عقد الزواج حال الإحرام
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
إذا احرم الإنسان لنسك حج أو عمرة، عن نفسه أو نيابة عن غيره، لنسك واجب أو مستحب، فإنه بإحرامه قد وقّع معاهدة واتفاقاً، مع الله سبحانه وتعالى، باجتناب مجموعة من الأمور والممارسات، يطلق عليها محظورات وتروك الإحرام. فلا بد له أن يلتزم بالابتعاد عنها، حتى يتم نسكه، ويحلّ من إحرامه.
فهو بعقده الإحرام يدخل في برنامج إلهي، يستهدف نقله من الاهتمامات المادية المسيطرة عليه، وتدريبه على الالتزام بالأوامر الإلهية، مهما كانت صعوبتها، ليعيش فترة نسكه هدوءاً وصفاء روحياً نفسياً، يساعده على تركيز الفكر، وتحصيل أكبر قدر من الثراء والاستلهام المعنوي.
وإذا ما أخل المحرم بذلك الالتزام، وخرق تلك المعاهدة، بارتكاب شيء من محرّمات الإحرام عالماً عامدا، فإنه يترتب على ذلك نتائج ومضاعفات، كاستحقاقه الإثم، أو أداء الكفارة، وقد تلزمه بعض الأحكام الوضعية المترتبة على مخالفته.
عقد الزواج:
من محظورات الإحرام إجراء عقد النكاح، لزواج دائم أو منقطع، سواء باشر المحرم إجراء العقد لنفسه أم وكّل غيره لإجرائه، وسواء كانت المرأة محرمة أم غير محرمة. وكذلك لا يجوز للمحرمة أن تتزوج ولو كان الرجل محلاً.
وكما لا يجوز للمحرم أن يعقد النكاح لنفسه، لا يجوز له أن يعقده لغيره، محرماً كان ذلك الغير أو محلاً. جاء في معتبرة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق : « ليس ينبغي للمحرم أن يتزوج ولا يزوج محلاً » [1] .
ويفسد العقد حال الإحرام على كل حال حتى مع الجهل بأن ذلك حرام. ولكنه في صورة الجهل منهما معاً يمكنهما إعادة العقد بعد انتهاء الإحرام.
وتحريم عقد الزواج حالة الإحرام أجمع عليه فقهاء الشيعة، وجمهور أهل السنة، فقد روى مسلم في صحيحه عنه (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم): « لا يَنُكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب » والنكاح يكون باطلاً لأنه منهي عنه.
قال ابن قدامة: ومتى تزوج المحرم، أو زَوجَ، أو زُوجت محرمة، فالنكاح باطل، سواء كان الكل محرمين أو بعضهم، لأنه منهي عنه فلم يصح.[2] وانفرد المذهب الحنفي بإجازة الزواج والخطبة للمحرم، لحديث روي عن ابن عباس: (أن النبي (صلى اللَّه عليه وآله وسلم) تزوج ميمونة وهو محرم) ورد جمهور السنة على الأحناف بحديث أبي رافع قال: (تزوج رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما) وحديث آخر لميمونة نفسها (أن النبي تزوجها حلالاً، وبنى بها حلالاً).
وميمونة وأبو رافع أعلم بذلك من ابن عباس، لأنه كان صغيراً آنذاك. وقال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، ما تزوجها النبي (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) إلا حلالاً. ثم إن حديث « لا ينكح المحرم » قول فيقدم على الفعل المروي عن ابن عباس، وهو آكد، لأن الفعل يحتمل أن يكون مختصاً بما فعله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم).[3]
تحرم عليه مؤبدا:
إذا حصل عقد النكاح حال الإحرام، مع علم الرجل أو المرأة بأنه حرام، فإضافة إلى فساد العقد، تحرم عليه مؤبداً. وهذا ما اجمع عليه فقهاء الشيعة لورود جملة من النصوص الدالة عليه كالرواية المعتبرة عن عبد الله بن بكير عن أديم بياع الهروي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: « والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام لم تحل له أبداً »[4] .
أما أهل السنة فلم يقل أحد منهم بالتحريم المؤبد لمن عقد عليها حال الإحرام وإنما يكون العقد فاسداً وعليه الإثم إن كان عالما.
الرجوع في الطلاق:
يجوز للمحرم حال إحرامه الرجوع في الطلاق إذا كان طلق زوجته طلاقاً رجعياً ولا ينافي ذلك الإحرام. لأنها لا تزال زوجته ما دامت في العدة، وإلغاء الطلاق لا يصدق عليه عنوان الزواج والتزويج، الذي وردت النصوص بتحريمه على المحرم.
التوكيل لما بعد الإحرام:
يجوز للمحرم أن يوّكل أحداً ليعقد له بعد الإحلال من الإحرام، ويجوز له أن يتوكل عن أحد لتزويجه بعد إحلاله من إحرامه.
حضور عقد النكاح:
لا يجوز للمحرم أن يشهد عقد النكاح لآخرين، ويحضر وقوعه على المشهور بين الفقهاء، والأحوط استحباباً أن يتجنب أداء الشهادة عليه أيضاً وأن تحملها محلّاً.
ويرى بعض الفقهاء حرمة أداء الشهادة حينئذٍ.[5]
وقال جمهور أهل السنة بالكراهة. قال ابن قدامة الحنبلي: (ويكره أن يشهد في النكاح، لأنه معاونة على النكاح، فأشبه الخطبة، وإن شهد أو خطب لم يفسد النكاح)[6] .
خِطبة النساء:
الأحوط استحباباً للمحرم أن لا يتعرض لخطبة النساء، وكذلك قال فقهاء السنة بأنه (تُكره الخِطبة للمحرم، وخطبة المحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب للمحلين)[7]