كيف نواجه التعصب؟
ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار كلمةً بعد صلاة الظهرين لهذا اليوم الجمعة الموافق 29 ربيع الأول لعام 1424هـ في مسجد الشيخ علي المرهون بالقطيف، وقال في بداية كلمته: إن الأطباء يُقسّمون الأمراض التي تُصيب جسم الإنسان إلى قسمين:القسم الأول: أمراضٌ يقتصر ضررها على ذات الإنسان، وهذه الأمراض مهما كانت خطورتها فإنها لا تتعدى المصاب بها.
القسم الثاني: أمراضٌ سارية أو معدية، تنتقل إلى الآخرين فتضر بهم، وبذلك تكون هذه الأمراض –وإن كانت خطورتها الذاتية قليلة- أشد ضرراً من غيرها وذلك لإمكانية انتشارها. وبالتالي فإن هذه الأمراض تحتاج إلى مقاومة ومواجهة عامة حتى يُمكن الحد من انتشارها واستئصالها.
وتحدث سماحة الشيخ عن الأمراض الفكرية التي قد تصيب الأفراد والمجتمعات، مؤكداً أن الأفكار الخاطئة إذا كانت في حدود معتنقيها فإن ضررها لا يتجاوز المحيط الذي يؤمن بها، أما إذا كانت الأفكار تدفع باتجاه العدوان على الآخرين فإن هذه الأفكار ينبغي مواجهتها مواجهةً عامة لأن ضررها لن يقتصر على معتنقيها فقط وإنما ستتجاوز ذلك المحيط.
وأضاف سماحته: إن العالم قد واجه أمثال هذه الأفكار: كالنازية والفاشية التي تُقنع أصحابها أنهم أفضل من الآخرين وأنه ينبغي للآخرين أن يخضعوا لهيمنتهم. وكذلك الأفكار الصهيونية التي تقول بأن اليهود هم شعب الله المختار وأن هيمنتهم ينبغي أن تسود العالم أجمع.
واستنكر سماحة الشيخ مما قد انتشر في بعض الأوساط الإسلامية من الأفكار التعصبية التي تشجع على الاعتداء على الآخرين بدون مبرر شرعي.
وأكد سماحته أن هذه الأفكار ليست من الإسلام، بل إنها لا تمت للإسلام بصلة. لأن تعاليم الإسلام انطلاقاً من القرآن الكريم وسنة النبي الأعظم محمد وسيرة الخلفاء والأئمة لا تقبل بوجود الأفكار العدوانية على الآخرين. فهذا القرآن الكريم يُعلنها صراحةً، بقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. وكذلك رسول الله يؤكد على ذلك بقوله: «من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بدون رضا نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة».
وأضاف سماحة الشيخ إن لهذه الأفكار أضراراً كثيرة فهي تفقد المجتمع الأمن والاستقرار، وكذلك تشوّه سمعة الإسلام، إضافةً إلى أنها سببٌ رئيس في سوء العلاقة بين المسلمين والأمم الأخرى.
ولمقاومة ومواجهة هذه الأفكار دعا سماحته إلى ضرورة وجود جهدٍ عام من الحكومات والواعين والمثقفين لأنها أمراضٌ خطيرة ينبغي مواجهتها قبل أن تتفاقم.
وأكد سماحته على ضرورة التوجه لعلاج هذا المرض الخطير عبر مجموعة من العلاجات الناجعة:
أولاً- العلاج التربوي التعليمي.
إذ ينبغي تنشئة الأبناء على أساس التسامح واحترام الآخرين لا على أساس التعصب والعداء. وقال سماحة الشيخ: إن مما يثير الاستغراب أن هناك مناهج تعليمية تغرس حالة العداء ضد الآخرين ليس في مراحل التعليم الأولى فقط وإنما حتى على المستوى الجامعي حيث تكون مثل هذه المناهج أشد خطورةً إذ يؤكد علماء النفس أن النوازع العصبية في سن الشباب تكون أعظم منها في أي سنٍ آخر.
ثانياً- العلاج المعرفي الثقافي.
فمن المهم جداً أن تسود المجتمع ثقافة تدعو للتسامح والتعايش والانفتاح على الآخرين.
ثالثاً- العلاج التشريعي.
حيث يجب أن يكون هناك قوانين على مستوى الدولة تُجرّم التحريض على الكراهية والعداء للآخرين سواءً عبر الفتاوى والكتب أو الخطب الدينية.
ومع الأسف وجود مثل هذه القوانين في الدول الغربية وافتقار الدول الإسلامية إليها.
رابعاً- الانفتاح الاجتماعي.
حيث يؤدي الانفتاح بتلاقحه مع العوامل الأخرى إلى تذويب الكثير من الحواجز والحساسيات بين الفئات المختلفة.
وفي ختام الكلمة دعا سماحة الشيخ الأمة الإسلامية في ظل الظروف التي تمر بها حيث تلوّثت سمعة الإسلام وحيث وجود بعض الأعمال العدائية التي تمارس باسم الإسلام وهي ليست من الإسلام في شيء، دعا إلى ضرورة تظافر الجهود على مختلف المستويات من أجل علاجٍ شاملٍ لمقاومة هذه الحالة المرضية وتطويقها حتى تعود للإسلام عزته وقوامته.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.