قرار الزواج
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
1.الزواج شأن يرتبط بذات الإنسان، ويعتبر من أهم الأمور المؤثرة في حياته، ولأن الناس مسلطون على أنفسهم، فإن قرار الزواج في الأصل هو بيد الإنسان، حينما يمتلك أهلية القرار، بأن يكون بالغاً عاقلاً راشداً. وما يخالف هذا الأصل يعتبر حالة استثنائية تثبت بدليلها الخاص.
2.الولد البالغ الرشيد، يتخذ قرار زواجه بنفسه ولا ولاية لأحد عليه، من أب أو جد أو غيرهما، وهذا باتفاق فقهاء الإسلام، فلا يحتاج في إمضاء عقد زواجه إلى موافقة أحد.
اعتراض الوالدين:
3.إذا اعترض أحد الوالدين أو كلاهما على زواج الولد فإن ذلك لا يؤثر على صحة عقد الزواج. وهل تجب طاعة الوالدين لو نهيا الولد عن الزواج أو عن أخذ زوجة معينة بحيث لو خالفهما يرتكب حراماً ويكون مأثوماً؟
في الوسائل عنون الحر العاملي باباً في كتاب النكاح بالعنوان التالي: (باب أنه لا ولاية على الصبي بعد البلوغ والرشد للأبوين ولا لغيرهما، فإن زوجاه وقف على رضاه ويجوز أن يتزوج وإن كرها).
وتحت هذا العنوان أورد أحاديث منها الحديث التالي:
عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله قال: قلت له: إني أريد أن أتزوج امرأة وإن أبويَّ أرادا أن يزوجاني غيرها، فقال:« تزوج التي هويت، ودع التي يهوى أبواك»[1] .
ونص الحديث ورد في الكافي أيضاً[2] .
4.لقد حرم الإسلام عقوق الوالدين، وأوجب برهما والإحسان إليهما ومعاشرتهما بالمعروف، لكن ذلك لا يعني سلطتهما المطلقة على الولد، حيث له شخصيته المستقلة، ومن حقه تنظيم أمور حياته، وترتيب متطلبات معيشته.
يقول السيد الخوئي رحمه الله:
(لم ينهض دليل على وجوب إطاعة الوالدين على سبيل الإطلاق على حد إطاعة العبد لسيده، نعم تجب المعاشرة الحسنة والمصاحبة بالمعروف على ما نطقت به الآية المباركة، فلا يجوز العداء والإيذاء، وأما الوجوب والتحريم بمجرد الأمر والنهي فضلاً عن لزوم الإستيذان في كافة الأفعال، وإن لم يترتب على تركه الإيذاء خصوصاً لو صدر من غير اطلاع منهما أصلاً، فهو عار عن الدليل.
أجل قد ورد في بعض النصوص أنه إن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، ولكن أحداً لا يستريب في أن هذا حكم أخلاقي، وليس بتكليف شرعي كما هو واضح جداً)[3] .
ويقول السيد الشيرازي:
(ثم أنهما إذا تأذيا لعد إطاعة الولد لهما فالظاهر أنه إذا كان أمرهما يوجب هدم حياة الولد العادية لم تجب الطاعة، وإلا وجبت لانصراف النصوص عن مثل ذلك، فإذا قال الوالدان لولدهما تزوج بالبنت الفلانية، أو لا تسافر في تجارتك الكذائية، أو افتح دكاناً في المحل الفلاني لا المحل الفلاني، أو طلق زوجتك أو ما أشبه ذلك، لم يجب على الولد الطاعة بل له المخالفة وجريه العادي، لكن مع التأدب في الكلام والملايمة في التخلص)[4] .
(إن القدر المتيقن من الأدلة حرمة المخالفة التي تؤدي إلى أذيتهما فيما لا يتضرر به الولد، فالأذية مع تضرره أيضاً لا دليل على حرمتها)[5] .
5.وهنا ينبغي التنبيه إلى أن الولد عليه أن يأخذ وجهة نظر والديه بعين الاعتبار، فهما حريصان على مصلحته، فقد يكون هو مندفعاً في زواجه أو اختياره بشكل عاطفي، ودون تفكير موضوعي، كما أن معرفتهما بالمجتمع والحياة أكثر منه عادة، فعليه أن يدرس موقفهما و يأخذه بعين الإعتبار في قراره، أما إذا تبين له عدم استنادهما إلى مبرر سليم، وكان مطمئناً إلى اختياره، فعليه أن يستخدم أفضل الأساليب لتوضيح وجهة نظره لهما، وأن يقلل من آثار ومضاعفات عدم الاستجابة لهما بأكبر قدر ممكن.
من ناحية أخرى فإن على الوالدين أن يعترفا لولدهما بحقه في اتخاذ القرارات المرتبطة به، وخاصة في موضوع الزواج الحسّاس، وأن يقدما له نصيحتهما ورأيهما، ويبذلا جهدهما لإقناعه بذلك، لكن لا ينبغي لهما أن يتجاوزا ذلك إلى عرقلة اختياره، وإيجاد حالة من التشنج في العلاقة معه.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «رحم الله والداً أعان ولده على بره»[6] .
وعن يونس بن رباط عن أبي عبد الله الصادق قال:« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رحم الله من أعان ولده على بره»، قال: قلت: كيف يعينه على بره؟ قال:« يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به»[7] .
تزويج المجنون:
6.الجنون: اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل، والجنون في الطب حالة من الاغتراب والانفصال عن الواقع، واضطراب أو انعدام التفاعل مع المجتمع، وجرت عادة الناس على إطلاق وصف (الجنون) على شتى أنواع المرض النفسي، وهو إطلاق غير دقيق، لأن تأثير الأمراض النفسية على العقل يتفاوت من حالة لأخرى، وفي كثير من الأمراض النفسية يبقى العقل سليماً، وتبقى محاكمات الشخص العقلية ضمن الحدود الطبيعية، وهذا التمييز ما بين الجنون وبقية الأمراض النفسية مهم جداً، لأن الجنون يسقط الأهلية عن المجنون ويرفع عنه التكليف، أما الأمراض النفسية فإنها لا تصل في الغالب إلى حد الجنون ولا تسقط الأهلية عن المريض[8] .
والمجنون إذا كان جنونه من قبل بلوغه فإن الولاية عليه حتى بعد بلوغه لأبيه وجده لأبيه.
ومع فقدهما فإن الوصي من قبل أحدهما، إذا كانت وصيته شاملة لموضوع التزويج، له صلاحية تزويج المجنون عند بعض الفقهاء، وعند بعضهم لا يترك الاحتياط بتوافق الوصي مع الحاكم الشرعي.
أما من طرأ عليه الجنون بعد البلوغ، فيرى عدد من الفقهاء أن الولاية أيضاً لأبيه وجده لأبيه وعند فقدهما للوصي على النحو السابق.
بينما يرى فقهاء آخرون بأن الاحتياط يقتضي التوافق بين أبيه أو جده أو الوصي مع الحاكم الشرعي حول تزويجه.
ومع فقد الأب والجد والوصي فإن الولاية للحاكم الشرعي على المجنون يزوجه إذا كان محتاجاً إلى الزواج.