فسخ العقد من قبل الزوج

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



من أجل أن تستقر الحياة الزوجية، وتحقق مقاصدها وأغراضها، لا بد وأن تقوم على أساس الوضوح والقبول المتبادل بين الطرفين، فإذا كان في احد الطرفين، الزوج او الزوجة، عيب أو خلل أساسي جسمياً أوعقلياً، ولم يكن الآخر مطلعاً عليه، وراضياً به، فإن ذلك يعني فقدان الرضا والقبول من جانبه، وتفويت مصالحه وأغراضه من الزواج.

من هنا أعطى الإسلام حق فسخ عقد الزواج، لكل من الطرفين إذا اكتشف بعد العقد وجود مثل ذلك العيب أو الخلل. وهذا هو رأي أكثر فقهاء المسلمين.

وخالف ذلك الظاهرية حيث ذهبوا إلى أنه لا يفرق بين الزوجين بالعيب، أياً كان نوعه، سواء كان موجوداً بأحد الزوجين قبل العقد أو بعده، لأنه – في نظرهم – ليس فيه دليل من كتاب أو سنة، وكل ما ورد بشأنه أقوال عن الصحابة، وهي لا تخرج عن كونها أراء اجتهادية لا تصلح للاحتجاج بها. وقد اختار هذا الرأي الشوكاني في نيل الاوطار ورجحه[1] .

ويرى الحنفية أنه يثبت حق التفريق بالعيب للزوجة فقط، لا للزوج، لأن الزوج يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق، أما الزوجة فلا يمكنها دفع الضرر عن نفسها إلا بإعطائها الحق في طلب التفريق، لأنها لا تمتلك الطلاق[2] .

ويتفق المالكية والشافعية والحنابلة والشيعة على حق فسخ العقد لكل من الزوجين عند وجود بعض العيوب، لأن كلاً منهما يتضرر بهذه العيوب، وامتلاك الزوج للطلاق لا يحميه من الضرر، لما يترتب على الطلاق من التزامات، يختلف بها عن الفسخ كما سيأتي. وتختلف هذه المذاهب في تحديد العيوب المسوّغة للفسخ.

موارد الفسخ:


تحدث فقهاء الشيعة والمذاهب الثلاثة(المالكي والحنبلي والشافعي) عن العيوب التي تكون في المرأة ويحق بها للزوج فسخ العقد، على التفصيل التالي:

1- الجنون: وهو اختلال العقل، سواء كان دائماً، أو إدوارياً يحصل في بعض الفترات، وليس منه حصول حالات الإغماء، ولامرض الصرع. واتفقت هذه المذاهب على أنه يحق للرجل أن يفسخ عقده من المرأة، إذا اتضح له بعد العقد أنها مجنونة. أما إذا طرأ الجنون عليها بعد العقد وقبل الدخول، فالمشهور أنه لا يبرر الفسخ. ولو حصل لها بعد الدخول فلا فسخ بالاجماع.

2- الجذام: وهو مرض يسبب تآكل اللحم وسقوطه من المريض، وهو يثير النفرة في النفس، وقد يكون مُعدياً، ينتقل الى الغير. وهو مورد اتفاق بين المذاهب المذكورة.

3- البرص: وهو داء معروف، تحصل به بقع بيضاء في ظاهر الجلد، يتشوه به المنظر، وليس منه البهق وهو بقع حمراء في الجلد.

4- العمى: وهو ذهاب البصر عن العينين، وإن كانتا مفتوحتين، ولا اعتبار بالعور، ولا بالعشا وهي علة في العين توجب عدم البصر في الليل فقط، ولا بالعمش وهو ضعف الرؤية مع كثرة سيلان الدمع.

فإذا وجد الرجل بعد العقد أن الزوجة عمياء تفقد البصر، حقّ له فسخ العقد باتفاق علماء الشيعة. أما مذاهب اهل السنة فلا ترى ذلك.

5- العرج: وقد اعتبره أغلب فقهاء الشيعة من مبررات الفسخ، واختلفوا هل ذلك مختص بالعرج الذي يصل الى حد الاقعاد، كما هو رأي اكثر الفقهاء السابقين، او أن مطلق العرج الواضح وإن لم يبلغ حدّ الإقعاد مبرر للفسخ، كما هو رأي أكثر الفقهاء المعاصرين. اما مذاهب السنة فلا تعتبر العرج مبرراً للفسخ.

6- عيوب الرحم: التي تمنع الوطء أو توجب صعوبته، وقد ذكر فقهاء الشيعة منها:العَفل والقرنِ، وبعضهم اعتبره واحداً، وهو وجود لحم أو عظم زائد في مدخل الرحم. وذكروا أن الرتق مثله ايضاً، وأكثرهم اضاف الإفضاء وهو اختلاط المسلكين في رحم المرأة. وعند السيد السيستاني في ثبوت خيار العيب للزوج فيما لو علم بكون زوجته مفضاة حين العقد أشكال، فلو فسخ فالأحوط لها عدم ترتيب أثر الزوجية أو الفرقة الإ بعد تجديد العقد أو الطلاق[3] .

اما السيد الشيرازي فيعمم ذلك لكل عيوب الرحم قال مانصه: وينبغي أن يكون الحكم كذلك – حق الفسخ- في كل علة في الفرج تمنع عن الوطئ لبعض العمومات السابقة، والعلل المتقدمة، ويؤيده رواية الدعائم، عن علي B أنه قال في حديث: انما ترد المرأة من الجذام والبرص والجنون أو علة في الفرج تمنع من الوطء[4] .

والحنابلة يرون ذلك أيضاً من أن كل ما يتعذر معه الوطئ او يمنع لذته وفائدته فهو مبرر للفسخ[5] . وهو رأي المالكية والشافعية[6] .

أحكام الفسخ :


- إنما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبين وجودها قبل العقد ولم يكن الزوج عالماً به وأما مايتجدد بعده فلا اعتبار به، سواء أكان قبل الوطء او بعده.

- وكما يثبت خيار الفسخ بهذه العيوب في الزواج الدائم، فكذلك يثبت في الزواج المنقطع ((المتعة)) عند الشيعة القائلين به.

- تعتبر الفورية العرفية في الأخذ بهذا الخيار، فلو رضي في البداية بوجود العيب انتهى حقه في الفسخ، وكذلك لو علم بوجود أحد تلك العيوب في المرأة، وأن له حق الفسخ، لكنه سكت لفترة تعد مخالفة للفورية عرفاً، فإنه يسقط حقه في الفسخ. وقال الحنابلة: لا يسقط حقه في الفسخ وإن تأخر مالم يوجد منه مايدل على الرضا به صراحة أو دلالة كاستمتاعه بها[7] .

- يجوز للرجل فسخ العقد بأحد العيوب المذكورة في المرأة، من دون مراجعة الحاكم الشرعي وإذنه. هذا عند الشيعة أما مذاهب السنة فاشترطت فيه الرجوع الى القاضي ليحكم به.

بين الفسخ والطلاق:


يختلف الفسخ عن الطلاق في النقاط التالية:

1- لا يحتاج الفسخ إلى الإيقاع بلفظ محدد كالطلاق، بل يكفي الإعراب عن إلغاء العقد، واستخدام خيار الفسخ.

2- لا يشترط في الفسخ حضور شاهدين عادلين، كما هو شأن الطلاق عند الشيعة.

3- لا يحسب الفسخ من التطليقات الثلاث التي توجب التحريم بعدها حتى تنكح زوجاً غيره. فاذا ما فسخ عقده منها، بأحد العيوب، ثم تزوجها وطلقها، فانها تعتبر تطليقة أولى دون حساب للفسخ, وهو رأي الشيعة والشافعية والحنابلة. أما الحنفية والمالكية فاعتبروه طلاقاً بائناً يحسب من التطليقات الثلاث.

4- اذا طلقها قبل الدخول تستحق نصف المهر، اما اذا فسخ لأحد العيوب يعود له المهر كله ولا تستحق منه شيئاً.



[1]  شلبي: الدكتور محمد مصطفى / أحكام الأسرة في الإسلام، ص587، الطبعة الرابعة، 1983م الدار الجامعية- بيروت
[2]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ الفقه الإسلامي وأدلته، ج7، ص516.
[3]  السيستاني: السيد علي الحسيني/منهاج الصالحين/ المعاملات2 – مسألة263.
[4]  الشيرازي:السيد محمد الحسيني/ فقه،ج66،ص59.
[5]  ابن قدامة: عبدالله بن أحمد/ المغني، ج10، ص57.
[6]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ فقه الإسلام وأدلته،ج7، ص517-518.
[7]  ابن قدامة: عبدالله بن أحمد/ المغني ج10 ص63.