موقع المعصومين الأربعة عشر يحاور سماحة الشيخ حسن الصفار

موقع المعصومين الأربعة عشر

 


من الجزيرة العربية من تلك الأرض الطيبة التي هاجر إليها نبي الله إبراهيم الخليل وأقام أهله وابنه إسماعيل الذبيح فيها وشيد عليها بيت الله العتيق، من تلك الأمكنة التي نشأ وترعرع فيها رسول الله وسيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، من تلك المواقع والآثار التي ظلت حاضرة عبر الدهور تدور بين تكويناتها هتافات المسلمين الأوائل أيام بدء الدعوة الإسلامية، الله أكبر، لا إله إلا الله محمد رسول الله، أحد.. أحد، من بيوتات وشعب أبي طالب الصابرة من مراكز الحلقات التدريسية التي أقامها أهل البيت (عليهم السلام) وعبق حديثهم المبارك فيها وهم يؤسس لبناء حضارة إسلامية تشمل أنوارها كل أركان الأرض.. من بركات وفيوضات كل هذه الأشياء يبرز لنا من القطيف، إحدى المدن المتأصلة الولاء في منطقة الجزيرة العربية، عالم عامل يفوح عطر الإيمان والأخلاق من جنبيه ويمتلك نشاطا متميزا فهو لا يعرف للتعب معنى بعد أن نذر نفسه للتعريف بالدين الإسلامي الحنيف ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) وإبراز صورته الوضاءة في تعاليمه ومناهجه التي ترسم للبشر أقصر الطرق للوصول إلى أرقى الحضارات الإنسانية على وجه البسيطة والفوز برضا الله في الآخرة.

إنه سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن الصفار (حفظه الله)، وكما عودكم أعزائنا الزوار الكرام موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) في استضافته لمثل هذه الشخصيات الفكرية والدينية المتميزة.

استضاف في هذا اللقاء سماحته للاستفادة من أجوبته على الأسئلة التي طرحها عليه مندوب الموقع والتي تهم الشأن الإسلامي بشكل خاص ومجمل القضايا الراهنة بشكل عام ، نسأل الله تعالى أن ينتفع بها زوار موقعنا الكرام ..


بداية نرحب أجمل ترحيب بسماحة العلامة الشيخ حسن الصفار على صفحات موقعنا فأهلاً وسهلاً بسماحتكم..

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين..

أشكركم جداً على إتاحة هذه الفرصة لكي ألتقي مع قراءكم الكرام من على صفحات هذا الموقع المبارك وأرجو لكم المزيد من التوفيق في عملكم الإعلامي والثقافي الهادف لخدمة الإسلام والأمة إنشاء الله وأهلا ومرحباً بكم كذلك.

إذن نبدأ مع سماحتكم هذا اللقاء على بركة الله:



حبذا لو تحدثتم بشيء من الإيجاز عن سيرتكم الذاتية؟

بالنسبة لسيرتي الذاتية فليس فيها شيء مميز فقد ولدت سنة 1377هـ 1958م في مدينة القطيف من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية. وتربيت في أحضان والدي اللذين قاما جازاهما الله كل خير بتربيتي وتنشئتي على طريق الخير والصلاح ودخلت في الكتاتيب التي كانت تدرس القرآن الكريم حيث تعلمت قراءة القرآن الكريم وحفظ بعض آياته ثم دخلت في المدرسة الحكومية الرسمية المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة.

والدي حفظه الله شجعني كثيراً على ارتقاء المنبر وعلى خدمة الإمام الحسين (عليه السلام). حيث كان يلقنني منذ صغري حفظ بعض القصائد من نظمه ومن نظم الشعراء الآخرين وكان يأخذ بيدي إلى مجالس العزاء والقراءات وكانت له علاقات مع كبار الخطباء في المنطقة فكنت أقرأ ما يحفظني وما يلقنني من الشعر أمامهم فأحظى منهم بالتشجيع والتشويق وشيئاً فشيئاً وفقني الله تعالى لسلوك هذا الطريق وخدمة المنبر الحسيني.

ذهبت إلى النجف الأشرف للدراسة الدينية سنة 1391هـ وبقيت هناك سنتين (91 و92)، ثم اضطربت الأوضاع بالنسبة للطلاب السعوديين هناك في النجف قامت السلطة باعتقال مجموعة منهم ففررنا وذهبنا إلى قم المقدسة للدراسة الدينية وبقيت في قم سنة واحدة 1993هـ وبعد ذلك التحقت بمدرسة الرسول الأعظم في الكويت التي أسسها الإمام الراحل السيد الشيرازي (رحمة الله عليه).

وبقيت هناك عدة سنوات أثناءها كنت أتردد على مسقط سلطنة عمان وأمارس دور التبليغ الديني فيها ثم عدت إلى وطني القطيف والتزمت ببعض البرامج الدينية والاجتماعية إلى سنة 1400هـ حيث غادرت البلاد مرة أخرى على إثر بعض الظروف السياسية وأقمت في طهران في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى سنة 1410هـ غادرت إيران إلى دمشق وأقمت فيها حتى سنة 1415هـ وعدت إلى البلاد ولا زلت منشغلاً بمهماتي وواجباتي الدينية في البلاد أسأل الله تعالى التوفيق وحسن العاقبة والختام.


عرف عن سماحتكم أنكم ألّفتم كتب عديدة محاولين دفع العجلة الفكرية الإسلامية إلى الإمام ما هي أبرز مؤلفاتكم؟

بالنسبة للتأليف فهو ميدان من ميادين العمل والخدمة للدين والأمة وقد شجعني الإمام الراحل السيد الشيرازي (رحمه الله) منذ صغر سني على الكتابة والتأليف وهو الذي دفعني لتأليف أول كتاب وكان عن الصوم قبيل شهر رمضان حيث قال لي لماذا لا تكتب كتاب حول شهر رمضان المبارك ونحن على أعتابه فاعتذرت إليه بأني لا أجيد الكتاب والتأليف ولكنه شجعني كثيراً وألحّ عليّ كثيراً حتى ألفت أول كتاب تحت عنوان (الصوم مدرسة الإيمان) وقد تفضل سماحته بكتابة المقدمة للكتاب وبالفعل طبع هذا الكتاب وبذلك انفتح أمامي طريق الكتابة والتأليف وواصلت هذه المسيرة.

الغالب في مؤلفاتي أنها تعالج ما أشعر به من مشاكل في ساحة العمل وفي وسط المجتمع فهي لست كتابات تنظيرية أو فكرية مجردة وإنما هي من وحي هموم العمل وتحمل المسؤولية فكما أخطب وألقي في محاضراتي ما أراه مناسباً وما أراه مفيداً لساحة العمل ولأوضاع المجتمع كذلك الشأن بالنسبة للكتابة وبتوفيق الله تعالى أنجزت عدداً غير محدوداً من الكتب والكتيبات وهناك الانشغال الاجتماعي الكبير ،الناس النشطون والموفقون يستطيعون الجمع بين مختلف المهام الاجتماعية والثقافية ولكن الكسالى يكاد يكادون أن يجمعون بين هذه المهام المتعددة، وقد طبع لي الآن من الكتب والكتيبات حوالي 60 كتاباً وكتيب منها كتاب التعددية والحرية في الإسلام بحث حول حرية المعتقد وتعدد المذاهب ومنها كتاب التسامح وثقافة الاختلاف ومنها كتاب التنوع والتعايش بحث في تأصيل الوحدة الوطنية والاجتماعية ومنها كتاب الحسين ومسؤولية الثورة ومنها كتاب أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع طبع مجلدان والثالث في طريقه إلى الطبع إنشاء الله. ومنها كتاب المرأة العظيمة قراءة في حياة السيدة زينب (عليها السلام) ومنها رؤى الحياة في نهج البلاغة ومنها الإمام المهدي أمل الشعوب إلى مجموعة من الكتب والكتيبات.

كثيراً ما نرى في هذه المؤلفات دعوتكم في أن التراث الإسلامي الفكري بحاجة إلى التجديد في الصياغة وتحديث الأسلوب بما يتلاءم ومعطيات ذلك العهد، كيف يمكن أن تكون هذه العملية وما شروط نجاحها؟

في الواقع التراث الإسلامي لمختلف المذاهب وسواء كان ضمن خط أو مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أو ضمن المذاهب الإسلامية الأخرى بحاجة إلى أمرين الأمر الأول التحقيق والغربلة ذلك لأن في عصور التخلف وفي عصور التاريخ الماضي حصل هناك دس وتشويه في هذا التراث ولو قرأنا الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) كالإمام الصادق (عليه السلام) والإمام الكاظم (عليه السلام) والإمام الرضا (عليه السلام) وسائر الأئمة (عليهم السلام) لرأيناهم يتحدثون كيف أن المفوضة والغلاة والمبتدعة أدخلوا في أحاديثهم أشياء كثيرة وتقولوا عليهم أشياء لم يقولوها فأصبح عندنا دس وتشويه وافتعال وهذا ما حصل حتى في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال: (ستكثر عليّ الكذابة).

وكذلك فيما يرتبط بالتاريخ هناك الكثير من التحريف والتزييف في قضايا التاريخ، فتحتاج هذه الأمور إلى دراسة وتحقيق حتى يمكن إزالة هذا الركام وهذا الغبار المتراكم عبر عصور التخلف من الزيف والتحريف الذي لحق بتراثنا ولحق بتاريخنا هذا أولاً.

ثانياً بما يرتبط بتقديم هذا التراث يجب أن يقدم لهذا العصر ولهذا الجيل المعاصر باللغة التي يفهمها ويرتاح لها لا شك أن في مفاهيم الإسلام وتراث الإسلام أشياء عظيمة ومهمة جداً، البشرية يوم بعد آخر تشتد حاجتها إلى هذه المفاهيم الصحيحة والأساسية التي تسعد الإنسان وتعالج مشاكله، لكن هذه المفاهيم يجب أن تقدم بلغة عصرية تأخذ الإحصاءات والأرقام والحقائق العلمية بعين الاعتبار وتستعين بالوسائل الجذابة القادرة على الاستقطاب أن القصة والرواية والمسرحية والفلم هذه كلها وسائل جديدة ومعاصرة تخدم الفكرة أكثر مما تخدمها الكتابة العادية أو الإلقاء العادي المجرد فعلينا أن نقدم هذا التراث وهذه المفاهيم لهذا الجيل المعاصر بما يتناسب ولغته وبما يتناسب مع وعيه ومع التطور العلمي والتكنولوجي الذي يعيشه إنسان هذا العصر.


هناك من يدعو إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وعلى النقيض مما يدعو إليه هؤلاء هناك من يرى بأن نبش التاريخ ربما يثير نعرات طائفية تصيب المجتمع بحالة التشتت والتشضي ما هو رأي سماحتكم في ذلك؟

في الواقع إعادة كتابة التاريخ أمر مطلوب ولا يمكن التنازل عنه لكن أسلوب إعادة كتابة التاريخ قد تتم بإحدى طريقتين:

أما طريقة تعتمد التهريج والإثارة والإساءة إلى هذه الفئة أو تلك واستخدام الكلمات والتبعية غير الموضوعية هذه تسبب إشكاليات ومشاكل.

الطريقة الأخرى هي الدراسة الموضوعية الهادئة الهادفة التي تعتمد الدليل والبرهان والمنطق ولا أعتقد أن مثل هذه الدراسات تحدث مشكلة أو تسبب فتنة.

الفتنة إنما تأتي من طريق إثارة التهريج والإساءة إلى الطرف الآخر وتوظيف إعادة كتابة التاريخ في النيل من هذه الجهة أو تلك الجهة أما الكتابة العلمية الموضوعية فإني لا أرى فيها إشكالاً أو مشكلة بيد أنه لا ينبغي أن تكون على حساب قضايانا الواقعية والمعاصرة. يعني أن لا نستغرق في أمور التاريخ على حساب قضايا الواقع المعاش يجب أن نأخذ هذه القضية بعين الاعتبار.

كيف ينظر سماحتكم إلى الوحدة الإسلامية كمطلب ديني وحضاري وسياسي؟

الوحدة الإسلامية هي واجب ديني بل هي من أصول الدين وهي من مقاصد الشريعة الإسلامية وكما قال كبار أحد علمائنا قام الدين على شيئين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة فيها أصل أساسي لا يصح أن نتعامل مع مسألة الوحدة وكأنها مسألة كمالية أو مسألة جانبية وإنما هي مسألة أساسية والأصل الأساس في مفاهيم الدين وفي الفكر الإسلامي. بعد ذلك فالوحدة أصبحت ضرورة لحماية مصالح الأمة ولإنقاذ الأمة من الواقع المتخلف الذي تعيش فيه مشكلتنا أن البعض يفهم الوحدة على أنه تذويب الفئات والجهات في بوتقة واحدة، على الصعيد الفكري أو على الصعيد السياسي فحينما يقال الوحدة يتبادر إلى الذهن أن هذه الأمة تكون كلها تحت قيادة واحدة مثلاً أو ضمن دولة واحدة وأن التوجهات المذهبية على الصعيد الفكري كلها تلتقي عند مذهب واحد وتصوير الوحدة بهذا الشكل وإن كان هذا طموح نتطلع إليه ولكن الوحدة بهذا الشكل أمر غير ممكن وغير وارد في الواقع المعاش وليس هو المقصود من الوحدة، الوحدة يعني أن تجد الأمة صيغة لكي تتعايش بمختلف قواها وبمختلف توجهاتها إذا كانت هناك مذاهب متعددة، إذا كانت هناك أحزاب متعددة وتوجهات متعددة تعيش ضمن إطار واحد وتخدم كلها مصلحة مشتركة، نحن نجد كيف أن الشعوب الأوروبية على اختلاف أعراقها ولغاتها وتوجهات حكوماتها السياسية ولكنها صنعت الآن الاتحاد الأوروبي وهي تخطو خطوات حثيثة وسريعة نحو الوحدة فليس المقصود من الوحدة ذوبان هذا الطرف مع ذاك الطرف وإنما المقصود من الوحدة أن نتفق على صيغة للعيش المشترك وللاحترام المتبادل ولخدمة المصالح المشتركة الوحدة بهذا المعنى أمر ممكن يدعو إليها العقل وتدعو إليها الفطرة ولا يمكننا أن نتجاوز هذا التخلف الذي نعيشه إلا إذا خطونا خطوات بهذا الاتجاه.

لديكم آراء وطروحات عديدة لملء أوقات فراغ الشاب المسلم من أجل صيانته وبرمجة حياته بشكل يساعد في أن تجعل منه عنصراً فاعلاً في مجتمعه هل لكم أن تحدثونا عنها؟

الشباب المسلم من أجل أن نملئ فراغه وأنا هنا أرى أن هناك تجوزاً في هذا الكلام المسألة ليست مسألة فراغ نريد أن نملأه عند الشباب وإنما الشباب يختزنون طاقات وكفاءات كبيرة وبالتالي هذه الطاقات والكفاءات ينبغي أن تفجر وينبغي أن توجه من أجل بناء واقع أفضل للأمة ومن أجل مستقبل أفضل لهذه المجتمعات.

وجود أوقات فراغ عند الشباب هذا يعني خللاً كبيراً في مناهج التعليم والمناهج التثقيفية والمناهج الاجتماعية فينبغي معالجة هذا الأمر بوضع صيغ توجه الشباب إلى استثمار هذه المرحلة الهامة من أعمارهم بتفجير طاقاتهم وتنمية كفاءاتهم خاصة وأن أمتنا في حاجة إلى النهوض العلمي وفي حاجة إلى التقدم الحضاري، نحن في حاجة إلى تفكير في وضعنا الحالي إلى تطوير في واقعنا السياسي والاقتصادي والشباب هم الأمل الذين يجب أن نتوقع منهم وأن نتطلع إلى دورهم لإنقاذ هذه الأمة وتغيير واقعها والبرامج التي أراها مناسبة:

الإطار الأول: هي في إتاحة الفرصة لهؤلاء الشباب حتى يشتركوا في الواقع السياسي لهذه الأمة حتى يعبروا عن آرائهم ويشاركوا فيما يرتبط بالشأن السياسي وهذا يتم عن طريق فتح المجال لوجود مدارس وأحزاب وحركات سياسية والكلام على مستوى العالم الإسلامي ككل، التنظيمات والحركات والأحزاب السياسية تستقطب هؤلاء الشباب وتستو عبهم وبالتالي تساعدهم على تفجير طاقاتهم وتربيهم على الاهتمام بشؤون أمتهم ومجتمعهم، بالطبع الأوضاع السياسية في البلدان تختلف حول موضوع وجود التجمعات والحركات والتنظيمات في بعض البلدان تفسح المجال لقيام التنظيمات والأحزاب وبعض البلدان لا تزال تحضر قيام أحزاب وتنظيمات وكلامنا الآن هو على المستوى النظري، أعتقد على المستوى النظري أنه من المناسب جداً ومن أجل استقطاب هؤلاء الشباب أن يفتح أمامهم المجال لكي يهتموا بالشأن السياسي عبر الأحزاب والحركات والتنظيمات.

التنظيمات التي لفتها الساحة الإسلامية كتنظيمات سرية وتنظيمات تعتمد العنف وتعتمد العمل التخريبي هذا أمر حصل في بعض الساحات وهو أمر خاطئ، عنه لا تدعوا إلى تنظيمات وإلى أحزاب من هذا القبيل نحن ندعو إلى وجود تنظيمات تعتمد الفكر والمنطق وتربي على الاهتمام، بالشأن السياسي وتنمي التوجهات الاجتماعية والسياسية عن الشباب دون أن تدفعهم إلى العنف ودون أن تدفعهم إلى التخريب ودون أن تقول أن لديها مشاريع للفتنة والاقتراب الداخلي هذا الإطار الأول.

الإطار الثاني: الضروري للشباب هو وجود مجال للعمل الفكري والمعرفي ليس فقط على الصعيد الديني والنظري وإنما على الصعيد العملي وجود ورش عمل في مجالات الصناعة وفي مجالات التكنولوجيا ودفع الشباب لهذا الاتجاه هذا أمر مطلوب، لماذا نجد هناك نابغين، ومبتكرين ومكتشفين في المجتمعات الغربية؟ بينما لا نجد هذه الحالة بارزة في مجتمعاتنا هل أن أدمغة شبابنا عقيمة، هل أن أبناءنا أقل مستوى وكفاءة من أبناء المجتمعات وفي تلك الشعوب تتاح للشباب فرص التعلم والتطور الفكري

وتتاح أمامهم مجالات تنمية قدراتهم وتجاربهم على هذا الصعيد.

الإطار الثالث: هو الإطار الاجتماعي، نحتاج إلى وجود منظمات وأطر اجتماعية تستوعب هؤلاء الشباب وتوجههم للتطوع في خدمة مجتمعاتهم وأممهم بل والإنسانية جمعاء، نحن نجد في الغرب منظمات تهتم بالعالم وعلى مستوى البشرية جمعاء نجد أن هناك مؤسسات للإغاثة الدولية ونجد هناك مؤسسات للدفاع عن الحريات كما في منظمة العفو ونجد هناك منظمة أطباء بلا حدود وماشابه ذلك من المنظمات العامة التي تعمل على مستوى العالم بينما نحن ما زالت حاجات كثيرة في مجتمعاتنا ليس هناك من يتصدى لمعالجتها وحلها.

الشباب هم الجهة التي يجب أن توجه لتبني مشاكل مجتمعاتهم عن طريق منظمات ولجان وهيئات اجتماعية، وأخيراً: لا بأس أو ينبغي أن تكون مؤسسات وبرامج للترفيه كالرياضة مثلاً بمختلف ألوانها ووسائل التسلية والترفيه بحيث تستوعب ما يزيد من أوقات هذا الجيل الشاب.

تطل علينا اليوم (العولمة) بوجوه مقنعة، كالانفتاح، الحرية، السوق المشتركة، التبادل العلمي والمعرفي، البورصة العالمية، القرية الصغيرة..الخ.. وهي حسب ما يرى كثير من المختصين أنها نوع من أنواع السيطرة من قبل القوى الكبرى.. فما هو التعاطي الصحيح معها؟

العولمة هي مرحلة في مسيرة التطور البشري، ولا يمكن الوقوف أمام هذه المرحلة، تطور مستوى الإنتاج، وتطور وسائل التكنولوجيا جعلت العالم يعيش مثل هذه المرحلة ومثل هذه الحالة ونحن ينبغي أن لا نستمر كثيراً بالعيش في أجواء المخاوف من هذه العولمة، وإنما علينا أن نفكر كيف نستفيد من هذه العولمة في نشر مفاهيم ديننا ومبادئنا وفي تكريس وتركيز هويتنا وفي إظهار قضايانا أمام العالم، أمام أي تطور من التطورات العلمية والتكنولوجية، كانت هناك مخاوف وتحفظات في الوسط الديني، حينما بدأ التعليم بأسلوبه الأكاديمي المتطور، المدارس الحكومية، عاش الوسط الديني نوعاً من الخوف والحذر والتحفظ على أساس أن هذه المدارس ستستقطب أبنائنا وتغير تفكيرهم وتنحرف بهم عن طريق الدين ونحن نعرف قصص عن مجتمعات كثيرة كانت ترفض افتتاح المدارس لأبنائها وبشكل أخص لبناتها ولكننا الآن نلاحظ أن التعليم أصبح واقعاً معاشاً وأصبح ضرورة لا غنى عنها لأبنائنا ولبناتنا ولو أننا منعنا أبناءنا وبناتنا من دخول المدارس ومن التعلم لكنا حرمناهم من فرص التقدم ولكنا حرمناهم من الاستفادة من وسائل التطور ومن بناء شخصياتهم العملية في هذه الحياة الطريقة المثلى كانت هو أخذ المبادرة من أجل وضع مناهج تعليمية أفضل تأخذ قيمنا بعين الاعتبار وتربي أولادنا بالطريقة التي نراها مناسبة لقيمنا ولمبادئنا ولمصالحنا وحينما بدأت الوسائل الإعلامية المتطورة كالإذاعة والتلفزيون أيضاً كان الوسط الديني حذراً منها وكان هناك من يحرم استخدام التلفزيون وكان هناك من يمنع شراء (الراديو) والاستفادة منه ولكنه بعد فترة من الزمن رأينا أن هذه الوسائل الإعلامية أمراً واقعاً وأنها شكلت نقلة في وضع المجتمعات البشرية فبدأنا نفكر متأخراً كيف ننشئ إذاعة وكيف ننشئ محطة تلفزيونية وأخيراً كيف ننشأ قناة فضائية، كان يفترض علينا من أول يوم أن نأخذ زمام المبادرة وأن نستعين بهذا التطور الإعلامي، ووسائل الاتصالات والانترنيت أيضاً واجهناه بحذر ومخاوف ولكننا نرى الآن كيف أن شبكة الانترنيت أتاحت لنا فرصة التواصل وأتاحت لنا فرصة إبلاغ رسالتنا وأفكارنا وبلورة هذه الأفكار على المستوى العالمي فيما يرتبط بالعولمة أيضاً هي مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري علينا أن لا نستمر في إثارة المخاوف والقلق أمامها بل أن نأخذ زمام المبادرة للاستفادة من هذا التطور في خدمة مصالحنا وفي حماية مبادئنا وفي تحويل ثقافتنا وهي مهيأة لكي تكون ثقافة عالمية ولكي تشق طريقها إلى مختلف المجتمعات البشرية.

نعم نتوجه بأسئلتنا الآن إلى جانب آخر، وبالتحديد فيما يخص الحالة العدائية التي يواجهها الإسلام (بحجة الإرهاب)، ونسأل:

أولا:ً هل هناك تعريف للإرهاب في الإسلام؟.

وثانياً: هل تعتقد أن هنالك جماعات سخرت أو استخدمت الدين الإسلامي كغطاء لتمرير عمليات إرهابية بحيث شوهت صورة الإسلام الوضاءة والمتسامحة؟


الإرهاب كلمة عامة أو مصطلح عام في بعض الأحيان يكون الإرهاب بمعنى استخدام القوة لإحقاق الحق وللدفاع عن الحق كما يقول القرآن الكريم: (ترهبون به عدو الله وعدوكم)، وكما تمارس السلطة الشرعية القوة في ردع المعتدين على حقوق الناس هنا يكون بهذا المعنى أمر صحيح ومقبول ولكن الإرهاب بمعنى الاعتداء من غير حق واستخدام العنف تجاه الأبرياء وتجاه الآمنين واستخدام أساليب التخريب كما تعارفت عليه بعض الحركات المتطرفة هذا الأمر ليس صحيحاً ومضراً ويشوه سمعة الإسلام ويشكل انتهاكاً للحرمات التي يحرص الإسلام على حمايتها وعلى حفظها من هنا فإن الإسلام لا يقبل بأي شكل من الإشكال الاعتداء على الآخرين من أجل تحقيق غرض سياسي أو من أجل خدمة توجه فكري معين، الإسلام يرى أن الفكر والمنطق وإقناع الناس هو الطريق الصحيح ولذلك الأنبياء لم يستخدموا القوة ولم يستخدموا الإرهاب لنشر رسالتهم والله تعالى لم يسمح لهم بذلك (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) وفي آية أخرى الله تعالى يقول: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وكما يقول تعالى (لا إكراه في الدين) فلا يمكن أن تستخدم القوة كطريق لخدمة مبدأ أو كطريق لخدمة توجه أو للوصول إلى مقصد سياسي القوة يجب أن تستخدم عبر جهة شرعية لردع المعتدي ولردع الظالم ضمن الحدود الشرعية وما عدا ذلك يعتبر إرهاباً ويعتبر استخداماً غير مشروع للقوة وقد رأينا أن بعض الفئات ممن انتسبت إلى الإسلام قامت ببعض هذه الممارسات وفي الواقع أضرت الإسلام كثيراً وأعطت الفرصة للأعداء من أجل أن يوجه الضربات العنيفة للأمة الإسلامية كما نشاهد في أعقاب بعض الأعمال التي قام بها بعض المتشددين سواء كان داخل البلدان الإسلامية كما حصل في الجزائر وكما حصل في مصر وكما حصل في سوريا وكما حصل في إيران أن فئات تدعي أن لها أهداف سياسية تقوم باغتيالات وتقوم بتفجيرات داخل البلاد الإسلامية وداخل المجتمع الإسلامي هذا أوجب رد فعل عند الناس تجاه الإسلام مما أعطى مستمسكاً أكثر بيد السلطات وبيد الأعداء ضد الحركات الإسلامية وكذلك ما تقوم به بعض الحركات ضد غير المسلمين من هجوم أو تفجير للآمنين وللأبرياء في تلك المجتمعات هذا أمر أيضاً غير مقبول..

حين تستشرفون المستقبل هل تقرؤون فيه صداماً بين الحضارات أم ترون فيه أفقا مفتوحا لحوار هادئ وبناءً لهذه الحضارات؟ ثم ما هي الآليات التي يمكن استخدامها لتحقيق الحوار الموضوعي؟

في الواقع الإدارة الأمريكية حالياً تعمل من أجل أن تعيش العالم معركة صراع الحضارات إنهم أعدوا لهذا الأمر حينما طرحوا فكرة صدام الحضارات عن طريق المفكر الأمريكي المعروف (صموئيل هنتنغتون) طرح صدام الحضارات وواكبت ذلك مقالات عديدة في الجرائد والمجلات الأبحاث الأمريكية لتدوير هذه الفكرة واستغلت الإدارة الأمريكية والكثير من الدوائر الغربية أحداث 11 سبتمبر من أجل تحول هذه المقولة إلى واقع معاش أصبحت وسائل الإعلام وأصبحت الصحافة في تلك البلدان وبتحريض من اللوبي الصهيوني ومن اليمين المسيحي ومن القوى التي تسعى للهيمنة على العالم أصبحوا ينشرون في أوساط العالم صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين ويحرضون على معاداة الإسلام والمسلمين لذلك نرى في هذه الفترة صدور العديد من الكتب التي تشوه الإسلام وصدور الكثير من المقالات التي تحرض على الإسلام والمسلمين، ونجد الخطط التي تعتمدها الإدارة الأمريكية الحاضرة في انحيازها إلى الاعتداء الصهيوني على إخواننا الفلسطينيين وعلى العرب والمسلمين وكذلك التهديدات الأمريكية المتكررة يومياً ضد مختلف البلدان الإسلامية ضد سوريا وضد لبنان وضد إيران وضد السعودية وضد مختلف الدول العربية والإسلامية، هذه التصريحات إنما تريد إذكاء حالة الصراع وحالة الصدام الحضاري.

نحن كمسلمين يجب علينا في الوقت الذي نواجه فيه هذا التحدي على الصعيد العملي يجب علينا من الناحية الفكرية والسياسية والإعلامية أن لا نقع في هذا المخطط وأن تبقى أيدينا مفتوحة ومحدودة ونرفع شعار الحضارات ونرفع شعار الحوار بينها لأن هذا هو ديننا، ديننا يدعونا إلى أن نتحاور مع الآخرين، ديننا يدعونا إلى أن نكون رسل سلام إلى الآخرين، وإلى أن نعتمد قوة المنطق لا منطق القوة في علاقاتنا مع الآخرين إن الله تعالى يقول: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين).

إذن ديننا يدعونا للانفتاح على الآخرين والتحاور معهم واحترام خصوصيتهم وإذا كان الآخرون بدافع الهيمنة على العالم، يطرحون قضية صدام الحضارات ويعملون من أجل إذكاء صدام الحضارات فنحن يجب أن نكون منسجمين مع مبادئنا بأن نطرح حوار الحضارات وأن يكون هذا هو منهجنا وهذا هو توجهنا.

بعد أن أصبحت أمريكا القطب الواحد الذي يتحكم في العالم مدعية شرعيتها في هذا التحكم لأنها تمثل قمة الحضارة ظهرت نظرية (نهاية التاريخ) لفوكوياما سنة 1989م والتي يدعي بها (فشل الإسلام حضاريا)ً، بماذا تعلقون على ذلك؟

في الواقع هذه النظرية تمثل حالة الغرور التي أصابت العقل الرأسمالي الغربي، هذه الحالة مرفوضة حتى عند العديد من المفكرين الأمريكيين.

ناقش فوكوياما في نظريته وحصلت ردود عليه في داخل أمريكا نفسها أن يعتقد الإنسان في مرحلة من المراحل أنه وصل إلى السقف وإلى القمة وأن لا مجال لتطوير الفكر ولا مجال لتطوير حركة الإنسان ومستوى الإنسان، هذه حالة من الغرور، يرفضها العقل السليم وترفضها الفطرة ولا تقبلها المعرفة التجريبية التي يعيشها العالم المعاصر، فإذن هذه فكرة مرفوضة وهي تمثل حالة من الغرور ولا تمثل حالة معرفية موضوعية.

ننتقل الآن إلى حالة التعدد المرجعي في المذهب الشيعي وبعض الإشكاليات المثارة؟

فكما تعلمون أن المذهب الشيعي جعل باب الاجتهاد مفتوح ولذلك فإن الآراء قد تتباين وتختلف من مرجع لآخر.. كيف يتسنى لنا التعامل معها إيجابياً بحيث لا تتحول إلى صراع داخلي.

في الواقع الاختلاف بين الفقهاء والمجتهدين داخل المذهب الشيعي يمكن أن نجده في اتجاهين:

الاتجاه الأول:الاختلاف في المسائل الفقهية التي هي محل ابتلاء فردي للإنسان المسلم وهذا أمر معروف ومتداول، إن الفقهاء يختلفون في آرائهم الفقهية حول مسائل العبادات وحول بعض مسائل المعاملات وهذا لا ضير فيه ولا يسبب إشكالية.

الاتجاه الثاني: أن تكون هناك توجهات سياسية أو ثقافية مختلفة بين الفقهاء والمجتهدين بأن يكون لهذا الفقيه مشروع سياسي ويكون لفقيه آخر مشروع سياسي آخر أو أن تكون لهذا الفقيه مدرسة فكرية ثقافية وللفقيه الآخر مدرسة فكرية أخرى، هنا قد تكون هنالك إشكالية ينبغي أن تحل وأن تعالج بالتأكيد على أخلاقيات الإسلام وعلى مبادئ الإسلام لاحترام الرأي الآخر ولاحترام التوجه الآخر، فليس صحيحاً أن تحاول فئة أو تحاول جماعة مرجعية معينة إلغاء حق المرجعية الأخرى في أن يكون لها مشروع وفي أن يكون لها رأي، حق متبادل إذا كانت هذه المرجعية ترى أن من حقها أن تعبر عن رأيها وأن تطرح مشروعاً في ساحة الأمة فهذا يعني أن تعترف بأن للمرجعية الأخرى أيضاً رأياً، يجب أن نتكامل من خلال احترام بعضنا البعض ونتقبل التنوع والتعددية مادمناً قبلنا بفتح باب الاجتهاد ومادمنا قد قبلنا بأننا جميعاً ضمن دين واحد وضمن مبدأ ومذهب واحد، وأساساً على مستوى الأمة الإسلامية هناك تنوع مذهبي إذا كنا نطرح التقارب والتقريب بين المذاهب على اختلافها في المجال العقدي والفقهي فأحرى بنا أن نصر على الوحدة وعلى التقارب بين أتباع المذهب الواحد وبين مرجعيا ته المختلفة في المشاريع وفي التوجهات الفكرية ، حالة التنازع والصراع هذه في الواقع حالة مرضية ناشئة إما من ضيق الأفق وإما من وجود أغراض نفسية بأن يكون هناك تحاسد أو يكون هناك تكالب على مصلحة معينة وينبغي أن ننشر في المجتمع ثقافة قبول التعددية واحترام الرأي الآخر والتوحد مع التنوع في إطار مشترك لخدمة القضايا العامة والمشتركة.

على ذكرك لمبادئ الإسلام ومنهج أهل البيت وأسلوبه.. هل ترى أن هنالك قصور في التعامل مع التراث الفكري الذي تركه لنا المعصومون الأربعة عشر (عليهم السلام)؟

لاشك أن هناك قصوراً وتقصيراً كبيراً، هذا التراث تراث شامل لمختلف جوانب المعرفة ونحن لم نستفد من هذا التراث وخاصة فيما يرتبط بقضايانا المعاصرة، وخاصة بالأمور التي تقدم صورة مشرقة عن هذا المذهب وعن هذه المدرسة الرسالية أمام العالم أجمع.. إننا يجب أن نهتم أكثر بهذا التراث في بعده الكوني.. كيف نتعامل مع الطبيعة؟ كيف نستثمر خيراتها وثرواتها؟ أساسا الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من أجل أن يعمر الكون (الذي خلقكم من الأرض واستعمركم فيها) يعني طلب منكم عمارة الأرض، أساساً الكون كله مسخر من أجل الإنسان (سخر لكم ما في السماوات والأرض). القرآن والروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تأمرنا بأن ننفتح على الطبيعة، أن نستفيد من خيراتها وهذا ما توجه إليه الغربيون، الغربيون توجهوا إلى الطبيعة ولذلك نراهم قد غزوا الفضاء وغاصوا في أعماق البحر واكتشفوا واخترعوا وعملوا..

بينما نحن نعيش ضيوفاً في هذه الحياة ننتظر أن الآخرين هم يستثمرون خيرات الكون ويقدمونها لنا نحن دورنا في هذا الإطار دور محدد علينا أن نأخذ من تراث الأئمة (عليهم السلام) ما يعيننا ويساعدنا على أخذ موقعيتنا المناسبة في الكون والحياة.. نجد أن الإمام الصادق (عليه السلام) من قبل أربعة عشر قرن تقريباً هناك في جامعته الكبيرة قسم لتعليم الكيمياء ونرى أن جابر بن حيان هو ملهم الكيمياء في التاريخ الإنساني، كما نرى في كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الكثير من الكلمات التي تتحدث عن قضايا الكون وتشير إلى أسرار الطبيعة والحياة بما لم نعرف ولم نكتشف إلا بعد هذه التطورات العلمية لماذا نحن لم نأخذ بهذا المنهج.. انشغلنا في القضايا الكلامية وفي الجدل المذهبي والعقائدي وفي الخلافات المذهبية وتركنا أمورنا الطبيعية وأمور الكون والحياة.. وهذا خطأ كبير.. يجب العودة إلى تراث الأمة في هذا المجال أولاً وثانياً في مجال العلاقات الاجتماعية.. كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم.. كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين العالم وسائر الناس.. كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الفئات والحركات ومراكز القوى الاجتماعية إلى كيف ينبغي أن تكون العلاقات العائلية بين الوالد وولده بين الزوج وزوجته صيغة العلاقات الاجتماعية هذا مجال مهم نجد المجتمعات الغربية اهتمت بهذا الأمر ووصلت إلى صيغة من الديمقراطية تتناسب مع أوضاعها وأجوائها بينما نحن لا تزال أغلب مجتمعاتنا وبلادنا تعيش حالة من الاستبداد وتعيش حالة من التناحر تعيش حالة من الصراعات وإلى جنبنا هذا التراث الكبير الذي فيه مثل عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر وفيه مثل رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) وفيه أشياء كثيرة من المعارف التي يمكن أن نستنتج منها صيغ لعلاقتنا مع بعضنا البعض، هذا ما يجب أن نهتم به ونتوجه إليه.

عن الشعائر الحسينية نسأل سماحتكم في الكيفية التي تمكننا من جعل الشعائر الحسينية مدرسة لتهذيب الأخلاق وتعميق الوعي الرسالي؟

الشعائر الحسينية حينما تبرز لنا سلوك الأئمة (عليه السلام) ومواقفهم للتأسي والاقتداء هذه الشعائر حينما تعتمد على هذا الجانب إبراز سيرة الإمام.. إبراز موقف الإمام.. حتى نتأسى به هنا تكون الشعائر منبعاً للاستفادة وهنا تنفعنا كثيراً في بناء إنساننا المؤمن الواعي المعاصر، وكذلك حينما تكون الشعائر الحسينية دافعاً باتجاه الالتزام بالقيم أن تركز هذه الشعائر على القيم وعلى المبادئ وعلى المفاهيم والأخلاقيات الإسلامية.. وكيف أن الأئمة (عليهم السلام)، التزموا بها في حياتهم وضحوا من أجلها هنا تكون الشعائر الإسلامية مدرسة نستلهم منها كل معاني الصمود والاستقامة في أمواج هذه الحياة العاتية، من المهم جداً أن نعيش آلام ومعاناة ومآسي أهل البيت (عليهم السلام) وأئمتنا أمرونا بذلك: (شيعتنا منا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا).. لكن لا يصح أبداً أن تكون المأساة هي الجانب الوحيد والطاغي على بقية الجوانب.. ينبغي أن يكون هناك العِبرة إلى جانب العَبرة، أما لو اقتصرنا على العَبرة وعن الحديث على المأساة بالشكل العاطفي فقط ولم نبرز حالة العِبرة في حياة أهل البيت (عليهم السلام) فإن هذه الشعائر لا تؤدي الدور المطلوب في حياتنا ولا تخدم مذهبنا ولا تخدم خط أئمتنا بالشكل المطلوب والمناسب.

بعد هذه الأسئلة الفكرية والعقائدية.. بودنا لو تحدثتم لنا وبشكل موجز عن واقع الشيعة في المملكة العربية السعودية اليوم؟

واقع الشيعة الآن في المملكة العربية السعودية هو في طريقه إلى التحسن والشيعة في طريقهم إلى الاندماج أكثر في بوتقة الوطن ومع بقية المواطنين، في الفترة الماضية كانت هناك حواجز وكانت هناك حالات وأوضاع تجعل من الشيعة وكأنهم حاله وكيان ووجود مفصول عن بقية المواطنين ولكن الآن الحمد لله بدأت هذه الحواجز وبدأت هذه الحالة تنسحب وتتلاشى من أجل أن يكون الشيعة جزء من هذا الوطن وجزء من هؤلاء المواطنين يعيشون معهم على قدم المساواة في النشاط الاقتصادي وفي حقوق المواطنة العامة، وفي تحمل واجبات المواطنة وفي التنعم في حقوق المواطنة هذا ما نأمله ونرجوا أن يتحقق بالكامل إنشاء الله..

هنالك التجربة البحرينية التي استقطبت الشيعة وأعطتهم دوراً في الحياة السياسية والإدارية، وكذلك الانفتاح على المذهب الشيعي في الكويت بحيث جعل للشيعة ممثلين في البرلمان، هل هنالك أمل في أن تتم مثل هذه الانفتاحات على الشيعة في السعودية؟

يعني نحن نأمل أن كل بلاد المسلمين تعيش حالة من الانفتاح وتجاوز حالة الجمود السياسي وتتجاوز حالة التخندق المذهبي الطائفي بأن يعيش المواطنون كلهم كمجتمع واحد ضمن وطن واحد، حقوقهم تكون متساوية في المشاركة السياسية وفي تحمل واجبات المواطنة والتنعم بحقوقها وبالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية، الحكومة والشعب يتطلعون أن تتحسن الأمور في مختلف المجالات إنشاء الله.

عودة إلى عالم الكتاب والفكر.. فنسأل سماحتكم أن العالم أصبح يزخر بوسائل الاتصال المعرفي الحديثة من قنوات فضائية إلى شبكات انترنيت.. كيف أصبح رصيد الكتاب في هذا العالم؟

لا زال الكتاب يحافظ على موقعه عند المهتمين به، لكن ساحة الاهتمام بالكتاب هي في الأصل محدودة في مجتمعاتنا فينبغي توسعة هذه الساحة عن طريق توفير الكتاب وعن طريق إزالة الحواجز وخاصة حواجز الرقابة أمام انتشار الكتاب وينبغي أن يكون هناك تشجيع وتشويق لمطالعة الكتاب في مجتمعاتنا.

إذن وصلنا إلى نهاية المطاف في هذا اللقاء السعيد مع سماحتكم ونختم باستطلاع رأيكم عن موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)؟

رأي الحمد لله يمثل توجهاً جيداً وإيجابياً، والساحة الإسلامية كانت في حاجة إلى مثل هذا الموقع ونأمل أن هذا الموقع يسير في طريق التطور وينحى المنحى الإيجابي ويبتعد عن الإثارات التي قد تسبب مشكلة هنا ومشكلة هناك.. نحن في حاجة إلى تأكيد وحدة الصف وإلى تأكيد حالة الانفتاح وهذا ما يتمتع به موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) إنشاء الله، ونأمل أن تتعزز هذه الحالة بحيث يتعامل هذا الموقع مع كل الوجود الشيعي في جميع البقاع ومن جميع التوجهات والمرجعيات والمدارس نظرة واحدة بحيث يبرز هذه الطائفة كطائفة قادرة على أن تتعايش فيها التوجهات المختلفة فنقدم نموذجا لقبول التعددية واحترام الرأي الآخر من خلال هذا الموقع إنشاء الله..


الموقع: ختاماً نتوجه بالشكر والامتنان لسماحة العلامة الشيخ حسن الصفار (حفظه الله ورعاه).

الشيخ: وأنا بدوري أتوجه لكم ولكل العاملين في موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) بالشكر الجزيل داعياً لكم بالموفقية والسؤدد وإلى مزيد من النجاح إنشاء الله.