عن مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية
عقب صلاة الجماعة لهذا اليوم الجمعة الموافق 29 رجب 1424هـ، وفي مسجد الشيخ علي المرهون بالقطيف، ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار كلمةً تحدث فيها عن مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية المنعقد في البحرين في الفترة من 23 – 25 رجب لعام 1424هـ، وجاء في مقدمة الكلمة: تحت شعار الآية الكريمة ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾ انعقد مؤتمر مهمٌ جداً هو مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية. ويُعتبر انعقاد هذا المؤتمر بادرةٌ هامة من قبل حكومة البحرين، وذلك لعدة أسباب:أولاً- منطقة الخليج والجزيرة العربية بالتحديد فيها تنوع مذهبي لا يتوفر في أي منطقة أخرى، فهي تضم جميع المذاهب الإسلامية بمختلف أنواعها، ففيها السنة بمذاهبها الأربعة، وفيها الشيعة الإثني عشرية، وفيها الزيدية، وكذلك الأباظية.
ثانياً- مع هذا التنوع المذهبي الذي تحفل به منطقة الخليج إلا أن هناك حدّية تشنجاً في العلاقة بين أتباع هذه المذاهب المختلفة بشكلٍ لا نظير له في المناطق الأخرى التي تعيش حالةً أقرب إلى الحالة الطبيعية في العلاقة بين المذاهب المختلفة. ويمكن القول –وبدون مبالغة- أن حالات التشنج في المناطق الأخرى –إن وجدت- فهي مصدّرة من هذه المنطقة لعمق حالة التشنج فيها.
ثالثاً- حكومات هذه المنطقة تتبنى الاهتمام بالحالة الدينية والدعوة إلى الإسلام، وبالتالي فهي الأولى أن تتبني حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
رابعاً- الأوضاع التي تعيشها المنطقة واحدة فالخطر يتهدد الجميع ولا يخص مذهباً أو طائفة دون أخرى.
لهذه الأسباب فإن هذه المنطقة أحوج ما تكون إلى مسألة التقريب بين المذاهب، ومع تأخر إقامة مثل هذا المؤتمر، إلا أن انعقاده في هذه الفترة يُعتبر أمراً إيجابياً وطيباً.
وقد أوضح سماحة الشيخ أن انعقاد المؤتمر كان في أصله اقتراحاً مقدماً من مؤسسة الإمام الخوئي في لندن بواسطة الشهيد السيد عبد المجيد الخوئي، وقد كان مقرراً أن يُعقد قبل هذا الموعد ولكن لأسباب اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي تأخر انعقاده لهذا الوقت.
وأكد سماحة الشيخ أن المؤتمر كان ناجحاً، حيث أنه جمع نخبةً كبيرةً من العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية، ومن مختلف الدول. ولم يكن تمثيل العلماء رسمياً بل كانوا يُمثلون أشخاصهم ومؤسساتهم.
وأوضح سماحة الشيخ أنه إلى جانب الجلسات الرسمية التي تضمنها المؤتمر كانت هناك جلسات ولقاءات فردية جانبية، قد تفوق في أهميتها وأثرها على تلك الجلسات الرسمية.
وأشار سماحة الشيخ في كلمته إلى أبرز ما يُميز هذا المؤتمر وهو اشتراك مجموعة من العلماء السلفيين من المملكة. والجدير بالذكر أن أجواء السلفيين في الماضي لم تكن متجاوبةً مع حركة التقريب، إذ أن موقفهم كان سلبياً مع أول بادرة للتقريب التي أقيمت في مصر قبل نصف قرن. ويعزو سماحة الشيخ حسن الصفار السبب في ذلك إلى:
1- إن فكرة التقريب لم تكن واضحة بالنسبة للسلفيين إذ أنهم ذهبوا إلى أن المقصود هو تقريب المذاهب مع بعضها البعض بأن تتنازل المذاهب عن بعض آرائها لا تقريب أتباع هذه المذاهب.
2- وجود حالة من التباعد والقطيعة بين السلفيين والشيعة على وجه الخصوص.
3- وللعامل السياسي دوره البارز في المسألة أيضاً.
ولكن مع وضوح الصورة أكثر وحيادية الجانب السياسي إن لم يكن تأييده للمسألة أصبح هذا التجاوب الواضح من السلفيين لحركة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
وأكد سماحة الشيخ أن هذا المؤتمر وما يتخلله من لقاءات فردية له الأثر الأكبر في تقليص حالة التشنج التي تقيد العلاقة بين المذاهب في منطقة الخليج.
كما أكد سماحته على جمهور الأمة أن لا تستعجل النتائج فهذه البادرة نقطة انطلاق وليست هي نهاية المطاف، ثم إنه قد لا يكون المشتركون يمثلون جميع الأطياف المختلفة في المذاهب، فقد يكون هناك عناصر متشنجة في أطروحاتها من السنة أو من الشيعة؛ ولكن الوقت والزمن كفيلٌ بإزالة كل عناصر التشنج والتطرف عند جميع المسلمين.
وأشار سماحة الشيخ إلى حقيقة مهمة ركّزت عليها بحوث ولقاءات المؤتمر وهي أن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم يُقنع الجميع بضرورة التقارب والتعاون والتعايش.
وقبل أن يختم سماحة الشيخ كلمته استعرض مشكلةً مهمة واجهت جميع المشاركين في المؤتمر وهي تتمثل في التراث سواءً مصادر الحديث أو الكتب التاريخية. وأساس المشكلة في فهم الأسلاف للروايات والأحداث التاريخية وما نقل عنهم حتى وصل إلينا. إضافةً إلى أن هذا التراث فيه الكثير من الأحاديث والروايات والنقولات التاريخية التي إذا تم التركيز عليها تتضاعف حالة التشنج بين أتباع المذاهب.
وأكد سماحة الشيخ أنه لا يمكن لأي جهة أن تدعي نزاهة تراثها وخلوّه من الشوائب.
وإجابة على السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى تبقى الأمة تواجه هذا التحدي؟ وما هو المطلوب لتجاوز هذه المشكلة؟ قال سماحة الشيخ: ينبغي التركيز على أمور:
أولاً- قد نتعامل مع التراث على أنه أمانة تاريخية ينبغي المحافظة علهيا، وهنا لا يُمكن لأي جهةٍ التصرف فيه بزيادةٍ أو نقصان.
ثانياً- ينبغي أن يكون هناك دراسة موضوعية علمية تخصصية لهذا التراث خصوصاً عند نقاط التماس بين المذاهب الأخرى.
وأكد سماحة الشيخ أن هذه المهمة ينبغي أن توكل إلى الجهات المختصة من العلماء والفقهاء فهم الأعرف بالموازين والضوابط العلمية والتخصصية في الحديث والتاريخ. إضافةً إلى ذلك أكد سماحة الشيخ ضرورة أن يكون العمل جماعياً بين الفقهاء وليس فردياً حتى يتحقق الهدف المنشود من دراسة وتنقية التراث.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وآله الطاهرين.