حماية الحقوق الزوجية

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين.



إن تشريع الحقوق المتبادلة والمناسبة بين الزوجين، في نظام الاجتماع الإسلامي، يشكل الأساس الرصين، والقاعدة الصلبة، لبناء صرح العلاقة السليمة بينهما، ولإقامة حياة أسرية طيبة.

حيث لم يترك التشريع الإسلامي سفينة العلاقات الزوجية لرياح العاطفة والمزاج الذاتي، ولا لأمواج العادات والتقاليد غير العادلة. بل شرّع ضوابط وحدوداً واضحة للعلاقة بين الزوجين، وحذّر من تعدّيها وتجاوزها، ففي آيتين متتاليتين من سورة البقرة، يتحدث القرآن الكريم عن هذه الضوابط، تحت عنوان (حدود الله)، ويكرر هذا العنوان لها ست مرات في الآيتين الكريمتين. يقول تعالى: ﴿إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ سورة البقرة، الآية 229. وفي الآية التي تليها يقول تعالى: ﴿إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ سورة البقرة، الآية 230.

ثم إن الإسلام لم يجعل الحقوق الزوجية امتيازاً ولا سلاحاً بيد أحد الطرفين، بل هي حقوق متبادلة متوازنة بينهما، يقول تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ سورة البقرة، الآية 228.

والمماثلة هنا ﴿مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ لا تعني المشابهة والمطابقة في نوع الحقوق، وتفاصيلها، فكل حق على أحدهما، يكون بذاته حقاً على الآخر، وبنفس القدر، كلا، لأن هناك شيئاً من الاختلاف في طبيعة دور كل منهما في الحياة الزوجية، يستلزم نوعاً من التغاير في الوظائف والحقوق، فالنفقة حق للمرأة على الرجل، وليس له عليها حق الإنفاق، وخروجها من البيت يحتاج إلى إذنه، بينما ليس لها عليه مثل هذا الحق. إن المماثلة إذاً تعني المقابلة والمشابهة في أصل وجود الالتزام بحقوق من كل طرف تجاه الآخر، وهي متوازنة متكافئة، لكنها متغايرة في بعض الجوانب والتفاصيل.

ضمانات الالتزام:


إن تشريع الحقوق الزوجية هو بمثابة تصميم لخريطة البناء الأسري، لكن هذه الخريطة مهما كانت رائعة في هندستها وتصميمها ستبقى حبراً على ورق، إن لم تتوفر إرادة التنفيذ والالتزام بتلك الحقوق، على الصعيد الفعلي، في العلاقة بين الزوجين.

وملحوظ حصول كثير من التجاوزات والتعديات على الحقوق الزوجية في مجتمعاتنا، وما ارتفاع نسبة الطلاق، وكثافة قضايا الخلافات العائلية في المحاكم، إلاّ مؤشر على وجود تلك التجاوزات والتعديات.

فلا بد من تفعيل ضمانات الالتزام، وبرامج حماية الحقوق الزوجية، لتوفير أجواء التوافق الزواجي، وأرضية الانسجام والسعادة، ولوقاية العلاقات الأسرية من التصدع والانهيار.

ومن أهم ضمانات الالتزام بالحقوق الزوجية، معرفتها والوعي بها من قبل الطرفين، حيث نلحظ أن كثيراً من الأزواج يجهل الالتزامات المتوجبة عليه، ويتصور أن له على زوجه حقوقاً لم يفرضها الشارع المقدس، ونتيجة لهذا الجهل والتصورات غير الصحيحة، تحدث المشاكل والأزمات العائلية.

فمثلاً: يعتقد بعض الأزواج، أن الخدمة المنزلية حق على الزوجة، فيغضب إذا قصرت أو تقاعست عن بعض الخدمات، كالطبخ والغسل، و رعاية شؤون الأطفال، وقد يتخذ إجراءً لمحاسبتها ومعاقبتها، اعتقاداً منه أنها أخلّت بواجب عليها.

وقبل مدة من الزمن تحدثت مع أحد الأشخاص حول أزمة بينه وبين زوجته كادت أن تؤدي إلى الفراق، لأنها اشترت منزلاً من أموالها الشخصية أثناء سفره دون علمه، وكان يتصور أنه لا يجوز لها أن تقوم بمثل هذه الخطوة دون إذنه، وإلاّ فما هي قيمته كزوج إذاً؟ وحينما أخبرته أن لا حق ولا سلطة للزوج شرعاً على تصرفات زوجته في أموالها وشؤونها الشخصية، تفاجأ بهذا الكلام!!

كما أن بعض الزوجات ترى أن على زوجها تلبية كل رغباتها، وخاصة في مجال التسوق ومتابعة موضات الأزياء والكماليات، وامتناع الزوج عن ذلك تعتبره تقصيراً تجاه حقوقها!!

وأكثرهن يعتبرن تفكير الزوج في الاقتران بزوجة أخرى، وإقدامه على ذلك، خيانة وذنباً لا يُغتفر، ويصبح مبرراً للتمرد على حقوق الزوج، والتخلي عن كل التزام تجاهه.

وأعرف عن إحدى الزوجات أنها تقدمت بدعوى للمحكمة الشرعية، لطلب الطلاق من زوجها، لأنه قد تزوج بامرأة أخرى، مع إقرارها في المحكمة بعدم وجود أي تقصير من زوجها تجاهها.

بل تطور الأمر عند بعض الزوجات إلى مراقبة اتصالات زوجها التليفونية، وتسجيل مكالماته، لضبطه متلبساً بالجريمة!!

إن هذه التصورات والممارسات، تكشف في كثير من الأحيان، عدم
المعرفة والوضوح في قضايا الحقوق الزوجية، بينما يريد الله تعالى بيانها ووضوحها للناس كما تشير الآية الكريمة: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ سورة البقرة، الآية 230.

إجراءات الحماية:


إن مجرد المعرفة والوعي بالحقوق لا يمنع من تجاوزها والتعدي عليها، ذلك أن دوافع وعوامل مختلفة، قد تغري أحد الزوجين بانتهاك شيء من حقوق الطرف الآخر، وهنا لا بد من تشريع إجراءات لحماية هذه الحقوق. وهذا ما تكفلت به أحكام النشوز المفصلة في الفقه الإسلامي.

والنشوز في اللغة: الارتفاع، يقال: (نشز من الأرض) عن المكان المرتفع عما حوله.

وفي الاصطلاح الشرعي: مخالفة الزوج أو الزوجة لما يقتضيه عقد الزوجية من الزامات بحسب جعل الشارع. فالنشوز صفة تنطبق على كل واحد من الزوجين إذا لم يلتزم بحقوق الآخر عليه، مع التزام الآخر بحقوق الناشز. فكما يتحقق النشوز من الزوجة، إذا لم تلتزم بحقوق الزوج عليها مع التزامه بحقوقها، كذلك يتحقق من الزوج إذا لم يلتزم بحقوق زوجته عليه مع التزامها بحقوقه عليها.[1]  وقد استعمل القرآن الكريم لفظ النشوز وصفاً لسلوك الزوجة مع زوجها، ولسلوك الزوج مع زوجته، قال تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ سورة النساء، الآية 34. وقال تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا سورة النساء، الآية 128.

﴿نشوز الزوجة:

نشوز الزوجة يتحقق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، وذلك بعدم تمكينه مما يستحقه من الاستمتاع بها، وكذا بخروجها من بيتها دون إذنه، ولا يتحقق بترك طاعته فيما ليس واجباً عليها.[2] 

قال ابن قدامة الحنبلي: ((فإن أظهرت النشوز، وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه، أو تخرج من منزله بغير إذنه)).[3] 

فالنشوز بالمعنى الشرعي لا يحصل من الزوجة إلا إذا تمردت على الالتزام بأحد هذين الحقين المطلوبين منها لزوجها، بمقتضى عقد الزوجية، وهما الاستمتاع واستئذانه في الخروج من البيت، أما مخالفتها له في غير ما يرتبط بهما، لا يعتبر نشوزاً، ولا تترتب عليه أحكام النشوز.

قال الشهيد الثاني في المسالك: ((ليس من النشوز ولا من مقدماته بذاءة اللسان والشتم، ولكنها تأثم به، وتستحق التأديب عليه، وهل يجوز للزوج تأديبها على ذلك ونحوه مما لا يتعلق بالاستمتاع، أم يرفع أمره إلى الحاكم؟ قولان تقدما في كتاب الأمر بالمعروف، والأقوى: أن الزوج فيما وراء حق المساكنة والاستمتاع كالأجنبي، وإن نغص ذلك عيشه وكدر الاستمتاع.. ولا أثر للامتناع من حوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع، إذ لا يجب عليها ذلك)).[4] 

وقال السيد الشيرازي: ((والظاهر أن النشوز شرعاً حسب الأدلة لا يتحقق بامتناع أحدهما عن المستحب بالنسبة إلى الآخر، وإن كان ذلك موجباً لعدم الملائمة والموافقة، وسبباً لتغير الحالة السابقة، فامتناع المرأة مما لا يجب عليها، من الرضاع والطبخ والكنس والغسل وما أشبه، ليس بنشوز، وتحققه منهما ليس شقاقاً، وكذلك ليس من النشوز والشقاق السب، بل وحتى الضرب والتضارب وما أشبه، مما يعتاد عند بعض العوام)).[5] 

دفاع الزوج عن حقوقه:


حينما تمتنع الزوجة عن الاستجابة لرغبة زوجها في الاستمتاع دون مبرر، أو تصرّ على الخروج من بيتها دون رضاه لغير واجب، فإن الشارع المقدس أتاح له استخدام بعض أساليب الدفاع عن حقوقه، لإعادة زوجته إلى طريق الاستقامة، وتتدرج الأساليب المشروعة لردع الزوجة عن تمردها على النحو التالي:

1/ الوعظ: قال تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ سورة النساء، الآية 34. فإذا ظهرت مؤشرات على حالة التمرد من قبل الزوجة، على حقوق الزوج، فينبغي المبادرة إلى معالجة هذه الحالة، نفسياً وفكرياً، بانفتاح الزوج على زوجته، وتلّمس دوافعها إلى هذه التصرفات، ومخاطبة وجدانها وعقلها، بأن اضطراب علاقتها الزوجية، ليس في مصلحتها دنيا وآخرة، وتحذيرها من غضب الله تعالى، ومن تدمير مستقبلها العائلي. ومناقشة الأفكار والتصورات والدوافع الباعثة على التمرد، وإثبات خطئها وسوئها، بالأسلوب المقنع، والطريقة المؤثرة، وقد تستلزم الحالة تكرار الموعظة وتعدد أساليبها.

أما استخدام أسلوب الأمر والنهي، ومقابلتها بالنهر والزجر، فهو لا يحقق المطلوب وقد يؤدي إلى نتيجة عكسية.

2/ الهجر في المضجع: إذا لم تجد الموعظة، ولم تنجح في تغيير موقف الزوجة، ينتقل الزوج لممارسة أسلوب آخر، يضغط به على شخصيتها، وهو إظهار إعراضه عنها، وعدم مبالاته بها، وذلك عن طريق هجرها في فراش النوم، يقول تعالى: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ سورة النساء، الآية34. بالانفراد عنها وقت النوم، أو أن يدير ظهره لها إذا ناما في مكان واحد.

3/ هل يجوز ضرب الزوجة؟: حينما يفشل أسلوب الموعظة والنصيحة، ولا يجدي أسلوب الضغط النفسي بالهجر والإعراض، وبقيت الزوجة مصرة على تمردها، فهل يظل الزوج مكتوف الأيدي ساكتاً على تجاوز حقوقه؟ هل الحل إنهاء علاقته الزوجية معها، وفي الطلاق ما فيه من مضاعفات على حياة الطرفين والأولاد؟ هل يرفع الأمر إلى الحاكم وفي ذلك كشف لأسرار حياتهما الزوجية، وخاصة مع تعذر الإثبات في القضايا الداخلية؟

يبقى هناك أسلوب يحتمل فيه التأثير، وإعادة المرأة إلى رشدها، وهو استخدام شيء من الإيذاء الجسدي بالضرب، والذي له انعكاس نفسي كبير، وقد يحقق المطلوب.

إن ضرب الزوجة وسيلة غير محببة، وهو أسلوب مهين، لذلك وردت نصوص كثيرة تحذر من استخدامه، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «أي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالكاً خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم».[6] 

وعنه : «إني أتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها، لا تضربوا نساءكم بالخشب فإن فيه القصاص».[7] 

وعنه : «أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها».[8] 

لكن هذا الأسلوب البغيض إذا أصبح وسيلة لتلافي ما هو أبغض منه، وكان بمثابة الكي آخر الدواء، فإن الإسلام أجاز للزوج استخدامه، ضمن حدود ضيقة.

قال الفقهاء: ((... جاز له ضربها إذا كان يؤمل معه رجوعها إلى الطاعة وترك النشوز، ويقتصر منه على أقل مقدار يحتمل معه التأثير، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض منه، وإلا تدرج إلى الأقوى فالأقوى، ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثراً في إسوداد بدنها أو احمراره، واللازم أن يكون ذلك بقصد الإصلاح لا التشفي والانتقام، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغرم)).[9] 

أي أنه إذا أحدث بضربه أثراً في جسدها، ولو تغيراً في لون جلدها، بإحمرار أو إسوداد، فعليه الدية المقررة في كتاب الديّات. وهو رأي الشيعة (والحنفية والشافعية. أما الحنابلة والمالكية فيرون أنه لا ضمان عليه لأن الضرب مأذون فيه شرعاً).[10] 

إن هناك من يستغلون هذا الرأي الشرعي، بانتهاج أسلوب العنف الجسدي مع زوجاتهم، في غير محله، ويتجاوز الحد المسموح به، وذلك عمل إجرامي محرم، وكل القوانين معرضة للاستغلال وإساءة الاستخدام، إن الجواز حالة استثنائية عند تمرد الزوجة على الحقوق الزوجية، وعند فشل الوسائل الأخرى في المعالجة، وبشرط أن يكون الضرب بقصد الإصلاح لا التشفي والانتقام، وأن لا يترك أثراً في الجسد من دماء أو اسوداد واحمرار، كل ذلك مع احتمال تأثير الضرب في إصلاحها، ومع العلم بعدم التأثير لا يجوز.

وذكر ابن قدامة الحنبلي: ((ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله : ((لا يَجِلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)). متفق عليه)).[11] 

4/ تجميد حقوقها: عند تحقق النشوز من الزوجة بتمردها على حقوق زوجها، يكون من حق الزوج تجميد حقوقها، من النفقة والعلاقة الجنسية والمبيت، إلى أن تعود إلى جادة الالتزام بوظائف الزوجية، فتعود لها كل حقوقها.

5/ الرجوع إلى الحاكم الشرعي: حيث لا مجال لاتخاذ أي إجراء آخر من قبل الزوج، غير الإجراءات السابقة، فإذا أصرت الزوجة على نشوزها، رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، ليتصرف بما يراه مناسباً.

دفاع الزوجة عن حقوقها:


يتحقق نشوز الزوج بتمرده على حقوق زوجته الواجبة عليه، من النفقة، والعلاقة الجنسية، والمبيت عندها في ليلتها، وحسن المعاملة، فإذا أخل بأحد هذه الحقوق فإن أمام الزوجة وسائل الدفاع التالية:

1/ المطالبة بالحق: حيث لا يلزمها السكوت والاستسلام، بل لها أن تتمسك بحقها، وتطالبه بأدائه.

2/ الوعظ والتحذير:
بالتخاطب الوجداني مع الزوج، وتذكيره بحدود الله تعالى، وتحمله للمسؤولية أمامه، وأنه تعالى يسخط للظلم ويمقت الظالمين، وتحذره من مضاعفات اضطراب حياتهما الزوجية، وانعكاس ذلك على نفسيتيهما وعلى الأولاد.

3/ انتزاع حقوقها المالية: إذا إمتنع الزوج عن بذل النفقة لزوجته، أو قصّر في ذلك، ولم تجد معه المطالبة والوعظ، جاز لها أن تأخذ مقدار نفقتها من أمواله بدون إذنه، فقد جاءت هند بنت عتبة أم معاوية إلى رسول الله فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال : «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».[12] 

4/ تجميد بعض حقوقه: فحين يتوقف عن الإنفاق عليها، وتضطر للعمل لتوفير نفقاتها، فإنها أثناء عملها غير ملزمة بطاعته، والاستجابة له في ما يطلبه من حقوقه.

5/ تدخل الحاكم الشرعي: غالباً ما لا تستطيع الزوجة أن تفرض مطالبها المشروعة، وأن تنتزع حقوقها بقدرتها الذاتية، وهنا عليها أن تعرف أن النظام الإسلامي، والحكم الشرعي، يقف إلى جانبها، ويدافع عن حقوقها، ويلزم الزوج بوظائفه تجاهها.

فعند امتناع الزوج عن بذل النفقة اللازمة لها، يمكنها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيخيره بين الإنفاق أو الطلاق، فإن رفض الأمرين، انتزع الحاكم الشرعي نفقتها من ماله رغماً عنه، فإن لم يمكن ذلك، جاز للحاكم أن يطلقها إذا أرادت الزوجة ذلك.

وإذا هجرها زوجها ولم يقم بواجب العلاقة الزوجية معها، ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيلزمه بالتراجع عن هجره لها أو الطلاق، فإذا رفض الأمرين، قام الحاكم الشرعي بتأديبه بما يراه مناسباً من سجن وغيره، وإذا لم يجد ذلك وأرادت الزوجة الطلاق طلقها الحاكم الشرعي.

وإذا كان الزوج يؤذي زوجته ويشاكسها بغير وجه شرعي، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، ليمنعه من الإيذاء والظلم، ويُلزمه بالمعاشرة معها بالمعروف، فإن نفع وإلا عزّره بما يراه، فإن لم ينفع أيضاً كان لها المطالبة بالطلاق، فإن امتنع منه، ولم يمكن إجباره عليه، طلقها الحاكم الشرعي.[13] 

ولا يجوز للزوج أن يبتزّ زوجته، فيؤذيها، أو يقصّر في حقوقها، لتبذل له شيئاً من أموالها، ليقوم بحقوقها، أو ليطلقها، فذلك المال الذي يأخذه يكون من السحت الحرام.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.
[1]  شمس الدين: الشيخ محمد مهدي، حقوق الزوجية ص17-18، الطبعة الأولى 1996م، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، بيروت.

[2]  السيستاني: السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين. المعاملات-القسم الثاني، مسألة350.

[3]  ابن قدامة: المغني، ج10 ص259، الطبعة الثانية 1992م، هجر-القاهرة.

[4]  النجفي: الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، ج11 ص132، الطبعة الأولى 1992م، بيروت.

[5]  الشيرازي: السيد محمد الحسيني، الفقه ج67 ص364.

[6]  النوري الطبرسي: ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، حديث رقم 16619.

[7]  المصدر السابق، حديث رقم 16618.

[8]  الكليني: محمد بن يعقوب، الكافي، ج5 ص509.

[9]  السيستاني: السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، المعاملات ـ القسم الثاني، مسألة353.

[10]  الزحيلي: الدكتور وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ج7 ص340.

[11]  ابن قدامة، المغني ج10 ص261.

[12]  البخاري: محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 5364.

[13]  السيستاني: السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، المعاملات ـ القسم الثاني، مسألة 360.