الشذوذ الجنسي وتحريم التزاوج

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين





الشذوذ هو مخالفة المألوف والمعتاد. يشذّ شذوذاً أي انفرد عن الجمهور وندر فهو شاذ. وشذَّ الرجل اذا انفرد عن أصحابه، وكل شيء منفرد فهو شاذ.

والجنس غريزة طبيعية تؤدي دوراً هاماً في حياة الانسان الشخصية والاجتماعية، فعبرها يتم الارتباط بين قسمي البشر الذكر والانثى، للاستمتاع والاشتراك في بناء حياة معيشية هانئة، ولاستمرار التكاثر والتناسل، وتنظيم العلاقات الاجتماعية.

وممارسة هذه الغريزة خارج اطارها الطبيعي بين الذكر والانثى، يعتبر شذوذاً ومخالفة للطبيعة والمألوف، لذلك يطلق عليه شذوذ جنسي.

والظاهر من آيات القرآن الكريم أن اول مجتمع انتشرت فيه هذه الظاهرة السيئة هم قوم نبي اللَّه لوط يقول تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [1] .

حتى ان اسم اللواط في اللغة اللاتينية (sodomy) قد اشتق من اسم مدينة (سَدُوم) التي كان قوم لوط يعيشون فيها، وهي تقع جنوب البحر الميت في فلسطين.

والممارسة المحرّمة بين ذكر ومثله تسمى (لِواط) وبين انثى ومثلها تسمى (سِحاق)، ويشير حديث مروي عن الامام جعفر الصادق الى ان هذين العملين الشاذين كليهما بدءا في قوم لوط. « ان اول من عمل هذا العمل قوم لوط، فاستغنى الرجال بالرجال فبقى النساء بغير رجال ففعلن كما فعل رجالهن »[2] .

حكم الشذوذ الجنسي وعقوبته:


وكلاهما عمل محرم، عذابه شديد في الآخرة، وعقوبته شديدة حسب الحكم الشرعي في الدنيا.

فعن المرأة المرتكبة للسحاق يقول الامام جعفر الصادق : « ملعونة ملعونة ان الله تبارك وتعالى والملائكة واولياءه يلعنونهما وهو والله الزنا الاكبر »[3] .

وعن اللواط يكفي أن الله تعالى اعتبره فاحشة والمرتكبين له وصفهم بقوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [4]  وفي آية أخرى ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [5] .

وروي عن الامام جعفر الصادق عن جده رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) أنه قال: « من جامع غلاماً جاء جنباً يوم القيامة لا يقيه ماء الدنيا وغضب الله عليه ولعنه واعد له جهنم وساءت مصيرا »[6] .

وورد عن عبد الله بن عباس عن رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) أنه قال: « لعن الله من عِمل عَمل قوم لوط، ولعن الله من عِمل عَمل قوم لوط ولعن الله من عِمل عَمل قوم لوط »[7] .

اما العقوبة فقد اتفق فقهاء مذاهب السنة أنه لا حد في السحاق وانما يجب فيه التعزير[8]  بأن يختار الحاكم العقوبة الرادعة المناسبة.

واتفق فقهاء الشيعة ان عقوبة السحاق لغير المتزوجة مئة جلدة اما المتزوجة فالمشهور عندهم كذلك ويرى بعض الفقهاء ان حد السحاق للمتزوجة الرجم[9] .

كما اختلف فقهاء السنة في عقوبة اللواط، فنقل عن الامام أحمد بن حنبل قولان بالرجم وحد الزنى. وقال المالكية بالرجم وذهب الشافعية الى أن حده حد الزنا، وقال الحنفية بالتعزير[10] .

واتفق فقهاء الشيعة على ان عقوبة اللواط للمتزوج القتل اما غير المتزوج فاختلفوا بين القتل والجلد، هذا بالنسبة للفاعل واما المفعول به فحده القتل متزوجاً أو غير متزوج، والقتل في عقوبة اللواط للطرفين اما بالسيف ويحرق بعدها بالنار، او يحرق بالنار مباشرة، أو يلقى من جبل شاهق مشدود اليدين والرجلين[11] .

وتؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية: ان الشذوذ الجنسي بنوعيه من اهم مصادر العدوى بالامراض الجنسية، وهو سبب رئيس لمرض طاعون العصر الايدز (aids).

الشذوذ وتحريم التزاوج:


الشذوذ بين الاناث لا يترتب عليه اثر في تحريم التزاوج، اما بين الذكور فيرى أحمد بن حنبل أنه يحرم على اللائط أم الغلام وإبنته، وعلى الغلام أم اللائط وإبنته[12] .

وقال المالكية على المشهور والشافعية ان ذلك لا يوجب التحريم وانما الكراهة[13] .

1- اما فقهاء الشيعة فقد اتفقوا على ان اللائط اذا كان بالغاً، والملوط غير بالغ فإنه تحرم على اللائط أم الملوط وبنته وأخته، ولا يحرم على الملوط احد من قريبات اللائط.

ودليل الحكم بالتحريم روايتان معتبرتان عن الامام جعفر الصادق ، سئل فيهما عن رجل أتى غلاماً هل تحل له أمه أو أخته؟ فاجاب بالنفي[14] .

لكنهم اختلفوا في التفاصيل التالية:

2- اذا كان اللائط غير بالغ فيرى بعض الفقهاء أنه لا يسبب التحريم[15] .

3- وكذلك اذا كان الملوط بالغاً فانه لا يسبب التحريم عند بعضهم[16] .

4- اذا كان اللواط بعد الزواج من إحدى قريبات الملوط، يرى اغلب فقهاء الشيعة أنه لا يسبب التحريم لكن البعض يفتي بالتحريم احتياطيا[17] .

وسبب الاختلاف ما ورد في النص (رجل اتى غلاماً) حيث يرى البعض ان عنوان (رجل) ينطبق على الكبير وليس غير البالغ، وكذلك عنوان (غلام) يطلق على غير البالغ وليس الكبير، بينما يرى آخرون ان المقصود من (رجل) و (غلام) مطلق الذكر، أو يحتمل ذلك.


[1]  سورة الاعراف الآية80-81.
[2]  الكليني: محمد بن يعقوب/ الكافي ج5 ص552.
[3]  المصدر السابق.
[4]  سورة الاعراف الآية81.
[5]  سورة الشعراء الآية166.
[6]  الكليني: محمد بن يعقوب/ الكافي ج5 ص544.
[7]  بن حنبل: الامام أحمد/ مسند الامام أحمد بن حنبل ج1 ص787 حديث رقم 2817.
[8]  الموسوعة الفقهية- وزارة الاوقاف- الكويت ج24 ص252.
[9]  الخوئي: السيد ابو القاسم/ مباني تكملة المنهاج ص248 مطبعة الآداب – النجف.
[10]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ الفقه الاسلامي وادلته ج6 ص66.
[11]  الخوئي: السيد ابو القاسم/ مباني تكملة المنهاج ج1 ص234.
[12]  بن قدامة: عبد الله بن أحمد بن محمد/ المغني ج9 ص529 الطبعة الثانية1992م – هجر – القاهرة.
[13]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ الفقه الاسلامي وادلته ج7 ص135.
[14]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة ج20 ص455 حديث رقم26051 /26053.
[15]  التبريزي: الشيخ جواد/ المسائل المنتخبة ج2 مسألة 991/ الشيرازي: السيد محمد/ مسألة 583 المسائل المقدادية.
[16]  التبريزي: الشيخ جواد/ المسائل المنتخبة ج2 مسألة 991.
[17]  السيستاني: السيد علي/ منهاج الصالحين ج3 مسألة 186.