إجراء عقد الزواج
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
عقد الزواج هو تعبير لفظي عن قصد وإرادة عند طرفي العقد لإقامة علاقة زوجية، يلتزم فيها كل منهما تجاه الآخر بواجبات محددة في مقابل حقوق معينة.
وصيغة العقد سهلة بسيطة كأن تقول المرأة: زوجتك نفسي على الصداق المعلوم. فيقول الرجل: قبلت.
ويمكنهما مباشرة إجراء العقد دون حاجة إلى وكيل أو قاض أو مأذون شرعي، هذا من الناحية الشرعية، أما الجانب القانوني والرسمي، فلكل بلاد إجراءاتها التنظيمية الخاصة بإصدار وثائق الزواج، تسهيلاً للضبط، ومنعاً للتلاعب، وحفظاً للحقوق.
أهلية إجراء العقد:
اتفق فقهاء المسلمين على أهلية الرجل البالغ العاقل الراشد لمباشرة إجراء عقد الزواج لنفسه أو وكيلاً عن غيره أما الصغير أو المجنون أو السفيه فغير مؤهل شرعاً لإجراء العقد، ووليه هو المخوّل بذلك.
واختلفت المذاهب الإسلامية في أهلية المرأة البالغة العاقلة الراشدة لإجراء العقد لنفسها، أو لغيرها. فقهاء الشيعة اجمعوا على أنه «لا يشترط الذكورة في العاقد، فيجوز للمرأة الوكالة عن الغير في إجراء الصيغة، كما يجوز إجراؤها لنفسها»[1]، لإطلاقات أدلة التوكيل، حيث لا دليل على اعتبار الرجولية في الوكيل، ولعموميات و اطلاقات أدلة النكاح، ولورود نصوص واضحة كصحيحة أبان بن تغلب عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: «فإذا قالت: نعم فقد رضيت وهي إمرأتك»[2].
ويوافق الحنفية الشيعة في هذا الرأي.
لكن الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وابن حنبل-في المشهور عنه- ذهبوا إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تباشر عقد الزواج لا لنفسها ولا لغيرها. وإنما يزوجها وليها.
واستدلوا بالآيات القرآنية التي أضافت النكاح إلى الأولياء كقوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ﴾ سورة النورآية32.فالإنكاح هو تولي إنشاء العقد، وقد خاطب الأولياء به، واضافه إليهم. واحتجوا أيضاً ببعض الأحاديث كما رواه ابن ماجه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله : «لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها».
واستدل الأحناف في مقابلهم بورود آيات في القرآن أضافت النكاح إلى المرأة، كقوله تعالى: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾سورة البقرة آية230. فقد أضاف النكاح إليها وهذا يفيد أنه يتصور النكاح منها. وكذلك قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾سورة البقرة آية232. فأضاف النكاح إليهن وهو يدل على جواز النكاح بعبارتهن.
وقد ثبت أن أم المؤمنين عائشة زوّجت حفصة بنت أخيها عبدالرحمن وهو غائب، فلما حضر أمضى العقد. أما الأحاديث الناهية للمرأة أن تزوج نفسها فهي ظاهرة فيما إذا استقلت بالعقد دون رأي وليها.[3]
التوكيل لإجراء العقد:
المتعارف عليه أن توكّل المرأة عنها من ينشئ صيغة العقد، وكذلك يوكّل الرجل من يقبل عنه الزواج، وذلك لما يغمر المرأة عادة من الحياء في هذه المناسبة، ومن اجل إتقان التلفظ بصيغة العقد، إيجاباً وقبولاً، ولإكمال الإجراءات الرسمية القانونية حيث لا خبرة لهما بها. لهذا يتجهان للمحكمة أو للمأذون الشرعي، أو لأشخاص يمارسون القيام بدور الوكالة في إجراء عقد الزواج.
شروط الوكيل:
لا يشترط في الوكيل لإجراء عقد الزواج أكثر من كونه بالغاً عاقلاً قادراً على التلفظ بالصيغة المطلوبة شرعاً. ولا تشترط فيه العدالة، ولا التحصيل العلمي.
لكن ينبغي للشخص الذي يمارس القيام بدور الوكالة في إجراء عقود الزواج أن يتصف بما يلي:
1. الاطلاع بالمقدار الممكن على أحكام النكاح والطلاق، ليعرف الضوابط والحدود الشرعية، كلزوم إذن الولي بالنسبة لتزويج المرأة البكر، وكضرورة انتهاء العدة لتزويج المرأة الثيب، ومعرفة مقدار عدة الطلاق وعدة الوفاة وما أشبه. وكذلك الاطلاع على القوانين الرسمية المعول بها لإجراءات الزواج في البلاد.
2. الانتباه والالتفات لوقوع المخالفات والتلاعب، حيث يحدث في بعض الحالات أن يكون هناك إجبار وإكراه لأحد طرفي العقد وخاصة البنت على الزواج ممن لا تريده ولا ترغبه، كما قد يكون هناك طلاق لا تتوفر فيه الشروط الشرعية وفق المذهب، وهنا لا يصح تزويج هذه المرأة لأنها لا تزال على ذمة زوجها.. وما يشبه ذلك من مخالفات بسبب الجهل، أو لأغراض سيئة، مما يستدعي الانتباه من قبل الوكيل، حتى لا يكون طرفاً في مخالفة شرعية، أو إضاعة لحق من الحقوق.
3. التدخل الإيجابي لمعالجة ما قد يحصل عادة بين الطرفين أو أهاليهما عند التوكيل للزواج، حول تحديد المهر، أو تقرير بعض الشروط، أو اعتراض بعض الأقرباء دون مبرر مقبول.. وهنا ينبغي للوكيل أن يقوم بدور النصيحة وإصلاح ذات البين، والتوفيق بين الآراء والرغبات، وتبيين أحكام الإسلام وتعاليمه في هذه الأمور بإسلوب حكيم، وبطريقة مناسبة.
4. صحيح أنه يحق للوكيل أن يأخذ أجرة ومكافأة على ما يقوم به من دور في إجراء العقد، لكن عليه أن لا يغفل ان في عمله هذا ناحية عبادية، لما ورد من فضل وثواب في أي مسعى لتشجيع النكاح، والجمع بين رأسين على كتاب الله وسنة رسوله.
فلا تكون الأجرة هي كل قصده وهمه، ولا يفرض مبلغاً معيناً بل يقبل ما يقدم إليه، وإذا كان حال المتزوج ضعيفاً، فليتنازل عن أخذ أجرة منه قربة إلى الله تعالى.
5. التأكد من المعلومات والوثائق والإثباتات للإجراءات الرسمية، بأن يأخذ التوكيل من الطرفين مباشرة، وكذلك موافقة ولي أمر الفتاة، بحضور شاهدين مع أخذ توقيعاتهم، وأن يطلع على الوثائق الرسمية لينقل منها المعلومات بدقة، وحينما تكون المرأة ثيباً عليه أن يتأكد من صحة الطلاق وانتهاء العدة، وإذا كانت أرملة فعليه أن يتأكد من انتهاء عدة الوفاة، فذلك أفضل لمراعاة الجوانب الشرعية والقانونية.
6. يجب على الوكيل أن يلتزم بما حدد له الموكّل من حيث الشخص والمهر والشروط وجميع الخصوصيات الأخرى، وإن كان على خلاف مصلحة الموكّل نفسه، ولا يصح له أن يجتهد في إنقاص أو إضافة شيء وإن كان لمصلحة الموكّل إلا بإذنه، فإن خالف الوكيل أو تعدّى ما حدده الموكّل كان تصرفه فضولياً موقوفاً على إجازة الموكّل.
وإن فوّضه الموكّل في شيء فعليه مراعاة مصلحته، فإن خالف مصلحة موكّله كان فضولياً وتوقف الأمر على إجازته.
الوكالة عن الطرفين:
يجوز أن يكون شخص واحد وكيلاً عن الطرفين المرأة والرجل، فيقول حينئذٍ: زوجت موكلتي فلانة موكلي فلاناً على الصداق المعلوم. ثم يقول: قبلت لموكلي.
كما يصح أن يكون الرجل وكيلاً عن المرأة في أن يعقدها لنفسه فيقول: زوجت موكلتي فلانة لنفسي على الصداق المعلوم. ثم يقول: قبلت.
لكن الأفضل أن لا يتولى شخص واحد كلا طرفي العقد.
وصحة انعقاد الزواج بعاقد واحد هو رأي الشيعة والأحناف عدا أحد علماء الأحناف وهو «زفر»، فإنه والمالكية والحنابلة والشافعية لا يجوزون الزواج بعاقد واحد، لأن الشخص الواحد لا يتصور أن يكون مُملِّكا ومتملكاً، لكن استثنى الشافعي مسألة الولي كالجد يزوج بنت ابنه من ابن ابنه الآخر، فيجوز للضرورة. وأجاز المالكية لابن العم والمولى ووكيل الولي والحاكم أن يزوج المرأة من نفسه ويتولى طرفي العقد[4].
ملاحظة:
وينبغي الإشارة هنا إلى أن التوكيل لا يعني التزويج، فلا يصح التعامل بين الرجل والمرأة على أساس أنهما زوجان إلا بعد حصول العقد، حيث يحصل لدى بعض العوائل أن يتعاطى الخاطب مع مخطوبته كزوجين بمجرد أخذ الوكالة، وهذا خطأ واشتباه، بل يجب الانتظار حتى يجري العقد.