حكم الزواج
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
الزوجية سنة كونية، فكل شيء في الوجود يحكمه نظام الزوجية، فالذرة تحتوي على الإلكترون السالب يقابلها البروتون الموجب، وفي الكهرباء سالب وموجب. يقول تعالى: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [1] والنبات بمختلف أنواعه وأصنافه ضمن هذه السنة ﴿ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [2] وكذلك في عالم الحيوان من وحيد الخلية إلى متعدد الخلايا إلى الثدييات إلى الإنسان.
فالزوجية هي نظام الكون. السالب يقابل الموجب. الإلكترون يقابل البروتون. الصبغيات تتقابل على هيئة أزواج. شارة الذكورة Y تقابل شارة الأنوثة X. الحيوان المنوي المذكر يقابله الحيوان المنوي المؤنث. ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِـمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [3] .
والزواج في المجتمعات البشرية هو ذلك الارتباط الخاص بين رجل وامرأة تقره شريعة المجتمع سماوية كانت أو وضعية. «فلكل قوم نكاح» [4] -كما يروي الإمام جعفر الصادق عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - أي لكل مجتمع تقنين وتشريع لتلك العلاقة الزوجية.
للزواج عدة أغراض ومهام:
1- فهو طريق لإشباع حاجة الإنسان الجنسية والتي هي من أشد الحاجات إلحاحا في حياته، وكبتها فيه ضرر وعسر، وإطلاق العنان للغريزة الجنسية فساد ودمار، والزواج هو القناة السليمة لإشباع هذه الحاجة.
2- وبالزواج تتكون الأسرة كوحدة في بناء المجتمع.
3- وعبر الزواج يتم التكاثر واستمرار النسل البشري.
وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالزواج، تأكيدا لمكانته ودوره في استقرار حياة الإنسان وتنظيم المجتمع، فهناك نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، استنبط منها الفقهاء آراء الإسلام وأحكامه في جميع تفاصيل وجوانب الحياة الزوجية، من حيث تكوينها واستمراريتها، وما يترتب عليها ويرتبط بها.
ما هو حكم الزواج؟
- الحكم الأصلي والأولي للزواج في رأي أكثر فقهاء المسلمين أنه مستحب في حد ذاته.
- وقال الظاهرية أتبـاع (داود الظاهـري 202هـ - 270هـ) مؤسس المذهب، إن الزواج فرض على كل إنسان قادر عليه، بدليل ظواهر الآيات والأحاديث التي تأمر بالزواج، والأمر يدل على الوجوب[5] .
- وذهب بعض العلماء إلى أن الزواج واجب كفائي. كما جاء في مصابيح العلامة الطباطبائي: (اعلم أن الوجوب المنفي - عن الزواج - هو الوجوب العيني على كل أحد أو على من تاقت نفسه إلى النكاح، وأما الوجوب الكفائي، أي وجوب ما يقوم به النوع فيجب القطع بثبوته، حتى لو فرض كف أهل ناحية أو مصر عن النكاح، وجب على الحاكم إجبارهم عليه، لـئلا ينقطع النسل، ويتفانى النوع، والظاهر أنه لا خلاف فيه)[6] .
- ويرى الشافعية أن الزواج مباح، يجوز فعله وتركه، وهو من الأعمال الدنيوية كالبيع ونحوه، وهو ليس بعبادة، وأن التفرغ للعبادة أو الانشغال بالعلم أفضل من الزواج[7] .
متى يجب الزواج؟
1- يكون الزواج عند عامة الفقهاء فرضا إذا تيقن الإنسان الوقوع في الحرام لو لم يتزوج، وكان قادرا على نفقات الزواج وحقوق الزوجة، كما يجب إذا أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر أو العهد أو الحلف.
2- ويرى كثير من العلماء ان مجرد الخوف من الوقوع في الحرام، و وجود مظنة الضرر والوقوع في الحرام، يجعل الزواج واجبا للقادر عليه. وهو رأي الحنفية[8] .
متى يحرم الزواج؟
- يحرم الزواج إذا تيقن الشخص ظلم المرأة والإضرار بها إذا تزوج، وإذا تعارض ما يجعل الزواج واجبا وما يجعله حراما، بأن تيقن أنه سيقع في الحرام إن لم يتزوج، وتيقن أيضا أنه سيظلم زوجته إن تزوج، كان الزواج حراما لأنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام الحلال[9] . ويحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب أو ترك حق من الحقوق الواجبة[10] .
متى يكره الزواج؟
- يكره الزواج إذا خاف الشخص الوقوع في الجور والضرر إن تزوج خوفا لا يصل إلى مرتبة اليقين، كخوفه من العجز عن أداء حقوق الزوجية.
وتكون الكراهة عند (الحنفية) تحريمية أو تنزيهية بحسب قوة الخوف و ضعفه.
ويكره عند (الشافعية) لمن به علة كهرم أو مرض دائم أو تعنين[11] .
أحاديث و روايات:
تحتوي كتب الأحاديث و مصادر السنة المطهرة على الكثير من الأحاديث التي تحث على الزواج و تشجع عليه نقتطف بعضا منها:
عن رسول الله : «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج»، والباءة مستلزمات الزواج[12] .
روى الإمام جعفر الصادق عن آبائه قال: «قال النبي : ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»[13] .
وروى الإمام جعفر الصادق قال:«قال رسول الله ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح» [14] .
وعن الإمام جعفر الصادق قال: «قال أمير المؤمنين : تزوجوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج»[15] .
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح
وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين