شرائط صحة العقد
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
اذا وقع العقد مشتملاً على الايجاب والقبول، معبراً عن قصد الطرفين للزواج، منبثقاً من ارادتهما ورضاهما، فهو عقد شرعي صحيح، بيد أن هناك بعض الامور والشروط يجب مراعاتها ليقر الشارع صحة هذا العقد، ويحكم بترتب الآثار عليه، وللفقهاء فيها نقاش نستعرض اهم نقاطه وموارده.
الموالاة:
ركنا العقد هما الايجاب والقبول، فتقول المرأة مثلاً زوجتك نفسي على الصداق المعلوم، ويقول الرجل: قبلت الزواج لنفسي على الصداق المعلوم. او يقول وكيلها: لوكيله: زوجت موكلتي فلانه موكلك فلاناً على الصداق المعلوم، فيقول: قبلت الزواج لموكلي على الصداق المعلوم.
وهنا يشترط الموالاة بين الايجاب والقبول، بمعنى ان لا يكون هناك فاصل زمني، او تشاغل بأمر وحديث آخر، يفصل بين فقرتي الايجاب والقبول.
وضابط الموالاة هو أن يصدق عرفاً أن هذا القبول لذلك الايجاب، فلو فصل بينهما ذكر متعلقات العقد من الشروط والقيود وغيرها وإن كثرت فليس ذلك مخلاّ. هذا هو المشهور عند فقهاء الشيعة.
لكن بعض الفقهاء لا يرى اشكالاً في الفصل الطويل بين لفظي الايجاب والقبول، والمقياس عنده هو ارتباط الالتزامين، فما دام التزام الايجاب قائماً لم يعرض عنه صاحبه، ففي أي وقت تحقق التزام القبول يصح العقد. وهو ما قرره السيد الخوئي بقوله:
(( ان المعاقدة ليست هي بين اللفظين كي يقال انها معنى واحد قائم بهما فلا بد من ارتباطهما، وانما هي قائمة بين الالتزامين والاعتبارين النفسيين، واطلاقها على اللفظين انما هو باعتبار ابرازهما للاعتبارين.
ومن هنا: فلا عبرة بالفصل بين اللفظين وعدمه، وانما العبرة بارتباط الالتزامين، فاذا كان الالتزام الاول باقياً على حاله، من دون ان يعرض الملتزم عنه الى حين تحقق الالتزام من الثاني، بحيث تحقق الارتباط بين الالتزامين صحت المعاقدة، حتى ولو كان الفصل بين اللفظين طويلا.
نعم لو اعرض الطرف الاول عن التزامه قبل التزام الطرف الآخر، لم يكن لالتزامه بعد ذلك اثر، لعدم تحقق الارتباط بينهما، فانه حين وجود الالتزام من الاول لم يكن الالتزام من الثاني متحققاً، وحين تحقق الالتزام من الثاني لم يكن التزام الاول موجوداً.
وبعبارة اخرى: ان اعتبار التوالي من حيث الزمان لا دليل عليه، ولا عبرة به، وانما العبرة بصدق المعاقدة، ولما كانت هي قائمة بين الالتزامين كفى تحقق الثاني في حين بقاء الاول، وقبل رفع اليد عنه، حيث يتحقق الارتباط بينهما))[1].
ولعل هذا ما اشار اليه السيد الحكيم ايضاً بقوله:
((فلو اجب الموجب، فلم يبادر صاحبه الى القبول، فوعظه ونصحه حتى اقتنع، فقال: قبلت. صح عقداً. لكن الموالاة في المقام غير حاصلة، لا حقيقة ولا عرفا. فالهيئة الاتصالية المعتبرة في صدق العقد لا يعتبر فيها الموالاة الحقيقية، ولا العرفية. نعم يعتبر فيها ان يكون الموجب منتظراً للقبول، فاذا وقع القبول في ذلك الحال كان عقداً.. فالمدار على صدق المطابقة، وهي تحصل بما ذكر، ولو مع الفصل الطويل))[2].
وعند جمهور اهل السنة: يشترط الفور بالاّ يفصل بين الايجاب والقبول فاصل كثير، وعبارة الشافعية: يشترط الا يطول الفصل في لفظي العاقدين بين الايجاب والقبول، فإن طال ضرّ، لأن طول الفصل يخرج القبول عن أن يكون جواباً عن الايجاب. والفصل الطويل: هو ما أشعر باعراضه عن القبول، ولا يضر الفصل اليسير لعدم اشعاره بالاعراض عن القبول. ويضر تخلل كلام اجنبي عن العقد، ولو يسيراً بين الايجاب والقبول، وان لم يتفرقا عن المجلس، لأن فيه إعراضاً عن القبول[3].
إتحاد المجلس:
ذكر بعض فقهاء الشيعة السابقين أنه يشترط اتحاد مجلس الايجاب والقبول، فلو كان القابل غائباً عن المجلس، فقال الموجب: زوجت فلاناً فلانة، وبعد بلوغ الخبر اليه قال: قبلت. لم يصح.
لكن اغلب فقهائهم وخاصة المعاصرين لا يرون أن إتحاد المجلس كعنوان يعتبر شرطاً، وانما يتعلق الأمر بالموالاة، فاذا فقدت الموالاة العرفية عند من يشترطها بحيث لم يصدق أن هذا القبول لذلك الايجاب كان مخلاًّ بالعقد، اما ((لو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدد المجلس كما اذا خاطبه وهو في مكان آخر لكنه يسمع صوته، ويقول: قبلت. بلا فصل مضر فإنه يصدق عليه المعاقدة))[4].
ويعلق السيد الشيرازي على هذه المسألة بقوله: ومنه العقد بالتلفون، واللاسلكي ونحوهما، وكذا اذا اوجبت عبر التلفزيون او الراديو، فسمع وقبل، الى غيرها من الامثلة[5].
اما عند من لا يشترط الموالاة العرفية ويرى كفاية الارتباط بين الالتزامين كما سبق في كلام السيدين الحكيم والخوئي، فلا أثر لديه لمسألة اتحاد المجلس أو تعدده اذا تحقق الارتباط المذكور.
وقد عنّون فقهاء السنة إتحاد المجلس باعتباره شرطاً لصحة العقد: وهو ان يكون الايجاب والقبول في مجلس واحد، فإن اختلف المجلس فلا ينعقد العقد، ويتغير المجلس عند الحنفية بالسير حالة المشي، او الركوب على دابة بأكثر من خطوتين، كما يعد نوم العاقدين مضطجعين، لا جالسين، دليل الإعراض عن القبول، وينعقد إن كان العاقدان على سفينة سائرة لأن السفينة في حكم مكان واحد[6].
التنجيز:
فلا يصح تعليق الزواج بشرط أو مجيء زمان، كما لو قال: زوجت فلاناً فلانة إن حصل الشيء الفلاني. او زوجتك في الشهر القادم.
وذلك باتفاق المذاهب الاسلامية. حتى قال الشافعية: أنه لو قال الولي: زوجتك إن شاء الله، وقصد التعليق أو أطلق لم يصح العقد، وإن قصد التبرك، او أن كل شيء بمشيئة الله تعالى صحّ[7].
وكذلك لا يصح اشتراط الخيار في نفس العقد، بأن يشترط احدهما لنفسه حق الفسخ، فإن اشترطه كان الشرط باطلاً باتفاق الفقهاء، لكن هل يكون العقد صحيحاً مع هذا الشرط الباطل؟ أم يبطل العقد ايضاً؟
اختلف الفقهاء في ذلك فالمشهور عند فقهاء الشيعة السابقين بطلان العقد ايضاً كما ذكر ذلك صاحب الجواهر. وهو رأي بعض المعاصرين كالسيد الخوئي، لكن اغلب الفقهاء المعاصرين، كالسيد الحكيم، والسيد الشيرازي، والسيد السيستاني، يرون بطلان الشرط دون فساد العقد.
ويرى الحنفية أن شرط الخيار فاسد لكنه لا يبطل العقد. بينما يرى الحنابلة: ان شرط الخيار مبطل للعقد، وكذلك هو رأي الشافعية. وقال المالكية: يجب فسخ العقد ما دام الرجل لم يدخل بالمرأة، فإن دخل بها مضى العقد والغي الشرط[8].
التعيين:
يشترط تعيين الزوج والزوجة، على وجه يمتاز كل منهما عن غيره، بالاسم، او الوصف الموجب للتمييز، او الاشارة. فلو قال: زوجتك احدى بناتي بطل، وكذا لو قال: زوجت بنتي احد إبنيك أو أحد هذين، وكذا لو عيّن كل منهما غير ما عينه الآخر. بأن قال الاب: زوجتك ابنتي خديجة، فقال الزوج: قبلت التزويج من ابنتك فاطمة.
ولو كان هناك اتفاق مسبق على بنت له معينة من بناته فقال: زوجتك ابنتي وقبل الآخر صح. وكذا لو كان الاتفاق حول تزويج ولد معين من اولاده فقال: زوجت، بنتي ولدك وقبل الآخر صح العقد ايضاً.
الشهود:
اتفقت كلمة فقهاء الشيعة عدا احد علمائهم السابقين ابن عقيل، على عدم اشتراط الإشهاد على عقد الزواج، وأنه مستحب فقط. وذلك لعدم وجود دليل عندهم على وجوب الاشهاد على الزواج، فبينما تحدث القرآن الكريم عن الاشهاد على البيع: ﴿واشهدوا اذا تبايعتم﴾ البقرة282 والاشهاد على الدَين: ﴿واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرآتان﴾ البقرة282. والاشهاد على الطلاق: ﴿واشهدوا ذوي عدل منكم﴾ الطلاق2. لم يذكر الاشهاد على النكاح.
ولم يثبت لديهم حديث من السنة بوجوب الاشهاد على الزواج، بل وردت عندهم احاديث عن ائمة اهل البيت (عليهم السلام) بعدم اشتراط الاشهاد. ووافق الشيعة بعض فقهاء السنة كابن ابي ليلى وابي ثور وابي بكر الاصم[9].
اما أهل السنة فالمذاهب الاربعة ترى الشهادة في الزواج امراً لازماً لصحته، ولا يصح بدونها، ونقلت عن احمد بن حنبل رواية بصحة الزواج دون شهود، لكن الرواية المشهورة عنه الاشتراط.
ويستدلون على ذلك باحاديث عن رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) كما روت عنه عائشة أنه قال: «لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل».
وبينما يرى جمهور السنة ان الشهادة تلزم حين اجراء العقد، فإن المالكية يرون كفايتها حتى بعد العقد الى ما قبل الدخول.