الرضاع بعد الزواج
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
حينما يحصل الرضاع بشروطه المقررة شرعاً، فإنه يحدث التحريم ضمن طبقة الأقارب من الرضاع، كالأقارب من النسب.
وإذا كانت القرابة النسبيّة ثابتة مستقرة، فإن الرضاع قد ينشئ قرابة طارئة بعد الزواج، تحدث نفس الأثر من التحريم، وتلغي الزواج، وذلك باتفاق الفقهاء من جميع المذاهب الإسلامية.
فـ (إذا حصل الرضاع بشروطه فإنه يبطل الزواج، تماماً كما يمنع منه لو حصل من قبل)[1] .
و (الرضاع المحرم الطارئ على النكاح يقطعه كما يمنع ابتداءه، لأن أدلة التحريم لم تفرق بين رضاع مقارن وبين طارئ عليه)[2] .
أمثلة ونماذج:
وقد ذكر الفقهاء أمثلة ونماذج لأثر التحريم الذي ينتجه الرضاع بعد الزواج ننقل منها:
1. إذا تزوج الرجل طفلة صغيرة لم تكمل السنتين، أي عقد عليها، لجواز العقد على الصغيرة بإذن وليها، طبعاً دون الدخول والذي لا يصح قبل البلوغ، وبعد أن عقد على الصغيرة، أرضعتها بنته أو أمه أو أخته، أو بنت أخيه، أو بنت أخته، أو زوجة أخيه بلبن أخيه، رضاعاً بكامل الشروط، بطل العقد، وحرمت الصغيرة عليه، لأنها تصير حينئذٍ بالرضاع، بنتاً له، أو أختاً، أو بنت أخ، أو بنت أخت له.
2.إذا أرضعت الزوجة الكبيرة ضرّتها الرضيعة، أي زوجة زوجها، فالمشهور بين الفقهاء: أنه يؤدي إلى حرمة الزوجة الكبيرة المرضعة على زوجها حرمة مؤبدة، لأنها تصبح أم زوجته من الرضاعة.
وأما الزوجة الصغيرة الرضيعة فإذا كان الرضاع بلبن زوجها فإنها تحرم أيضاً مؤبداً لأنها أصبحت بنته بالرضاع. وكذلك لو كانت الزوجة الكبيرة المرضعة مدخولاً بها، لأن الصغيرة حينئذٍ ستكون بنتاً لزوجته.
أما إذا لم يكن قد دخل بالزوجة الكبيرة ولم يكن الرضاع بلبنه منها فلا تحرم الصغيرة عليه.
3.إذا أرضعت امرأة طفلاً لزوج بنتها حرمت البنت على زوجها مؤبداً، وبطل نكاحها، سواء أرضعته بلبن أبي البنت أم بلبن غيره، وسواء أكان الطفل من بنتها أم من ضرّة بنتها، لأن زوج البنت أب للمرتضع، وزوجته بنت للمرضعة، ويحرم على أبي المرتضع أن ينكح في أولاد المرضعة النسبيين.
4.إذا أرضعت زوجة الرجل بلبنه طفلاً لزوج بنته سواء أكان الطفل من بنته، أم من ضرّتها، فالمشهور بين الفقهاء: بطلان عقد البنت وحرمتها مؤبداً على زوجها، بناءً على حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن.
5.إذا أرضعت المرأة طفلاً لابنها لا يترتب عليه أثر في تحريم زوجة الإبن عليه، ولكن تترتب عليه سائر الآثار كحرمة المرتضع أو المرتضعة على أولاد عمه وعمته، لصيرورته عماً أو عمة لأولاد عمه، وخالاً أو خالة لأولاد عمته.
إثبات الرضاع:
يثبت الرضاع المحرِّم بأمرين:
1.إخبار شخص أو أكثر يوجب العلم أو الإطمئنان بوقوعه.
2.شهادة رجلين عدلين على وقوعه، أو رجل وامرأتان أو أربع نساء، وتوقف بعض الفقهاء في قبول شهادة النساء في الرضاع منفردات أو منضمات.
لكن المشهور عند فقهاء الشيعة قبول شهادة النساء العادلات في الرضاع، لإطلاق جملة من الأخبار منها قول الإمام جعفر الصادق في صحيح ابن سنان: « تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر ». إلى غيرها من الروايات الشاملة للرضاع مع شرائطه المفصلة المتقدمة لأنه مما لا يمكن اطلاع الرجل عليه[3] . وهو رأي السيد الشيرازي[4] والشيخ التبريزي[5] من المعاصرين، بينما استشكل في ذلك السيد السيستاني[6] .
وذهب الحنفية إلى أنه يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولا يثبت بشهادة النساء بانفرادهن. وقال الشافعية أنه يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو أربع نساء. وأجاز الحنابلة شهادة حتى المرأة الواحد الموثوقة[7] .
ولا تقبل الشهادة على الرضاع إلا مفصّلة، بأن يشهد الشهود على الإرتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة متواليات مثلاً، إلى بقية الشروط.
ولا تكفي الشهادة المطلقة والمجملة: بأن يشهد على وقوع الرضاع المحرّم، أو يشهد مثلاً على أن فلاناً ولد فلانة، أو فلانة بنت فلان من الرضاع، بل يسأل منه التفصيل.
ولو شك في وقوع الرضاع، أو في حصول بعض شروطه من الكمية أو الكيفية مثلاً بنى على العدم. وإن كان الاحتياط مع الظن بوقوعه جامعاً للشرائط - بل مع احتماله - حسناً.
إخوة وأخوات المرتضعين:
إذا حرمت مرتضعة على مرتضع بسبب ارتضاعهما من لبن منتسب إلى رجل واحد، لم يؤد ذلك إلى حرمة أخوات كل منهما على إخوة الآخر.
الرضاع والمصاهرة:
الأم الرضاعية لزوجة الرجل تكون بمنزلة الأم النسبية لها، فتحرم عليه وإن لم يكن قد دخل ببنتها، كما أن البنت الرضاعية لزوجته المدخول بها، تكون بمنزلة بنتها النسبية فتحرم عليه، وكذلك زوجة الابن الرضاعي كزوجة الابن النسبي تحرم على أبيه، وزوجة الأب الرضاعي كزوجة الأب النسبي تحرم على الابن.
إذا تبين الرضاع بعد الزواج:
لو تبين بعد عقد النكاح حرمة الزوج على الزوجة بالرضاع ينفسخ النكاح فوراً وليس للزوجة شيء من المهر. ولو وقع وطي قبل الاستبانة يترتب عليه حكم الوطي بالشبهة، وحينئذٍ يكون للمرأة مهر المثل، على افتراض أنها هي أيضاً لم تكن تعلم بوجود العلاقة الرضاعية المحرِّمة، وأما لو كانت تعلم وكان الزوج وحده جاهلاً بالأمر فلا تستحق شيئاً من المهر.