كيف نقرأ التراث؟
عقب صلاة الجماعة ليوم الجمعة الموافق 8 شعبان 1424هـ، وفي مسجد الشيخ علي المرهون بالقطيف، ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار كلمةً تحدث فيها عن طريقة التعامل مع الموروث الفكري والثقافي للأمة، وبدأ سماحته الكلمة بقوله: كل جيل يأتي للحياة يكون –بالطبع- جديداً عليها، فليست له رؤية حول أوضاع الحياة، وليست له طريقة للتعامل مع الحياة. والله تعالى يقول: ﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً﴾.والسؤال المطروح: كيف تتكون الرؤية وطريقة الحياة عند الإنسان؟
وإجابة على ذلك قال سماحة الشيخ: في العادة أن الجيل الجديد يتربى في أحضان الجيل السابق، وعبر هذه التربية يأخذ الجيل الجديد رؤيته وطريقته في الحياة.
ولذلك أصبحت الأفكار تتوارث بين الأجيال، وكذلك الحال بالنسبة إلى أنماط السلوك.
وفي حديث سماحة الشيخ حول التراث والتعامل مع الموروث عرّف سماحته التراث على أنه كل ما يُخلّفه الإنسان لأبنائه وورثته من مالٍ أو حسب.
وأكد سماحته على الموروث المعنوي وقال إنه يُتعبر تراثاً كما هو الحال بالنسبة للموروث المادي، والقرآن الكريم أطلق كلمة التراث على النوعين. فبالنسبة للأول يقول تعالى: ﴿وتأكلون التراث أكلاً لما﴾، وأما الثاني: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا﴾.
وأضاف سماحة الشيخ أن المجتمعات تتفاوت من حيث موروثها الثقافي فبعضها يورث ثقافةً وعادات كثيرة، بينما مجتمعاتٍ أخرى يكون حظها من ذلك قليل.
وكذلك الحال بالنسبة إلى درجة قداسة التراث، فهناك مجتمعات تقدّس موروثها الثقافي لدرجة كبيرة وهناك مجتمعات تبدي اهتماماً أقل.
وأكد سماحة الشيخ أن مجتمعاتنا الإسلامية تصنّف من المجتمعات التي تتشبّث بتراثها الثقافي وتعطيه قداسةً عظيمة، إضافةً إلى أنها تحمل موروثاً ثقافياً ضخماً وفي مختلف مجالات الحياة خصوصاً على الصعيد الفكري والثقافي، وهذا قد لا يتوفر لأي مجتمعٍ من المجتمعات. وذلك يرجع إلى كون هذا الموروث ديناً وأن المجتمعات الإسلامية تتعبّد به إلى الله تعالى.
بعد ذلك تحدث سماحة الشيخ عن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم وإلى أي درجة من التخلف قد وصل إليها وأنها أصبحت في مؤخرة ركب الحضارة، وأعزى سماحته السبب في ذلك إلى طريقة التعامل مع التراث، مبيناً أن هناك ثلاث طرق للتعامل مع التراث:
أولاً- التمسك الشامل والحرفي والنصي بكل ما في التراث وإصباغه بصبغة القداسة؛ وهذه النظرة سطحية متزمتة
.
ثانياً- التخلي عن التراث وإتباع الغرب في عاداته وأعرافه؛ وهذه النظرة انهزامية.
ثالثاً- الطريقة الموضوعية للتعامل مع التراث، حيث التمسك به مع استخدام العقل لتمحيص التراث ومعرفة الصحيح من غيره.
وتحدث سماحة الشيخ بعد ذلك عن الاجتهاد وضرورة تفعيله وأنه أفضل وسيلة للتعامل مع التراث، مؤكداً أن نهج خط أهل البيت يتميز بهذه الأطروحة التي تتواكب مع تطور الحياة.
وتساءل سماحة الشيخ: هل أن حركة الاجتهاد تقتصر على الجانب الفقهي أم أنها تتجاوزه إلى الجانب الفكري والثقافي؟
وأجاب سماحته: إن الواقع المعاش يركز الاجتهاد في الجانب الفقهي فقط بينما المطلوب هو تجاوز هذه الحالة إلى الاجتهاد في جوانب الدين كلها.
وأضاف سماحة الشيخ أن التراث نوعان:
الأول: نص شرعي؛ ويتمثل في الآيات والأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي وأهل بيته الكرام؛ وهذا النص مقدّس ولا يُمكن تجاوزه.
الثاني: فهم النص؛ وهنا يأتي دور الاجتهاد، إذ أنه لا يوجد تفسير مقدّس، أو فهم مقدّس.
وأشار سماحة الشيخ إلى ثلاثة أبعاد في منهجية قراءة التراث:
الأول- إثبات النص؛ وهذا يخص الأحاديث والروايات والأحداث التاريخية دون النص القرآني فهي بحاجة إلى بحث وإثبات صدورها أو حدوثها.
الثاني- فهم النص؛ وهذا قد يختلف من شخص لآخر وعصرٍ لآخر، والاجتهاد يتأكد هنا.
الثالث- من يقوم بدور الاجتهاد؛ فليس الكل يتمكن من القيام بهذا الدور العظيم والخطير، ولذا فهو موكول لذوي الاختصاص من الفقهاء والعلماء المجتهدين والباحثين.
وما أحوج الأمة بكل مذاهبها، إلى حركة اجتهادية نشطة تقوم بغربلة التراث والموافقة بينه وبين واقع الأمة اليوم، حتى يتم انتشال الأمة من الواقع المتخلف الذي تعيشه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.