ملجة شهر الله تحاور الشيخ حسن الصفار
أجرى الحوار : رئيس التحرير
ضيفنا في هذا اللقاء سماحة الشيخ حسن الصفار (حفظه الله)
في زيارته للسيدة زينب عليها السلام جمع بيننا هذا اللقاء
هو الخطيب البارع سماحة الشيخ حسن بن الحاج موسى نجل العلامة الشيخ رضي الصفار (دام ظله).
ولد في القطيف سنة 1377هـ - 1957م، وتعلم القرآن الكريم في المدارس الأهلية ثم انضم للمدارس الحكومية (الابتدائية والمتوسطة).
يُعدّ الشيخ الصفار من الروّاد المصلحين الأوائل في مدينة القطيف من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، فقد بدأ نشاطه الديني والثقافي في سن مبكر وهو في الثانية عشر من عمره ، فقد مارس الخطابة سنة (1389هـ - 1969م) فأصبح من أشهر خطباء المنبر الحسيني في القطيف، يمتاز بقوة الحافظة للأخبار والأحاديث ، مع أسلوب سلس رصين في الطرح، كما اشتهر بطول الباع وسعة الإطلاع والاستطاعة على التأثير في مستمعيه وكسب الجمهور وعواطفه باستدرار الدمعة وتوظيفها في عملية التوعية الإسلامية والتوجيه الديني إلى المبادئ السامية التي أستشهد في سبيلها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته الكرام البررة.
بدأ دراسته الدينية في مسقط رأسه (القطيف) وفي الأحساء ثم هاجر للحوزة العلمية في النجف الأشرف عام 1391هـ ثم للحوزة العلمية في قم المقدسة ودرس فيها على يد أفاضل علمائها.
وفي سنة (1395هـ - 1975م) هاجر للتبليغ إلى سلطنة عمان وكان يقوم بوظيفة الإرشاد الديني في مدينة "مسقط" كإمام جماعة وخطيب إلى نهاية سنة (1397هـ - 1977م).
عاد إلى وطنه عام 1415هـ - 1995م، ليمارس دوره في الإصلاح الاجتماعي والديني ، كما يقوم بوظيفته الدينية كإمام جماعة في مسجد الفتح وخطيب حسيني لامع في حسينية العوامي بالقطيف .
وفي أثناء وجوده خارج السعودية أسس العديد من المؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية في مختلف البلدان والدول ، ويعتبر الآن أحد العلماء المفكرين المصلحين .
صدرت له العديد من المؤلفات ،ترجم بعضها إلى مختلف اللغات ، ومن أبرزها :
1/ التعددية والحرية في الإسلام .
2/ التنوع والتعايش. (بحث في تأصيل الوحدة الاجتماعية والوطنية).
3/ المرأة العظيمة . (قراءة في حياة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين(عليهما السلام )).
4/ علماء الدين ، قراءة في الأدوار والمهام .
5/ مسؤولية المرأة .
6/ رمضان برنامج رسالي.
7/ الحسين ومسؤولية الثورة / ترجم إلى اللغة الفرنسية .
8/ رؤى الحياة في نهج البلاغة / ترجم إلى اللغة الفارسية سنة1992 م .
9/ ولكل أمة رسول / ترجم إلى اللغة السواحلية.
10/ كيف نقهر الخوف .
11/ رمضان دعوة لضيافة ا لله .
12/ النفس منطقة الخطر.
وغيرها الكثير من المخطوط و المطبوع.
بداية اللقاء
سماحة العلامة المجاهد الشيخ حسن الصفار (دام عزه).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم في هذا اللقاء، كما نهنئكم بحلول الشهر الكريم رمضان المبارك ، أعاده الله علينا وعليكم باليمن والغفران والبركات .
الهلال والإرباكات الشائكة
سماحة الشيخ: تحصل الكثير من الارباكات الشائكة في الساحة الإسلامية في قضية الهلال ، حيث نرى من يصوم ومن لا يصوم ونرى من يفطر ومن لا يفطر، أما من صوت مرشد لوقف هذا التقاطع بين المسلمين ؟
الصوم والإفطار مسألة شرعية لا بد فيها من الاعتماد على الضوابط التي وضعها الشرع لتحديد التكليف فيها، فهناك ضوابط يجب بمقتضاها الصوم أو الإفطار على المكلف ولا يصح أن تكون مسرحاً للرغبات والانتماءات والحساسيات فإذا ما شخّص المكلف أن واجبه الصوم أو الإفطار وفقاً للضوابط الشرعية فعليه الالتزام بتكليفه. وعلى الآخرين أن يلتزموا بتكليفهم إذا اختلف التشخيص في تحقق تلك الضوابط ،وليعذر كل واحد الآخر ولا داعي أن تدخل في القضية الصراعات والاتهامات المتبادلة ولا أن تكون سبباً للتشنج .
إن مجتمعاتنا بحاجة ماسة للوعي باحترام الرأي الآخر والاعتراف به، وخاصة في المجال الديني القائم على أساس الاقتناع والاطمئنان ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[سورة البقرة، الآية: 256].
ويبدو لي أن الاختلاف في موضوع الهلال سيستمر ما دامت المسألة تعتمد على الثقة والاطمئنان بالرؤية، نعم إذا عولجت قضية الاعتماد على العلم والقول الدقيق للفلكيين والمراصد الفلكية إذا عولجت من الناحية الفقهية وأفتى المراجع بذلك فسيكون في ذلك الحل والعلاج.
التوقف عند محطات الزمن
حتى نعرف كيف نتوقف عند محطات الزمن ،كيف نستقبل هلال شهر ا لله الكريم ؟
يجب أن نستقبل شهر الله الكريم بالاستعداد لجرد الحساب مع الذات ، فكما لكل مؤسسة موعد سنوي لجرد حساباتها ومراجعة أمورها ، كذلك على كل إنسان مسلم أن يتوقف عند هذه المحطة الزمنية المباركة لمحاسبة نفسه، والأحاديث الشريفة تأمرنا بمحاسبة أنفسنا كل يوم وليلة، لكن شهر رمضان بخصائصه ونفحاته هو أفضل محطة للمحاسبة والمراجعة والتقويم السنوي .
ليكتشف الإنسان خبايا ذاته ،ويتأمل صورة نفسه الحقيقية، ليرى نقاط ضعفه، ومواقع قوته، ثم يبدأ التخطيط لتلافي نقاط الضعف، وتنمية مواقع القوة ويضع له برنامجا لسنته القادمة.
فبالاستعداد للمحاسبة والمراجعة والتقويم، والعزم على التطوير والتخطيط والبرمجة يجب أن نستقبل هذا الشهر الكريم .
برامج شهر الله
شهر الله محطة زمانية يتخذها المسلمون للتزود بالوقود الروحي والمعرفي والثقافي وغيره، ليتجهوا إلى الله والآخرة. كيف نؤسس هذه البرامج الرمضانية؟
البرامج الروحية والمعرفية لشهر رمضان المبارك يجب أن تخضع للدراسة والتقويم والتطوير، لا أن تكون روتينية تقليدية نتوارث أساليبها دون أخذ المستجدات والاحتياجات بعين الاعتبار، ولا شك أن مستجدات كثيرة تحدث ، ومشاكل عديدة تحصل في المجتمع ، وليست أوضاع اليوم كالأمس ، ولا معاناة هذا الجيل كالجيل السابق .
ونحن نرى كيف أن الجامعات والمدارس التعليمية تراجع مناهجها كل عام أو بين عام وآخر. فلماذا نحن نصر على نوعية معينة من الأساليب والبرامج دون تغيير أو تطوير. إن المحتوى والجوهر يجب الحفاظ عليه ،أما الأسلوب والطريقة فلا بد وأن يخضع للتطور حسب المتطلبات .
محطة فضائية
في شهر رمضان تتقاطر وسائل الإعلام بمختلف القضايا الثقافية والسياسية، والانحرافية في السلوك ،وغيرها من الغزو الثقافي المنحط. ألم يحن الوقت لإيجاد محطة فضائية شيعية لحل مشاكل الشيعة وقضاياهم المصيرية وغيرها وكذلك تثقيفهم بزاد ثقافي أصيل ؟
إيجاد المحطات الفضائية أصبحت حاجة ملحة، وما ننفقه على برامجنا وحسينياتنا في كل منطقة يكفي بعضه لتمويل هذا المشروع .
وإذا كان بناء المساجد والحسينيات مطلوباً فإن المحطات الفضائية يمكن أن تقوم بدور لا يقل عن دور المساجد والحسينيات بل إنها قد تحمي المساجد والحسينيات وتشجع على إعمارها والالتفاف حولها.
لكن نظرة المتبرعين ومن بيدهم الأوقاف والحقوق الشرعية لا تدرك إلى الآن مستوى أهمية هذه الوسائل الحديثة.
إن كل منطقة من مناطقنا تستطيع أن تمول إنشاء محطة فضائية من خلال الأوقاف والحقوق الشرعية وتبرعات المؤمنين، لكننا بحاجة لمن يحمل راية هذا العمل ويمتلك الكفاءة لإدارته .
كما ينبغي الاستفادة من الفرص المتاحة في بعض المحطات لتنمية الوعي وتوجيه الجيل الناشئ .
تطوير المناسبات
كيف نطور علاقتنا بأجواء العبادة والحزن والفرح والمواقف والمناسبات التاريخية وغيرها في شهر الله ؟
علاقتنا بالأجواء الروحية والمناسبات الدينية تتطور حينما تواكب واقعنا الحياتي ، وحينما ندرك هدفها في إسعاد حياتنا وتحسين واقعنا المعاشي.
الدين ليس برنامجا لإصلاح الآخرة فقط بل هو قبل ذلك لإصلاح الدنيا لذلك تقول الآية الكريمة : ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً﴾[سورة البقرة، الآية: 201].
وفي الحديث الشريف : "من لا معاش له لا معاد له" وفي حديث آخر: "من كان في دنياه عاجزاً فهو عن آخرته أعجز".
فعلينا أن نقوي الصلة والارتباط بين البرامج الدينية والواقع الحياتي لنرى انعكاس ديننا على أمور دنيانا وقد وعدنا ا لله تعالى أن تكون حياتنا طيبة إن التزمنا بديننا: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾[سورة النحل، الآية: 97].
الجولة الروحية
كيف نعيش الجولة الصلاتية، الصومية، الدعائية، القرآنية في شهر الله ، وكيف نصنع إنساناً جديداً لا عهد له بالإنسان القديم (إنسان ما قبل رمضان)؟
كل تغيير في حياة الإنسان يعتمد على إرادته، وعلى إتباعه الطريق الصحيح للتغيير، وفي شهر رمضان المبارك ومن خلال أجواء الصلاة والصيام والدعاء وقراءة القرآن يجب أن نستثير في أنفسنا قوة الإرادة، وأن نحرر إرادتنا من الشهوات والأهواء وهذا هدف أساسي للصوم : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[سورة البقرة، الآية 183].
والتقوى هي التحرر من الشهوات والأهواء، فإذا حرر الإنسان إرادته وقرر استخدامها في الاتجاه الصحيح فذلك هو طريق التغيير والتجديد في حياته ولشخصيته.
أما إذا ضعف أمام الشهوات وخضع للتقاليد والعادات واستجاب لدواعي الكسل والتراخي فإنه سوف لا يستفيد شيئا من بركات هذا الشهر العظيم ، وحتى لو صام فسينطبق عليه الحديث الشريف : "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش".
صومان في شهر الله
هناك صومان في شهر رمضان :صوم فردي وهو جولة روحية فردية مع الله عز وجل، وهناك صوم جماعي على مستوى الأمة الإسلامية وهو نقلة جماعية إليه عز وجل .ترى ما هي حقيقة هذين الصومين ؟
الجانب الجماعي في العبادات الإسلامية له أهمية كبرى حيث لم يتزك الله تعالى الحرية للإنسان أن يصوم أي فترة في العام بل جعل الصيام في شهر محدد لتكون فريضة الصيام جماعية على مستوى الأمة .
وكذلك فإن الحج في أيام معلومات ليكون موسماً للتلاقي في أجواءه على مستوى الأمة .
والصلاة وإن كانت في الأصل تؤدى إفرادياً لكنها في يوم الجمعة والعيدين تؤدى جماعية (على تفصيل فقهي) وبشكل عام الأفضل أن تؤدى جماعة.
إن ذلك ينطلق من أن إصلاح الفرد لا يكفي ولا يحقق الغرض المطلوب من الرسالة . فالمطلوب إنشاء أمة مؤمنة تؤسس لحضارة إلهية ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[سورة البقرة، الآية: 143] ، ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ﴾[سورة آل عمران، الآية: 104]
إننا حينما نعيش الصوم على مستوى الأمة فذلك يجب أن يعزز فينا روح الانتماء لهذه الأمة وأن نتحمل المسؤولية تجاهها وأن نعيش أجواء الصوم على مستواها وليس على المستوى الفردي فقط .
طغيان الجو التقليدي على المناسبات
يقول البعض : إن العبادة الرمضانية تحولت في أذهان الكثير إلى أجواء روتينية رتابية وإلى طقس ميت ،لأنها تتحرك في أجواء تقليدية. فما هو تعليقكم على هذا القول والتفكير؟
هذا القول صحيح إلى حد كبير، فالتعامل مع العبادات عند كثير من المسلمين يتم دون الالتفات إلى هدف العبادة ومحتواها وروحها.
أكثر المسلمين يؤدون الصلاة ولكنهم يتجاهلون هدف الصلاة ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[سورة العنكبوت، الآية 45]
والقرآن الكريم يتهدد بعض المصلين بالويل لأنهم يغفلون عن غاية صلاتهم ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾[سورة الماعون، الآيتان: 4-5]
والصوم لإيجاد التقوى في النفس ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[سورة البقرة، الآية: 21] ، ومع أن أكثر المسلمين يصومون لكن المتقين هم الأقل ، أليس كذلك ؟
والحج ورد في حديث: ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج .
إن كل ذلك بسبب الانشغال والاكتفاء بمظهر العبادة دون التطلع إلى أهدافها وغاياتها يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ألا وإن للإسلام غايات فانتهوا به إلى غاياته ".
التطور في القرن الواحد والعشرين
هناك الكثير من المثقفين وغيرهم يتحدثون عن القرن الواحد والعشرين ، وما يعده الغرب من الثورة المعلوماتية والثورة التكنولوجية وغيرها لهذا القرن.
فهل أن المسلمين - على مستوى العالم - مستعدون لأن يخرجوا مستجدات على الساحة العالمية تتواكب مع العصرنة؟ أم أنهم سيبقون على واقعهم المزري من التأخر والتخلف كما يقول البعض ؟
الأمل بالله تعالى كبير، وفي الصحوة الإسلامية المباركة، ففي الساحة الإسلامية الآن قيادات دينية واعية، وتجمعات إيمانية مخلصة، وهناك مؤشرات لنهضة إسلامية واعدة، لكنها الآن تواجه تحديات خطيرة أهمها:
تحدي اكتشاف مفاهيم الإسلام ورؤاه ومناهجه بعد أن تراكم على تراث المسلمين الكثير من شوائب التخلف ورواسب التقاليد، وضغوط العادات .
تحدي الديكتاتورية والاستبداد في الكثير من بلاد المسلمين والذي لا يسمح للمفكرين والعاملين أن يعلنوا عن أفكارهم ويعملوا وفق اجتهاداتهم .
تحدي مواجهة العدوان والتآمر الخارجي ، والذي لا يريد للأمة أن تنطلق وأن تستعيد عزتها وكرامتها. والجيل الإسلامي الواعي يخوض الآن هذه التحديات وعلى مدى كسبه وانتصاره يتحدد مستقبل الإسلام والأمة في هذا العصر، هل تواكب عصرها وتقدم للعالم نموذجها أم تبقى متأخرة متخلفة ؟