟

إن الله قد بعث الأنبياء لإبلاغ الدين الصحيح للناس، ولكن غالبًا ما يكون الدين أمرًا متوارثًا، يأخذه من البيئة التي يعيش فيها، وهذا مفاد الحديث النبوي الشريف: «كل مولود يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه».

وذلك لأن كل إنسان يتربّى في وسط عائلة، تحاول هذه العائلة من البداية تقديم إجابات على أسئلته، وتحاول أن تكسب هذه الإجابات صفة القداسة. ومن خلال هذه الأجواء يتوارث الناس أديانهم ويحتفظون بها، ما لم يحدث أمران:

الأول: ظهور دعوات واتجاهات جديدة تقوم على رفض المعتقدات الموروثة في المجتمع، بحيث تستقطب هذه الدعوات بعض أفراد المجتمع، فيعتنقونها. وبالطبع سيكون في كل مجتمع مَنْ سيعارض هذه الدعوات، ولو كانت حقًّا، ويتمسكون بالقديم.

الثاني: أن الإنسان يكون على درجة من الوعي وحرية التفكير بحيث يتجاوز البيئة التي يعيش فيها، فيبحث إلى أن يقتنع بما تربى ونشأ عليه أو أن يجد ما هو أصحّ منه، فالعقائد لا تقليد فيها.

والدين سواءً كان متوارثًا أو مُعتَنَقًا حديثًا من الطبيعي أن يدافع عنه أصحابه ويقدسونه، مهما كان هذا الدين ومعتقداته وطقوسه محملة بالأساطير والغيبيات والخرافات التي ربما لا تتوافق مع العقل ومكتشفات العلم.

المحور الثاني: الاحترام المتبادل للمقدسات


مع تطور الحياة أصبح التواصل والتداخل بين البشر مع بعضهم البعض أمرًا قائما، خصوصًا مع تطور وسائل الاتصال الحديثة، كالفضائيات وشبكة الإنترنت، التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، يجتمع فيها البشر بشتى أنواعهم وانتماءاتهم واعتقاداتهم المختلفة. فكيف ينبغي أن تكون العلاقة بين أبناء البشر؟

لاشكّ أن المؤمن بدين معين يرى أحقية ما يدين به، وبطلان دين الآخرين ومعتقداتهم المخالفة، ولكن ليس معنى هذا أن يلغي كل منا الآخر، بل لابدّ لنا من التعايش، فمسألة التصارع واللجوء إلى وسيلة السباب والشتائم بسبب الانتماء الديني أمر مرفوض، يرفضه العقل و الشرع، فالله تعالى يقول في الآية الكريمة: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فهذه الآية تشير إلى منطق عقلائي، فعندما تتعرض لمقدسات الآخرين سيستثيرهم هذا الأمر، فيسبوا مقدساتك بجهل منهم.

يقول الإمام علي بن أبي طالب : ««اجعل نفسك مقياسا فيما بينك وبين غيرك»»، وورد في الحديث: «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به».

واللجوء إلى أسلوب السب والشتم للمخالف أمر يرفضه الإسلام، لأنه:

أولاً: سيولّد ردّة فعل تكون سببًا في التعرّض لمقدسات ومعتقدات المسلمين.

وثانيًا: لأنه لا يوصل إلى نتيجة غير التباغض والتشاحن، ويجعل الطرف الآخر أكثر تعصبًا لمذهبه ومعتقده، وأكثر تعصبًا ضد المسلم.

خصوصًا أن السباب والشتم هي وسيلة العاجز، ومن لا يملك دليلاً وحجة على معتقداته، والإسلام قائم على البرهان والإقناع، وليس على مجرّد الشعارات.

وفي هذه النقطة يروى أنه عندما دخل النبي مكة فاتحًا، كان فيها عكرمة بن أبي جهل، فعندما علم عكرمة بدخول الرسول هرب خوفًا من أن يمسه المسلمون بسوء، لأنه ابن أبي جهل عدو الرسول . ولكن زوجته أتت الرسول تستأمنه على حياة زوجها، فأعطاها الرسول الأمان، فذهبت تطلبه، فأتى معها إلى مكة. وقبل أن يصلا إلى مكة التفت الرسول إلى أصحابه وقال لهم: ««سيأتيكم عكرمة مهاجرًا، فلا تسبوا أباه، فإن السبَّ يُؤْذِي الْحَيَّ ولاَ يَبْلُغ»»