الإسلام والردّة بعد الزواج

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


في كل مجتمع بشري هناك نظام للحياة الزوجية العائلية، وتعتبر العلاقات الجنسية خارج هذا النظام غير شرعية، وتختلف قوانين الزواج بشكل أو بآخر بين المجتمعات، لاختلاف أديانهم ومذاهبهم السماوية أو الوضعية.

والإسلام يُقر ويعترف لكل مجتمع بنظامه الذي اختاره وارتضاه لنفسه في مجال العلاقات الزوجية والأسرية، فيعتبره من الناحية القانونية ملزماً وساري المفعول.

فاليهود أو النصارى أو أي ملة أخرى، لهم الحق قانونياً في إجراء أنظمتهم وشرائعهم في العلاقات الزوجية والأسرية، ويحكم بترتيب الآثار على تلك الأنظمة والإجراءات، ولا يفرض عليهم أن يتزاوجوا أو يتعاملوا في حياتهم الزوجية في تأسيسها أو إنهائها أو فيما يتعلق بها، حسب تعاليم الإسلام، فذلك ينافي مبدأ ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [1]  و ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [2] .

شرعية الزواج في كل مجتمع:


لذلك جاءت النصوص الإسلامية مؤكدة على الإقرار بأنظمة الزواج لكل مجتمع حسب دينه وشريعته.

روى أبو بصير عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: « كل قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز »[3]  .

وفي حديث آخر عنه : « نهى رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) أن يقال للإماء: يا بنت كذا وكذا فإن لكل قوم نكاحاً » [4]  أي أنه (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) نهى أن تنسب الأمة التي جاءت من الكفار إلى أنها نتاج علاقة غير شرعية، لأن الشرعية في كل مجتمع بحسب نظامه.

من هنا قال الفقهاء: إن العقد الواقع بين الكفار لو وقع صحيحاً عندهم وعلى طبق مذهبهم يترتب عليه آثار الصحيح عندنا، سواء كان الزوجان كتابيين أو وثنيين أو مختلفين، حتى أنه لو أسلما معاً دفعة أقرا على نكاحهما الأول، ولم يحتج إلى عقد جديد على طبق مذهبنا[5] .

وقال ابن قدامة الحنبلي: أنكحة الكفار صحيحة يقرّون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا، إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداءً نكاحها في الحال، ولا ينظر إلى صيغة عقدهم وكيفيته، ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين، من الولي، والشهود، وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك. بلا خلاف بين المسلمين. قال ابن عبد البر: اجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معاً، في حال واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما، ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع. وقد أسلم خلق في عهد رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم)، وأسلم نساؤهم، وأقروا على أنكحتهم، ولم يسألهم رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) عن شروط النكاح، ولا عن كيفيته، وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة، فكان يقيناً[6] .

نعم نقل رأي للمالكية بأن أنكحة غير المسلمين فاسدة، لأن للزواج في الإسلام شرائط لا يراعونها فلا يحكم بصحة أنكحتهم[7] .

إذا أسلم الزوجان:


وبناءً على ما أتفق عليه فقهاء المسلمين سنة وشيعة - عدا ما نقل عن المالكية - فإنه إذا أسلم الزوجان استمر زواجهما صحيحاً، إلا إذا كان مشتملاً على ما يقتضي الفساد، كالزواج من إحدى المحارم النسبية أو الرضاعية، أو أن تكون له أكثر من أربع زوجات، فيقر زواجه من أربع يختارهن، وينفسخ في الباقي. وكذا لو أسلم عن أختين تخيّر إحداهما، وبطل نكاح الأخرى.

لو أسلم الزوج:


إذا أسلم الزوج وبقيت زوجته على غير الإسلام، فإن كانت كتابية، - إي من أهل الكتاب كاليهود أو النصارى - يستمر زواجهما محكوماً بالصحة، لجواز زواج المسلم من الكتابية.

أما إذا كانت الزوجة من غير أهل الكتاب، كما إذا كانت وثنية مثلاً، كالبوذيين والهندوس، فإن كان إسلامه قبل الدخول بها انفسخ اتفاق الزواج بينهما، وإن كان إسلامه بعد الدخول، يتركها لمدة عدة الطلاق، فإن أسلمت الزوجة بقيا على زواجهما السابق، أما إذا انتهت العدة ولم تقبل الإسلام ينفسخ زواجه منها، لأنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج المشركة.

إذا أسلمت الزوجة:


لو أسلمت الزوجة فقط ولم يسلم زوجها، فإن كان إسلامها قبل دخوله بها، انفسخ نكاحها منه فوراً، وإن كان بعد الدخول تنتظر مدة العدة، فإن أسلم استمر زواجهما، وإن لم يسلم فهي بائنة منه، لأنه لا يجوز زواج المسلمة بغير المسلم.

ويرى بعض الفقهاء أن الأحوط لزوماً أن يجدد العقد عليها لو أسلم قبل انتهاء العدة، وأن يفترقا بالطلاق لو انتهت العدة ولم يسلم[8] .

إذا ارتد الزوج:


لو كان الزوج مسلماً ثم ارتد عن الإسلام بأن أنكر الألوهية أو النبوة أو المعاد، أو أنكر حكماً من الأحكام الضرورية بين المسلمين مع علمه بأنه ضروري، كوجوب الصلاة أو الصوم ونحوهما، مما أطبق المسلمون على أنه جزء من الدين، فهنا يصبح مرتداً، فإن كان في الأصل ليس مسلماً ولكنه أسلم فيما بعد، ثم ارتد فيطلق عليه مرتد عن ملة، وحكم زوجته المسلمة حينئذٍ، بطلان زواجه منها فوراً إن كان ارتداده قبل الدخول بها، أو كانت ممن لا عدة عليها كالصغيرة واليائسة.

أما إذا كان ارتداده بعد الدخول، والزوجة في سنّ الحيض، فعليها أن تتركه لمدة عدة الوفاة [9] ، وعند بعض الفقهاء عدة الطلاق[10] . فإن رجع إلى الإسلام استمر زواجهما، وإن أصر على ارتداده بطل نكاحها منه.

ولو ارتد الزوج وكان مولوداً على الإسلام يسمى مرتد عن فطرة، وهنا تحرم عليه زوجته المسلمة فوراً وتعتد عدة الوفاة. ويرى بعض الفقهاء عدم لزوم العدة لو كانت يائسة [11] .

ويرى بعض الفقهاء أن الأحوط لزوماً الفراق بإجراء الطلاق[12] .

إذا ارتدت الزوجة:

إذا ارتدت الزوجة سواء كان ارتدادها عن ملة أو فطرة، فإن كان ارتدادها قبل دخول زوجها المسلم بها، أو كانت يائسة أو صغيرة، بطل النكاح فوراً. أما إذا ارتدت بعد الدخول بها وهي في سنّ الحيض، فيتركها زوجها المسلم لمدة عدة الطلاق، فإن عادت إلى الإسلام استمر زواجهما، وإلا بطل الزواج.


[1]  سورة البقرة الآية256.
[2]  سورة الكافرون الآية6.
[3]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة ج21 ص200- حديث رقم 26893.
[4]  المصدر السابق/ حديث رقم 26892.
[5]  السبزواري: السيد عبد الأعلى/ مهذب الأحكام ج25 ص62.
[6]  ابن قدامة/ المغني ج10 ص5 الطبعة الثانية 1992م هجر – القاهرة.
[7]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ الفقه الإسلامي وأدلته ج7 ص159 الطبعة الثالثة 1989م دار الفكر- دمشق.
[8]  السيستاني: السيد علي/ منهاج الصالحين ج3 ص69 مسألة 210.
[9]  الشيرازي السيد محمد الحسيني/ المسائل الإسلامية مسألة 2783.
[10]  السيستاني: السيد علي/ منهاج الصالحين ج3 ص69 مسألة 212.
[11]  التبريزي: الشيخ جواد/ المسائل المنتخبة ج2 ص308 مسألة 1034.
[12]  السيستاني: السيد علي منهاج الصالحين ج3 ص70 مسألة 213.