لا تقنعونا بالهزيمة فنحن لم نهزم
مهما حاولتم في الفضائيات والأفلام الوثائقية والكتابات الصحفية أن تقنعونا بأننا هزمنا عام 1967 م مع العدو الإسرائيلي وأننا انتكسنا، فسنصرخ بأعلى أصواتنا أننا لم نهزم ولسنا من انتكس.
ليس هذا للمكابرة ولا لتكذيب التاريخ، بل هو للحقيقة التي ما زلنا نعيش تشويشها وتشويهها على الدوام، لن يتمكن أحد من خداعنا والإيحاء لنا باعتبارنا مهزومين ومندحرين، ولن نسمح لعقولنا باستقبال هذه المفردات كي لا تؤثر على امتنا وشعوبنا، فتتكرّس هذه العناوين فينا لنتحرك ونتكلم ونكتب مصحوبين بمرض الهزيمة والذل.
الذي هزم عام 1967 م، هو بعض الجيوش العربية، وليست الشعوب العربية ولا الأمة الإسلامية، لا لأن تلك الجيوش منفصلة عن أمتها، بل لأنها كانت خاضعة لواقع ولقرار سياسي لم يكن متصالحاً مع شعبه، فخرجت الجيوش دون عمق داخلي، ودون سند حقيقي.. ومع ذلك أبلت بلاءً حسناً لم تبخل فيه بدمائها وأرواحها، وبقيت تنتظر الموت، وتفضله على الذل والهزيمة والانسحاب.
لا دخل للأمة وللشعوب بالهزيمة إذا كانت جهات القرار في سبات عميق، هي وكل عساكرها بما في ذلك أسطولها الحربي الذي كان جاثماً على مدرجات المطارات الحربية والقواعد العسكرية، ليتاح للعدو الإسرائيلي أن يلحق به الدمار، والشلل في أول ساعة من هجوم الخامس من يونيو 1967 م، وقبل أن تتمكن (مقاتلاتها) من تنفيذ طلعة قتالية واحدة تهدد عمق عدوها وتردع جيوشه، هذه القضية مرتبطة بقيادة تشعر بالأمان من عدوها، أو على أقل التقادير لا تتحمل المسؤولية أمام خطره المتاخم لحدودها، ولا علاقة لنا به حتى يتم تأكيد معاني الهزيمة، والانكسار سنويا في نفوسنا.
لا علاقة للأمة وللشعوب باعترافات الجنود الذين أنقذهم ذل الاستسلام، وعادوا يحدثون أهليهم ومجتمعاتهم في مرارة وغُصة، عن جيش تزحف عليه الآليات العسكرية لتطحنه وهو في خنادقه، ينتظر أمراً باستهدافها وإطلاق النار عليها، فيأتيه القرار الشجاع من قادته (مفيش أوامر)، لقد وثق المصريون ذلك في العديد من الأفلام والمسلسلات الوثائقية التي أُنتجت بعد هزيمة الجيوش العربية عام 1967 م.
لا دخل للشعوب في التفكك الذي كان سائدا على مستوى أصحاب القرار، ورؤساء السلطة في الوطن العربي والإسلامي، والذي عبرت عنه الفرحة الواضحة بسقوط الرمزية القيادية والزعامية لجمال عبد الناصر، بعد أن هُزم الجيش المصري، وأعلن الزعيم المصري انه يتحمل كامل المسؤولية عن تلك الهزيمة النكراء.
لا علاقة للشعوب العربية والمسلمة بالكذب والدجل، الذي كانت تبثه إذاعة الراديو المصري، والذي خدر الشعوب، وافقدها توازنها، قواتنا الباسلة تصدّ هجمات العدو على سيناء، وتبدأ هجمات مضادة، قواتنا الشجاعة تسقط أكثر من أربعين طائرة مقاتلة للعدو، ومئات القتلى والأسرى في صفوف الصهاينة، لقد حانت ساعة الصفر لهزيمة الأعداء، فيخرج الناس في كل شوارع مصر يهتفون بحياة الزعيم، وبالتكبير والهتافات بينما تملأ الاناشيد الوطنية كافة الإذاعات العربية.
لا ناقة لنا ولا جمل نحن الشعوب حين تأتي الإشارات والرسائل متتالية للجيش المصري عن هجوم وشيك، واستعدادات تأهب للقوة الجوية الإسرائيلية، لتكون الممسكة بالضربة الاستباقية الأولى ضد كل القوات العربية المتاخمة لحدود فلسطين، فتندفع قيادات الجيش وسلاح الطيران المصري إلى احتفالات راقصة وصاخبة طيلة ليلة الحرب حتى الصباح، لا دخل ولا علاقة لنا نحن الشعوب بهذا النوع من المقاتلين الأشاوس الباذلين لعقولهم، وعواطفهم في الليالي الحمراء وهم يتمايلون من الثمالة والطرب على ليلاهم.
نحن لسنا مسئولين عن قرارات الانسحاب والتراجع، التي جعلت جنودنا يفرون بأسلحتهم من خنادقهم ومواقعهم دون خطة ولا غطاء لتلاحقهم الطائرات الإسرائيلية وتحصد منهم الآلاف في أخزى معارك التاريخ، حتى أن مصر بمفردها خسرت حوالي 15000 جندي، بعضهم قتل وهو في أسر القوات الإسرائيلية..
يا سادة.. نحن بعد لم نُهزم وما زلنا نبلى بلاءً حسناً، يظهر أداؤه في أفغانستان، واقصد به الوجه الايجابي المقاوم للاحتلال الأمريكي، وما زلنا نضرب أعلى الأمثلة في الثبات والبطولات والتضحيات في العراق بمقاومة المحتلين، الذين ننتظر ذل اندحارهم بأسرع من لمح البصر..
وما زالت أفعالنا في لبنان تحرق قلوب أعدائنا الإسرائيليين، جراء هزيمتهم النكراء التي أصابتهم في أوج غطرستهم وكبريائهم..
نحن لم نهزم، وفي فلسطين أمهات يرضعن صغارهن حليب العزة والكبرياء والكرامة، ليمضي العدو أكثر من خمسين عاما على ارض فلسطين دون أن يستطيع تركيع أطفالها بحجارتهم.. فضلا عن مقاتليها بصواريخهم وقذائفهم..
من هُزم هو غيرنا.. فلا تحمّلونا وزر هزيمته، فنحن الشعوب بما نملك من عنفوان الرفض، وروح الدفاع عن أوطاننا، والشهادة من أجل ديننا.. نحن لسنا الهزيمة.. ولسنا النكسة، نحن الغد والوعد والنصر.