التزويج و المساعدة على الزواج
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
1- في سورة النور وبعد أن يتحدث القرآن الكريم عن الضوابط والحدود في التعامل بين شقي المجتمع الرجال والنساء، وضرورة توفير أجواء العفة والاحتشام، لصيانة أخلاق وأعراض المجتمع، يوجه الله تعالى خطابه إلى المؤمنين يأمرهم بالقيام بمهمة التزويج لعزّابهم من الذكور والإناث، وفي ذلك إشارة إلى دور الزواج في تكريس العفة والإلتزام بالضوابط والتعاليم الأخلاقية، يقول تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [1] .
﴿وَأَنكِحُوا﴾أي زوِّجوا، وهو خطاب للمجتمع بأن يزوِّجوا العزاب، حيث لم يخاطب العزاب هنا بأن يتزوجوا، وإنما خاطب الناس أن يزوِّجوهم.
ذلك لأن الزواج غالبا ليس قضية فردية يقوم بها الطرفان المعنيان فقط، وبمعزل عن الارتباطات والتأثيرات الاجتماعية، كسائر الأمور من بيع وشراء وإجارة.. بل هو مسألة لها أبعادها وارتباطاتها المؤثرة بأكثر من جانب اجتماعي.
كما أن من يريد تأسيس حياته العائلية وخاصة لأول مرة، قد يحتاج إلى دعم وعون مادي ومعنوي، لمساعدته على إنجاز هذه المهمة وإنجاحها.
من هنا يتوجه الخطاب إلى المجتمع ﴿وَأَنكِحُوا﴾.
و﴿الأَيَامَى﴾ جمع (أيِّم) على وزن (قيِّم) وتعني الإنسان الذي لا زوج له رجلا كان أو امرأة، وإن كان قد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته، وفي المرأة إذا مات زوجها، لكنها كما نص عليه اللغويون: تشمل كل ذكر لا أنثى معه، وكل أنثى لا ذكر معها بكرا أو ثيبا.
و﴿مِنْكُمْ﴾أي من الأحرار حيث كان في تلك المجتمعات عبيد وإماء مملوكون، فأمر الله تعالى بتزويج الأحرار ثم عقب على ذلك بالأمر بتزويج العبيد أيضا المؤهلين للزواج ذكورا وإناثا ﴿الصَّالِحِينَ﴾ أي المؤهلين للزواج ﴿مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾.
ذلك أن العبيد المملوكين هم بشر أيضا لهم غرائزهم وشهواتهم، وبقاؤهم عزابا ثغرة في أمن المجتمع الأخلاقي والاجتماعي.
وإذا كان بعض الأشخاص أحرارا أو عبيدا، يعانون من الضعف الاقتصادي، فإن زواجهم قد يكون دافعا لهم للمزيد من العمل والإنتاج، كما أن الله تعالى سيبارك لهم ويوسع عليهم، بتحملهم لمسؤولياتهم العائلية والاجتماعية.
الإعفاف:
2- الإعفاف لغة: فعل ما يحقق العفاف للنفس أو للغير، كما في تاج العروس، ولسان العرب، والمصباح.
واصطلاحا يقصد به الفقهاء: تزويج المحتاج للزواج لتجنيبه الوقوع في الحرام.
وقد ناقش الفقهاء المسلمون من مختلف المذاهب الإسلامية هذه المسألة على الوجه التالي: هل يجب على الإنسان، إذا كان قادرا متمكنا أن يوفِّر تكاليف الزواج لمن يحتاج إلى الزواج ممن تجب نفقته عليه كوالديه وأولاده أم أن ذلك مستحب ومندوب إليه فقط دون أن يرقى إلى مستوى الوجوب؟
المشهور عند فقهاء الشيعة أنه لا يجب إعفاف من تجب النفقة له ولدا كان أو والدا بتزويجٍ أو إعطاء مهر أو تمليك أمة أو نحو ذلك مما يناسب حاله في الإعفاف[2] .
و نقل عن بعض فقهائهم القول بالوجوب للأب وإن علا، لأن ذلك من أهم المصاحبة بالمعروف المأمور بها في الآية
﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾[3] ولأنه من وجوه حاجاته المهمة فيجب على الابن القيام به كالنفقة والكسوة[4] .
كما أفتى فقهاء معاصرون من الشيعة بأن ذلك واجب على سبيل الاحتياط وهو احتياط استحبابي، قال السيد السبزواري: (لا يجب إعفاف من وجبت نفقته ولدا كان أو والدا … وإن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح، وعدم قدرته على التزويج وبذل الصداق خصوصا في الأب)[5] .
وذكر نحو ذلك السيد السيستاني[6] .
وإذا كان الإعفاف غير واجب على المشهور عند فقهاء الشيعة وإن كان هناك منهم من يذهب إلى وجوبه. فعلى العكس من ذلك رأي فقهاء أهل السنة حيث (يلزم الولد إعفاف الأب والأجداد على المشهور)[7] .
قال الدكتور الزحيلي: على المشهور يلزم الولد ذكرا كان أو أنثى إعفاف الأب والأجداد، لأنه من وجوه حاجاتهم المهمة كالنفقة والكسوة، ولئلا يعرضهم للزنا المفضي إلى الهلاك، وذلك لا يليق بحرمة الأبوة، وليس من المصاحبة بالمعروف المأمور بها شرعا، والإعفاف: بأن يعطيه مهر امرأة حرة تعفه ويجب تجديد الإعفاف إذا ماتت الزوجة، أو انفسخ النكاح، وكذا إذا طلق بعذر في الأصح. وإنما يجب الإعفاف بشرطين:
الأول: لمن كان فاقد المهر في الواقع، ولا يلزم الإعفاف إذا كان الأب قادرا على المهر بالكسب.
الثاني: للمحتاج إلى الزواج: بأن تتوق نفسه إلى الوطء، وإن لم يخف الزنا[8] .
لكن الراجح عند الحنفية أنه لا يلزمه سواء وجبت نفقته أو لم تجب[9] .
التزويج من الزكاة :
3- يصح أن يصرف من أموال الزكاة لتزويج المؤمنين المحتاجين للزواج، مع ضعف وضعهم الاقتصادي، وحتى غير المؤمن الملتزم يصح مساعدته من الزكاة للزواج من سهم المؤلفة قلوبهم وسبيل الله.
- ولا يجب إعلام الفقير المحتاج إلى الزواج أن المدفوع إليه زكاة، بل لو كان ممن يترفع ويدخله الحياء منها، وهو مستحق، يستحب دفعها إليه على وجه الصلة ظاهرا والزكاة واقعا[10] .
ويجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مؤنة التزويج وكذا يجوز للولد أن يصرف زكاته في تزويج والده[11] .
التزويج من الخمس:
4- حيث ينقسم الخمس في مصرفه إلى نصفين: نصف للسادة الهاشميين المنتسبين إلى هاشم بالأبوة علويين أو عقيليين أو عباسيين، والنصف الآخر للإمام المعصوم فإن من مصارف النصف الأول تزويج السادة المحتاجين للزواج مع ضعفهم الاقتصادي. كما أنه يجوز الصرف من النصف الآخر الراجع للإمام من أجل تزويج المحتاجين للزواج من المؤمنين بعد الاستئذان من المرجع الديني.
من أفضل موارد البذل والصدقة:
5- مساعدة المحتاجين للزواج تعتبر من أفضل موارد البذل والصدقة، لأنها تعالج حاجة ماسة حقيقية، وتسهم في تعزيز أمن المجتمع وسد ثغرات الفساد والانحراف، كما أنها استجابة للحث الإلهي والديني على الإنكاح والتزويج، وأن ذلك من أحب الأمور إلى الله تعالى، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج»[12] .
صندوق الزواج الخيري
6- إنشاء صندوق خيري لمساعدة المحتاجين للزواج، هو أفضل أسلوب لتحقيق وإنجاز هذا المطلب الديني الاجتماعي الهام، فعبر الصندوق تنتظم أمور هذا السعي المبارك، وتدرس حالات الأفراد، وتقدر لهم احتياجاتهم، والعمل الجمعي أنفع وأبرك من الأعمال الفردية. فينبغي للأخوة المؤمنين أن يبادروا إلى إنشاء هذا المشروع الهام في كل مدينة وقرية، وأن يدعم الناس الصناديق القائمة ماديا ومعنويا لتؤدي وظيفتها المقدسة على أفضل وجه.
أحاديث عن التزويج:
- عن رسول الله أنه قال:«من أدرك له ولد، وعنده ما يزوجه فلم يزوجه، فأحدث فالأثم بينهما»[13] .
- وفي رواية أخرى عن ابن عباس عنه : «من بلغ ولده النكاح وعنده ما ينكحه فلم ينكحه ثم أحدث حدثا فالأثم عليه»[14] .
وعنه : «حق الولد على والده أن يحسن اسمه، ويزوجه إذا أدرك، ويعلمه الكتابة»[15] .
- عن الإمام جعفر الصادق قال: «من زوج أعزبا كان ممن ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة»[16] .
- عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم : «ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، رجل زوج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرا» [17] .