أولياء عقد الزواج

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



يقر العقل والشرع للإنسان سلطته على نفسه، وحريته في تصريف شؤون حياته، لكن ذلك مشروط بتوفر مستوى الإدراك والنضج ليكون مؤهلاً لاتخاذ القرارات النافعة له، أو على الأقل غير الضارة به، لذلك تضع كل الدساتير والأنظمة شروطاً معينة وسناً محدداً يعترف من خلاله بالشخصية القانونية الاعتبارية للإنسان.

والزواج من أخص شؤون الإنسان، والزوجان هما طرفا عقد الزواج، وصاحبا الشأن فيه، فقراره بيدهما، هذا مع توفر الأهلية والصلاحية، أما مع النقص والقصور، فإن الشرع يفوّض القرار لأقرب الناس وأحرصهم على مصلحة ذلك الإنسان، وهو ما يعبّر عنه بأولياء العقد، أي الأشخاص الذين لهم صلاحية إنشاء عقد الزواج للشخص الذي يفتقد أهلية التعاقد، أو يكون رضاهم وإمضاءهم شرطاً لصحة ذلك العقد.



وسنتناول فيما يلي الحديث عن أولياء العقد في رأي فقهاء المذاهب الإسلامية.



1- ولاية الأب:


أ- يتفق فقهاء المسلمين على ولاية الأب على ابنه الصغير وابنته الصغيرة اللذين لم يبلغا سن التكليف، فإذا كانت هناك مصلحة في تزويج الصغير أو الصغيرة، جاز للأب أن يزوجهما.

ويكتفي بعض الفقهاء باشتراط عدم المضرة والمفسدة لهما في الزواج وإن لم يكن فيه مصلحة. وتحديد المصلحة والمفسدة يكون حسب نظر العقلاء.

ويختلفون في أنه هل للصغير أو الصغيرة إذا زوجهما الأب خيار الفسخ بعد البلوغ أم لا؟

قال بعض الفقهاء بثبوت الخيار مطلقاً، وحصره بعضهم بما إذا كان هناك مفسدة وضرر، وقال بعض بنفيه، ويرى أكثر المراجع المعاصرين مراعاة الاحتياط عند الفسخ بالطلاق، أو تجديد العقد.

ب- ويتفقون كذلك على ولاية الأب على المجنون ذكراً أو أنثى إذا كان الجنون متصلاً بالبلوغ، أمّا إذا طرأ الجنون بعد البلوغ فهناك من الفقهاء من يرى ولاية الحاكم حينئذ وليس الأب، وللاحتياط ينبغي توافقهما.

فللأب أن يزوج ولده أو ابنته المجنونين كما هو الحال بالنسبة للصغيرين، والاختلاف الوارد بين الفقهاء هناك يجري هنا أيضا بالنسبة لحق الخيار في الفسخ لو أفاق وبرئ من جنونه.

ج- إذا كان الولد بالغاً عاقلاً ولكنه غير رشيد وحسب المصطلح الفقهي (سفيه) ويعني ذلك عدم نضجه في تصرفاته بالمستوى المتعارف لأمثاله فهنا أيضاً لابد من إذن الأب ورضاه لصحة زواجه وكذلك الحال تثبت ولاية الأب باتفاق الفقهاء على ابنته غير الرشيدة وإن كانت بالغة عاقلة.

د- أمّا إذا كان الولد بالغاً عاقلاً رشيداً فإنه يستقل بقرار زواجه ولا ولاية لأبيه عليه ولا يشترط إذنه ورضاه.

لكن الأمر يختلف بالنسبة للفتاة البالغة العاقلة الرشيد إذا كانت بكراً حيث يرى أغلب الفقهاء استمرار ولاية الأب عليها فلا تتزوج إلا بإذنه، -كما سبق الحديث في الدرس رقم (7)-.

هـ- بالنسبة للمرأة الثيّب يجمع فقهاء الشيعة على استقلالها بقرار الزواج بينما يختلف في ذلك فقهاء
السنة - كما سبق في الدرس رقم (9)-.



2- ولاية الجد:


- الجد من طرف الأب له ولاية موازية لولاية الأب غير متوقفة على حياته أو موته عند فقهاء الشيعة على من سبق ذكرهم: وتنطبق نفس الأحكام والضوابط على موضوع ولايته.

وكل من الأب والجد مستقل في الولاية، فلا يلزم الاشتراك ولا الاستئذان من الآخر، فأيهما سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته من عدم المضرة والمفسدة أو توخي المصلحة، لم يبق محل للآخر، وإذا مات أحدهما اختصت الولاية بالآخر، ولو أقدم كل منهما على التزويج نفذ تزويج المتقدم ولغى الآخر، وإن كانا متقارنين فالأولوية لعقد الجد على عقد الأب.

أمّا عند أهل السنة فلا ولاية للجد مع وجود الأب وإنّما الولاية للجد عند فقد الأب.

- ومنع المالكية والحنابلة تزويج الجد للصغير والصغيرة وقالوا: ليس لغير الأب أو وصيه أو الحاكم تزويج الصغار[1] .



3- ولاية الوصي:


أفتى فقهاء الشيعة بولاية الوصي للأب أو الجد مع فقدهما على المجنون المتصل جنونه ببلوغه ذكراً أو أنثى، فللوصي حق تزويجه، إذا كان مفوضاً إليه ذلك من الموصي والأحوط عند بعضهم التوافق مع الحاكم الشرعي. لكنهم اختلفوا في ولايته على تزويج من أصابه الجنون بعد البلوغ، وعلى تزويج الصغير، حيث قال بعضهم بولايته على تزويج الصغير إذا نصً الوصي على ذلك، وقال آخرون بأن تزويج الصغير والمجنون بعد البلوغ من قبل الوصي يحتاج إلى استئذان من الحاكم أمّا على نحو اللزوم أو الاحتياط.

ومنع الشافعية الوصي من تزويج الصغير والصغيرة وقالوا: إنه ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة[2] .



4- ولاية الحاكم:


للحاكم الشرعي تزويج من لا ولاية له من الأب والجد والوصي بشرط الحاجة إلى الزواج أو لمصلحة له فيه.

- ومنع الشافعية ذلك وقصروا حق تزويج الصغير والصغيرة على الأب والجد[3] .



5- ولاية الأقارب:


هل لغير الأب والجد والوصي والحاكم ولاية على الإنسان في أمر زواجه؟

حصر فقهاء الشيعة الولاية في حدود هذه الجهات الأربع ضمن حالات الصغر والجنون والسفه، وبالنسبة للمرأة تضاف حالة كونها بكراً عند بعض فقهاء الشيعة، ولكن الولاية عليها إذا كانت بالغة رشيدة في حدود الأب والجد فقط. ولا ولاية لأحد من الأقرباء أخاً كان أو عماً أو خالاً أو غيرهم.

لكن مذاهب أهل السنة عدا الحنفية رأوا امتداد الولاية عليها في أمر الزواج بكراً كانت أو ثيّباً إلى أقاربها حيث يشترطون أن لا نكاح إلا بولي، وترتيب الأولياء على المرأة عند الحنابلة كالتالي: (أحق الناس بنكاح المرأة الحرة: أبوها، ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها لأبيها وأمها، والأخ للأب مثله، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم العمومة، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب، ثم المولى المنعم، ثم أقرب عصبته به، ثم السلطان)[4] .

ويقدم الحنفية البنوة على الأبوة، ويرى المالكية كذلك تقديم البنوة على الأبوة ثم الأخوة ثم الجدودة ثم
العمومة…، أمّا الشافعية فلا يرون للابن ولاية على أمه.

ويتفق الفقهاء على أنه يشترط في ولاية الأولياء الإسلام إذا كان المولّى عليه مسلماً، لأنه لا ولاية لكافر على مسلم وإن كان أباً أو جداً. ويُشترطُ العقل فلو جُنّ الولي سقطت ولايته.


[1]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ الفقه الإسلامي وأدلته ج7 ص180.
[2]  المصدر السابق ص182.
[3]  المصدر السابق.
[4]  ابن قدامة: المغني ج9ص355.