الحوار القرآني مع سماحة الشيخ حسن موسى الصفار حفظه الله 1428هــ
ندوة قرآنية ضمن فعاليات الاحتفال بمناسبة افتتاح برنامج دبلوم علوم القرآن الكريم
الأستاذ الشبيب: سماحة الشيخ حسن الصفار أهلاً وسهلاً بك في مؤسسة لقيت منكم الاهتمام والدعم والرعاية منذ بدء نشأتها ... ونحن في مؤسسة علوم القرآن الكريم سعيدون بتشريفكم لهذا الحفل، والمؤسسة في مرحلة جديدة من مراحل نموها وتكاملها، وهي مرحلة منح شهادة دبلوم علوم القرآن الكريم، ونتمنى أن يكون هذا اللقاء إن شاء الله نواة للقاءات موسعة حسبما تتيح الفرصة، و حسبما يتيح وقتكم الثمين لكي نستفيد من توجيهاتكم ورعايتكم.
الشيخ الصفار: أود في البدء أن أعبر عن بالغ سروري وعميق سعادتي بمشاركتكم في هذا البرنامج القرآني الرائع، كما أسجل تقديري للإخوة الأعزاء في مؤسسة علوم القرآن الكريم على ما يبذلونه من جهد، وما يقدمون من خدمات كبيرة لكتاب الله المجيد، وللمجتمع من خلال خدمتهم للقرآن، إنهم يستحقون كل شكر وتقدير، أسأل الله سبحانه وتعالى لهم عظيم الأجر والثواب، وأن يحقق على أيديهم الآمال والتطلعات.
بالنسبة للسؤال المطروح حول اهتمام العالم الإسلامي بالقرآن الكريم: نرى أن هناك اهتماماً في ساحات كثيرة، وضمن مشاريع عديدة، بالقرآن الكريم، في مختلف بقاع العالم الإسلامي، ولكننا لو أردنا أن نرسم الصورة العامة لواقع العالم الإسلامي, لرأينا أنه في هذا العصر, وجِّهت إساءة كبرى للقرآن الكريم, لم يحدث أن وجِّهت مثلها في عصر من عصور الإسلام السابقة، في هذا العصر, عصر العولمة, وعصر تفتح العقول والأذهان, وعصر تعطش البشرية للينابيع الروحية الموجودة في القرآن الكريم, في هذا العصر بالذات, ابتليت الأمة بتيارات وتوجهات خلقت صورة مشوهة للقرآن والإسلام أمام الرأي العام العالمي، ولم تحصل في التاريخ الماضي جرأة على القرآن والإسلام على المستوى الثقافي والإعلامي, بهذا المستوى الذي حصل في هذا العصر، تجدون السياسيين والمثقفين في المجتمعات الغربية يتبارون في إظهار الإساءة إلى الإسلام، وقبل أيام لعلكم تابعتم خبر تكريم ذلك الكاتب الذي حاول تشويه القرآن والإسلام وسيرة رسول الله المرتد سلمان رشدي، تكريمه من قبل أعلى المستويات في بريطانيا، حيث سلمته الوسام ملكة بريطانيا, وواضح أن هذا التكريم تكريم لدور الإساءة الذي قام به تجاه الإسلام، وقبل ذلك ما حصل في الدانمارك، بنشر الرسوم المسيئة إلى رسول الله ، والكتابات التي تحصل في أمريكا, والتشويه الإعلامي عبر مختلف الوسائل, وكذلك كلما سمع العالم عن الأعمال الإرهابية التي تجري في مختلف أنحاء العالم، وأنه يكون خلفها أناس منتمون إلى الإسلام، ويتظاهرون بتقديس القرآن، هذا تشويه كبير، وأعتقد أن المعركة الكبرى اليوم، التي يجب أن يخوضها العالم الإسلامي، وأن يخوضها المسلمون في هذا العصر، يجب أن تكون لإنقاذ القرآن وإنقاذ الإسلام من مختطفيه، الإسلام مختطف في هذا العصر من قبل تيارات التشدد و الإرهاب، اختطفت الإسلام ورسمت له صورةً مشوهة أمام الرأي العام العالمي، قد يقو ل البعض إنها أيادي استعمارية، ومؤامرات استكبارية، هذا قد يكون صحيحاً، ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل أن هناك أرضيةً خصبة ساعدت على نمو هذه التيارات في أوساط المسلمين، ولهذا نعتقد أن العالم الإسلامي بحاجة إلى جهد كبير في هذا العصر، حتى يرمم، وحتى يتلافى التشويه الذي حصل لصورة الإسلام، ولقداسة القرآن أمام الرأي العام العالمي، ولا يصح لنا أبداً أن نرضى عن أنفسنا لمجرد وجود بعض الأنشطة القرآنية داخل مجتمعاتنا الإسلامية، إننا لا نستطيع أن نرمم هذا الضعف الذي حصل في سمعة الإسلام والقرآن أمام العالم، إلا إذا أطلقنا حملةً واسعةً، يجهر فيها العدد الأكبر من علماء الإسلام بآرائهم ضد الإرهاب، وضد التخلف والاستبداد، بحيث يرى العالم الغربي الصورة الصحيحة للإسلام والمسلمين، صورتنا أصبحت مخجلة أمام العالم، بسبب هذه التوجهات الإرهابية المتشددة المتطرفة، إذاً مع التقدير للأنشطة القرآنية الموجودة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من اهتمام بطبع القرآن إلى اهتمام بحفظ القرآن وتلاوة القرآن وترتيل القرآن، لكن ذلك كله ليس في مستوى التحدي، ولا يستطيع أن يغيِّر الصورة المشوهة التي ارتسمت للإسلام والقرآن.
الشيخ الصفار: لا بد أن نعترف أن هناك قصوراً وتقصيراً كبيرين, على مستوى حوزاتنا العلمية, ومجتمعاتنا, وهذا ليس اتهاماً من أحد يوجه للحوزات العلمية, وإنما هو اعتراف وإقرار من علماء كبار في حوزاتنا العلمية, لاحظوا هذا التقصير ودعوا إلى تجاوزه ومعالجته, في حوزاتنا العلمية لم يأخذ القرآن الكريم المكانة التي يجب أن يأخذها في مجتمع ينتمي إلى الثقلين كتاب الله وعترة رسول الله , كما قال رسول الله فإن التمسك ينبغي أن يكون بهما "فإنكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي", وأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام كانوا يأمروننا أن نعرض أحاديثهم, وما ورد عنهم على القرآن الكريم, وأعتقد أن بعض ما تسرَّب إلى تراثنا الشيعي من أخطاء ومن غلو, من أسبابه الرئيسية ضعف الثقافة القرآنية, وعدم محورية القرآن, ليس على نحو العموم, وإنما على نحو الأغلب, لو أننا في الأحاديث والروايات والعادات والتقاليد عرضنا كل ما في تراثنا على القرآن الكريم, لاستطعنا أن نميِّز بين كثير من الغث والسمين, بين الصحيح والخطأ, بينما ينبغي أن يقبل وما لا يقبل، أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام حذرونا من أن هناك كذباً كثيراً عليهم, من أن هناك دسّاً في كتبهم, كما روى هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله يقول: (لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القران والسنة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسَّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد )[1] , وبالفعل على الصعيد النظري العلمي، ليس عندنا كتب صحاح نعتمدها بالكامل، لعل من الفوارق الأساسية بيننا وبين مدرسة إخواننا أهل السنة, أن عندهم بعض الكتب, اعتبروها صحاحاً كصحيح البخاري, وصحيح مسلم, ولكن علمائنا لم يعتبروا أياً من الكتب والمجاميع الحديثية مقدسة، بحيث أن كل ما فيها صحيح، هناك بعض الآراء عند بعض علمائنا السابقين ترى صحة ما ورد في الكتب الأربعة: الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، لكن رأي المحققين من علمائنا، وهو الرأي السائد عند فقهائنا، أن هذه المجاميع الحديثية يجب أن يخضع كل حديث فيها لقواعد علم الرواية والدراية، بناءاً على ذلك كان ينبغي أن نعرض هذه الروايات والأحاديث على كتاب الله، وفق الضوابط العلمية، وبالتالي نميِّز مابين هذه الروايات والأحاديث، وهذا في المجال الفقهي معمول به، في البحوث الفقهية نجد أن هناك دقة الفقهاء يبذلون جهوداً كبيرة، كل حكم شرعي يبحثون عن آيات الأحكام فيه، ويبحثون عن الروايات، ويبحثون عن أراء الفقهاء، وبالتالي كل مسألة فقهية عندنا حولها تراكم علمي معرفي على ما هنالك من ملاحظات في المسار الفقهي، ولكننا نعاني من مشكلة كبيرة في المجال العقدي والتاريخي، حيث لم تبذل جهود كافية لتمحيص تفاصيل المسائل العقائدية والأحداث التاريخية، وتركت لهذا التراث المتراكم، وللآراء الدخيلة، وكذلك في المجال السلوكي والأخلاقي، كثير من القضايا الأخلاقية التي يعبر عنها بالمستحبات والسنن بناءاً على قاعدة التسامح في أدلة السنن لم يجر البحث في كثير منها، ولم تحصل محورية لآيات القرآن الكريم على هذا الصعيد، لذلك تجد في بعض الأحيان تُقدم بعض الروايات والأحاديث الضعيفة على آيات قرآنية محورية، وهذا ما رفضه أئمتنا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، حيث قدموا قيمة الوحدة مثلاً، وقيمة العدالة، وقيمة الحرية، هذه القيم الأساسية التي ينادي بها القرآن على كثير من القضايا الجانبية.
الشيخ الصفار: لأنكم أشرتم إلى هذا الاقتراح أود التوضيح، إننا في محافظة القطيف لدينا أنشطة في مختلف المجالات في مدننا وقرانا، وهذا أمر جيد وممتاز، نحن بحاجة إلى مرحلة جديدة، أن تصبح عندنا مؤسسات كبيرة في كل مجال على مستوى المحافظة, وتكون لها فروع في مختلف المناطق، مثلاً النشاط القرآني جميل أن تكون عندنا في كل مدينة وقرية مؤسسة قرآنية، ولكن ينبغي أن تكون مؤسسة مركزية على مستوى المحافظة، بحيث تصبح هذه المؤسسات القرآنية أشبه بالفروع لها وضمن هذه المؤسسة القرآنية على مستوى محافظة القطيف، يكون هناك تعاط على المستوى الوطني و العالمي، وتعاون في المناهج ، لا أعتقد أنه من المناسب أنه يكون لكل قرية منهج خاص يختلف عن القرية الأخرى، أو برامج خاصة، يحتاج أن نفكر في هذه المحافظة كمنطقة، وكوحدة اجتماعية، وتكون عندنا مؤسسات مركزية لمثل هذه المجالات، فعلى مستوى المملكة يوجد مؤسسات قرآنية ضخمة، الدولة تتعاطى معها، والعالم يتعاطى معها، نحن لا نستطيع أن نتعامل على مستوى مؤسسات جزئية في كل قرية, هذا مقترح قابل للنقاش, نحتاج إلى مؤسسة مركزية، يتم فيها تراكم الخبرة والتجربة، ويتم التعامل على المستوى الوطني و العالمي، مثلاً نحن بحاجة إلى موقع الكتروني قرآني، تشترك فيه مختلف الطاقات والقدرات، بحيث يكون موقع على المستوى العالمي، كما نرى موقع إسلام أون لاين، وموقع الإسلام اليوم، مواقع ضخمة، يعمل فيها عشرات الأفراد إن لم يكن مئات الأفراد، ولها ملايين الزائرين، ولا يصح أن نكتفي بمواقع صغيرة على مستوى قرانا ومناطقنا، بحيث يشتغل بها شخصان أو ثلاثة، ويدخل عليهم مائة أو مائتي زائر, هذا مستوى ينبغي أن نتجاوزه، نحتاج إلى موقع الكتروني قرآني يعبر عن كل المنطقة، وتشترك فيه كل الجهود، كذلك بالنسبة إلى المجلات، نحن بحاجة إلى مجلة قرآنية مركزية، تعبر عن المستوى الرفيع في دراساتنا القرآنية, وهذا يحتاج أن نقتنع بهذه الفكرة إن وجد أنها فكرة صالحة، وإلى أن نتحلى بالمرونة النفسية، بحيث نتجه إلى الهدف، والى المقصد الأساسي، وليس مسألة الانتصار لقريتي ولجماعتي، بمقدار ما نسعى لإظهار هذه المنطقة بالمظهر اللائق، وتكريس الخبرات والتجارب فيها.
الشيخ الصفار: أنا شخصياً في أي آية، ارجع إلى مجموعة من التفاسير، و في بعض الأحيان حينما أحتاج إلى تعمق أكثر في الآية الكريمة، فإنني ارجع إلى مجموعة أكبر من التفاسير.
على المستوى الشيعي، أرجع إلى تفسير الميزان للسيد الطباطبائي، وتفسير الأمثل للشيخ مكارم الشيرازي، وتفسير من هدى القرآن للسيد المدرسي، وتفسير من وحي القرآن للسيد فضل الله، أما إذا كانت آيات احتاج فيها إلى بحث أكثر، فإنني أرجع إلى عدد أكبر من التفاسير، كتفسير السيد السبزواري، وتفسير الدكتور الصادقي، وتفسير مجمع البيان، وتفسير الشيخ محمد جواد مغنية، أما في تفاسير إخواننا أهل السنة، فإنني عادة ما أرجع إلى تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، وإلى تفسير الشيخ السعدي باعتباره يعبر عن وجهة النظر السلفية في المملكة، لذلك احرص على الرجوع إليه، وإلى تفسير في ظلال القرآن للسيد قطب, وحينما تكون الآية تحتاج إلى بحث أكثر ارجع إلى الفخر الرازي، والطبري، والآلوسي، وسائر التفاسير.
مؤسسة علوم القرآن الكريم تتقدم بالشكر الجزيل لسماحة الشيخ حسن الصفار ولجميع من ساهم في خدمة القرآن الكريم.
وفي ختام الحفل قام سماحة الشيخ الصفار بتقديم الجوائز للمعلمين والإداريين المتميزين في المؤسسة، والطلاب المتفوقين، والملتحقين بدورة التجويد التمهيدية للكبار، وشارك في تقديم الجوائز رئيس جمعية أم الحمام الخيرية الأستاذ ماجد عبد العال، وأدار الحفل فضيلة الشيخ إبراهيم الحجاب، وحضره حشد كبير من المواطنين.